هناك فرق التمويل الأصغر ..! منى أبو زيد عدم المساواة بين السكان في الوظائف والتعليم والمداخيل كان ضمن الأسباب التي ساقها تقرير أمريكي – رائج – وضع السودان على قائمة الدول الفاشلة.. هي على كل حال كلمة حق وإن أُريد بها غير ذلك.. بلى، الفقر هو العدو اللدود لأي حكومة تحترم شعبها.. بلى، الفقراء هم سوادنا الأعظم.. والسبب الرئيس هو شح التدابير الاقتصادية الناجعة لمكافحة الفقر..! في هذا السياق قالت صحف الأمس إن السيد محافظ البنك المركزي حثّ رجال الدين لترسيخ ثقافة التمويل الأصغر وسط المجتمعات السودانية عبر المساجد.. وذلك لتحقيق العدالة الاجتماعية التي يندد مثل ذلك التقرير المذكور آنفاً بانعدامها..! لقد ظلت العلاقة مع البنوك – في هذا البلد - حكراً على الأثرياء لعقود طويلة.. كما وأن وقوف المحاذير الشكلانية – غير المواكبة للتطور– في فقه المعاملات قد بات اليوم أكبر مُهددات التحاق السودان بركب الحداثة الاقتصادية، التي سبقتنا إليها دول إسلامية كثيرة - تحت مظلة الشرع- ودونما أي مساس بمحاذير الدين..! نحن مجتمع مُتصوِّف يتعامل مع مصدر لقمة العيش بسياسة الحس المُرهف.. وتلك لعمري إحدى فضائلنا العظيمة.. ولكن هنالك الكثير من المفاهيم السائدة التي ينبغي أن تُصحح .. لأن في تغييرها خير عميم .. ولولا التنطُّع في تقييم بعض وجوه المعاملات لما راجت تجارة الكسر التي خرّبت البيوت، وشرّدت الأسر، وملأت السجون.. مجتمعنا بحاجة مُلحة إلى استثمار نجاحات التمويل الأصغر.. نحن بحاجة إلى أن نحذو حذو بلاد فقيرة أحال هذا النوع من المعاملات خوفها الاقتصادي أمناً.. وأبدل فقر أفرادها كفاية وقناعة..! دوننا التجربة البنجلاديشية .. تلك البلد التي جمعت بين صدارة قائمتي الفقر والكثافة السكانية، والتي وقفت الفيضانات، والسيول، والنزاعات السياسية، والفساد، وسوء الإدارة الحكومية عوائق في وجه تنمية اقتصادها ردحاً من الزمن .. ثم حققت مجتمعاتها معدلات نمو اقتصادي ممتازة، وازداد حجم طبقتها المتوسطة، وازدهرت مشاريع الصناعات الاستهلاكية فيها، وصنّفتها التقارير الدولية (ضمن الدول الإحدى عشرة المتوقع تفوّقها اقتصادياً) وكله بفضل سياسة التمويل الأصغر..! والكل يعلم بالمساعدات الجمّة التي قدمها بروفيسور الاقتصاد البنغالي محمد يونس لفقراء بلاده .. وكيف بدأ مشواره النبيل بسخرية البنوك من أفكاره .. فالبنوك كانت ترى في الفقراء عملاء لا يمتلكون الأهلية لأخذ القروض .. لكن يونس أقنع العالم بأن الفقراء عملاء جديرون بالاقتراض .. فأنشأ بنك (جرامين) الذي انتهج مساعدة الفقراء بقروض بسيطة تدر عليهم مداخيل معقولة (بدأ بقروض صغيرة لتمويل مشروعات منزلية تقوم عليها النساء الفقيرات) .. الأمر الذي وضع الرجل على قائمة أبرز المفكرين الذين استفادت البشرية من فتوحاتهم العقلية .. لقد أهلته فتوحاته الاقتصادية لنيل جائزة نوبل، وهاهي بلاده (التي حصدت المجاعة – يوماً - أكثر من مليون ونصف المليون من فقرائها) تحقق اليوم معدلات نمو بنسب مئوية مرموقة بشهادة البنك الدولي..! ما ضرّ لو تبنّى صناع قرار الاقتصاد في هذا السودان فلسفة وطنية مفادها أن قبول الائتمان هو حق من حقوق الإنسان، وأن أولوية الحصول على قرض يجب أن تكون للفقير الذي لا يملك شيئاً..؟! كم نحن بحاجة إلى منهجية اقتصادية جديدة في توجيه دفة التمويل والقروض .. منهجية حصيفة تحكمها الدوافع قبل الضمانات ..! التيار