هناك فرق التصفيق بحرارة .. طوال الوقت! منى أبو زيد طرفة سياسية انتشرت في العراق أيام حكم الرئيس الراحل صدام حسين تقول حكايتها إن نائب الرئيس، عزت الدوري، قد أوكل أمر إعداد كلمته في مؤتمر الإعلاميين العرب، إلى وزير الإعلام.. فسلمه الرجل كلمة لا يتجاوز زمن قراءتها ربع الساعة.. وعندما وبخه الدوري على طول الكلمة التي استغرقت أكثر من ساعة، كان رد الوزير (يا رفيق عزت.. نحن سلمناك أربع نسخ وأنت قرأتها جميعاً.. ولكن بحمد الله لم ينتبه أحد.. والدليل أن التصفيق ما يزال يملأ القاعة)! واحدة أخرى من طرائف شر البلية السياسية، رواها الأديب الروسي الراحل إلكسندر سولجنستين، تقول الطرفة/المأساة إن الجمهور المسكين أيام حكم ستالين ظل يصفق في أحد المؤتمرات، مدة إحدى عشرة دقيقة.. تصفيقاً متواصلاً بلا انقطاع.. حتى سقط بعضهم من الإعياء ونُقلوا إلى المستشفيات.. والذي تجرأ يومها على التوقف عن التصفيق عوقب بالسجن عشر سنوات.. وقد خرج سولجنستين من تلك الحادثة بالحكمة الديكتاتورية الثمينة التالية (لا تكن أبداً أول من يتوقف عن التصفيق)! وفي حكايات محمد حسنين هيكل عن أنور السادات مزاعم عن مقدراته الكبيرة على استدعاء تصفيق الجمهور لتحقيق أغراضه السياسية (عندما كان يلقي كلمته أمام مجلس الشعب وأعلن استعداده لزايرة إسرائيل.. توقف السادات مدة ثانيتين حتى يصفق له الجمهور).. ثم قام بتوظيف ذلك التصفيق سياسياً! وما يزال رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير يقاسي من لعنة التمرد على التصفيق لخطابه الذي ألقاه أمام المعهد البريطاني للمرأة في مطلع هذه الألفية.. يومها استخدمت النساء مبدأ الامتناع عن التصفيق للتعبير عن استخفافهنَّ بكلمته.. وها هي مليكتهن اليوم ترفض إعطاءه وسام شرف.. ولو نجح في انتزاع تصفيق بنات جنسها، لنال الرضا السامي مع مرتبة الشرف! ليس السياسيون وحدهم.. حتى (الغنايات) يلجأن إلى إرهاب الحاضرات لانتزاع التصفيق.. فيرفعن عقيراتهن بالتهديد.. ويتوعدن المتخاذلات عن التصفيق بالدعاء عليهن بدوام العنوسة.. وهو إكراه أدبي قائم على مبدأ طردية العلاقة بين التصفيق واستحسان الجمهور.. ربما لذلك أخذ التصفيق أكثر من عشرة بالمائة من زمن رائعة أم كلثوم (أنت عمري)! والمثل الفرنسي يقول (يظل الطفل بريئاً حتى يتعلم التصفيق!).. فكثيراً ما يكون تصفيق الشعوب سلوكاً قهرياً و تغطية إعلامية مجانية لمثالب الحكومات.. لاحظ معي مثلاً كيف بات عدم استهداف الحكومة من أولويات الإعلام عندنا.. وعلى وجه الخصوص الإعلام المرئي (أكبر محرض على التصفيق للحكومة).. فإما أن تصفق.. أو تغني.. أو لا تُصفق (فيضيَّق عليك الخناق)! بصراحة ومن الآخر! إذا سلمنا بأننا شعب لا يستحق الديموقراطية التلفزيونية.. فكيف ومتى نصل إلى درجة الاستحقاق؟! .. وكيف نرتقي إلى مدارج الوعي الديموقراطي من أساسه ونحن مغيبون تحت مظلة إدارات إعلامية لا تفرق بين النقد الإصلاحي لأداء الحكومات.. والمعارضة السياسية التي تستهدف وجودها أصلاً؟! أعتقد أن الحكومة اليوم بحاجة ملحة إلى (مناقشة) مدى وعيها بأهمية ظهور الرأي الآخر.. ومدى إدراكها لكون النجاح السياسي هو البقاء للأقوى (الأذكى) في مواجهة النقد الإصلاحي ! التيار