قلت إن رمضان عبادة أودعها الله رخصها من مرض وسفر. ولكن كيف نأتي رخص رمضان في غير ما تقدم شرعاً؟ كيف ننتقل بالفريضة من كونها تبعة فردية برخص فردية إلى تبعة جماعية نوفر فيها للمسلم بيئة مثلى للصوم مثل ما وفرنا لضيوف الرحمن بالحج السياحي وبغيره. صفوة القول هنا: كيف نعين، كدولة، المسلم على صومه ولا نترك الأمر عليه فإما استطاعه وإما أتى رخصه؟ عادني قولي بأخبار موجة الحر التي ضربت بورتسودان في هذا الشهر الفضيل حتى تعوذ قاريء من «عذاب السموم». فبلغت الحرارة 45,5 سنتيقريد والرطوبة 18%. ووصلت الحرارة أحياناً نصف درجة الغليان وهي 50 درجة. وتوفي 18 مواطناً بضربة الشمس من 200 إصابة منذ آخر يوليو. وبلغ عذاب السموم حداً صار الناس يستأجرون ثلاجات الفواكه لقضاء برهة تكييف لقاء 5 جنيهات للفرد. وزاد الطين بِله (في الحقيقة جفافاً) انقطاع الماء والكهرباء. لن تجد أثراً للمشيخة الدينية خلال معاظلة ناس بورتسودان الفريضة كادحين لله كدحا. فقد فرغوا من رمضان ولم يبق إلا إصدار بيانهم الراتب عن تحديد زكاة الفطر (3جنيه ونصف والإطعام 3 جنيه لليوم). ووجدت انصراف العلماء الدينية عن بأساء بورتسودان فظاً. فلم يصدر عنهم بياناً للجهات الحكومية لتشفق بالمسلمين ولا أعملت فقهها جالبة التيسيير للمشقة. فلم تنتهر المسئولين الذين لم يستعدوا لمثل هذه الأيام ذات الكرب من أيام الفريضة. لم تؤاخذهم على أعذارهم التي هي أقبح من الذنب في تعذر الكهرباء والمياه. وهي أعذار دائرية أو مستهلكة نزولاً إلى حكاية الطمي الذي يسد محابس الخزانات. وهذه المرة فالطمي في خور أربعات لا في الدمازين. وكأن الطمي مما يأتي بليل ولا يتراكم أمام أعيننا المجردة. وكذلك تذبذب الكهرباء بسبب سقوط بعض الأعمدة بفعل الرياح الصرصر العاتية. وكأنه لا قيام للأعمدة بعد سقوطها . . . وبسرعة. كنت أنتظر أن يبدي المشائخ حرصاً يزعون بالقرآن سلطات المدينة ليوفروا بئية مواتية للصوم لا أن يستبقوا الصائمين القائمين المتعبين إلى العيد. ولم يقم علماء المشيخة حتى بتكليفهم من الفتيا تخفيفاً للمشقة من على كاهل مسلميّ بورتسودان. فقد كان بوسعهم الإفتاء لأهل الصنائع الشاقة التي تؤدى في الحرايَّة أن يفطروا وعدة من أيام أخر. فالله يحب ان تؤتى رخضه كما يحب أن تؤتى عزائمه. وما لنا نذهب بعيداً. فقد أفتى علماء الأمارت العربية المتحدة منذ أيام بإباحة الفطر لأصحاب مثل تلك الصنائع. ولم يشترطوا سوى أن تكون للعامل «نية الصوم فعلاً» وأن يفطر متى شق الصيام عليه. وجاءت الفتوى رداً على عامل بمنصة نفطية بحرية قال إن الجسد يتشنج لغلو الحرارة وقد يسقط الصائم من حالق المنصة. وأيد علماء من الأزهر الفتوى. كنت قلت مرة إنني حسبت المشيخة أحنى بالناس من الأفندية لأن علمهم، خلافاً لعلم الأفندية، متغلغل في عقيدة الناس وممارستهم. ولم «تتبين» المشيخة. فقد انضموا إلى الأفندية المنعمين منذ صاروا إلى الرقابة على البنوك وغيرها فدخلوا مملكة «مملكة الظل» أفواجا. وصار حالنا كما وصفه عبد الله الطيب. قيل إنه قال لمّا نقلوه من جامعة الخرطوم إلى الجامعة الإسلامية :» هذا ارتحال من كيد الافندية إلى كيد المشائخ». فتغيرت أسبقيات المشيخة وصاروا علماء للسلطان. فاصدروا بغير حاجة ملجئة فتوى بعدم جواز حضور الرئيس البشير لمؤتمر القمة العربي بالدوحة في مارس 2009. ولم يسألهم البشير الفتيا. ووصف المشائخ فتواهم ب»المناشدة» أيضاً. وهذه «جكة» ياسين. وأما لغة الفتوى فستكون يوماً من معروضات «فسخ الجوخ» الديني وليس مسحه. الأحداث