حديث المدينة الشيشة!! عثمان ميرغني في الوقت الذي نقترب فيه بعنف من اللحظة الفاصلة.. التي ربما (تفصل) السودان إلى قطرين.. تدور معركة حامية الوطيس في ولاية الخرطوم حول (الشيشة).. حكومة الولاية منعت المقاهي من استخدامها.. ويدور جدل محتدم حول مدى حصافة مثل هذا القرار في مثل هذا التوقيت.. وجهتا النظر الاثنتان أمامكم قبل أن أُدلي برأيي.. حكومة ولاية الخرطوم ترى أن (الشيشة) أصلاً دخيلة.. ليست من (العيوب) القديمة للشعب السوداني.. فهي ليست ك(السعوط).. الذي رغم فجاعته وضرره الكاسح، إلا أن تغلغل ممارسته شعبياً يجعل استئصاله عملية معقدة وطويلة الأمد.. لكن (الشيشة) ظاهرة حديثة.. وكبحها قبل استفحالها أفضل من انتظارها لتنتشر أفقياً ورأسياً.. ولهذا حسب حكومة الولاية لا تهاون.. وعملية جراحية صغيرة ب(تخدير موضعي) اليوم، أفضل من عملية جراحية ب(تخدير كامل) غداً.. أما وجهة النظر المضادة.. للذين يعترضون على القرار.. أن البلد أصلاً محاطة بما يكفي من المشكلات.. وخاصة تلك التي ترتبط بتقدير السلوك الشخصي.. ولا يزال يدور جدل محتدم حول أوضاع الأقليات غير المسلمة.. ومثل هذا التصرف قد يضيف إلى فاتورة الغبن الذي يكتنف عملية الاستفتاء على تقرير المصير في جنوب السودان.. كما أن (الشيشة) مصدر رزق للبعض، الذين نالوا رخصة رسمية ودفعوا الرسوم. ويتأثر حالهم والتزامهم المالي بقفلها بمثل هذه الفورية.. تلك هي الآراء المتناطحة.. في الوقت الذي ينحدر فيه السودان بقوة إلى غرفة العمليات الجراحية.. التي إما أن تنجح بأعجوبة في إنقاذ السودان من البتر.. أو – لا قدر الله – ينشطر الوطن.. مع ذلك في تقديري أن المشكلة ليست في قرار منع أو إباحة (الشيشة).. فتلك هي مجرد (الدراما) التي تظهر في السطح.. لا تضيعوا الوقت في التعامل مع (الدراما).. دائماً انظروا ل(منهج التفكير) الذي ينجبها.. عقل المؤلف الذي يكتبها.. وهناك يكون العلاج.. قرار منع (الشيشة) في المحلات العامة، استهدف (المظهر الاجتماعي) فقط.. حتى ولو حمل حيثيات أخرى تتحدث عن الضرر الصحي.. فهي ليست ممنوعة بصفة عامة.. بل في المكون الاجتماعي لها.. وهنا يبرز السؤال الأكثر حساسية..إذن ما الذي يدفع التعامل مع الشكل الاجتماعي ل(الشيشة).. ما الذي (يجمل) أو (يقبح) هذا المظهر الاجتماعي؟ الأجدر أن ندرك أن التعامل مع السلوك الاجتماعي، إن جاء من باب (التعليمات!) فغالباً يحفز قوة الدفع المضاد.. في سياق (كل ممنوع.. مرغوب).. والتعامل بالإيحاء أفضل وأنجع.. والمشكلة (الاجتماعية) ليست في تعاطي (الشيشة) علناً في المقاهي العامة.. بل في أن يرتبط تعاطيها بمفاهيم اجتماعية ضارة وهادمة للشخصية السودانية.. وهنا يطفر السؤال.. أيهما يهدم القيم الاجتماعية ويهدم الشخصية السودانية أكثر.. تعاطي (الشيشة) علناً.. أم (إذاعات خاصة) تبث في أثيرنا المفتوح علناً.. ثقافة هادمة للشخصية السودانية وماسخة لها.. بينما يُرفض للأستاذ حسين خوجلي إذاعة.. تُمنح جهات أجنبية إذاعات ليل نهار تبث أغاني تنتهي بصوت قبلة طويلة.. ومعها كلمة بالدراجي لا تصلح للنشر هنا.. لكن الإذاعات الخاصة تبثها في سمائنا علناً.. التيار