رحم الله شهداء فاجعة القارب النهري الذي انقلب بركابه أمام فندق برج الفاتح، أي في قلب الخرطوم وفي جزء حي ومتحرك من شارع النيل وفي ساعة العصاري، رغم هذا راح ثلاثة أو أربعة من الشاب من الجنسين ضحية لهذا الحادث. قصدت من تحديد المكان أو الزمان القول بأن الحادث وقع في وقت مبكر من اليوم وفي مكان يفترض أن تتواجد فيه كل معينات الإنقاذ، غير المتطوعين، لكن مع الأسف ليست هذه هي الكارثة الأولى، ومن طريقة تعاملنا معها، أخشى القول بأنها لن تكون الأخيرة، فهناك أوجه قصور متعددة وخلل بين، لا تقترب منه يد الإصلاح. في الحادثة الأقرب للذهن، وهي حادثة الباخرة \"نسمة\" التي غرقت قبل سنوات، اكتفت الجهات المسؤولة بتقديم أصحاب القارب وسائقه للمحاكمة. لا يكفي في مثل هذه الحوادث محاسبة شخص أو شخصين لصلتهم المباشرة بالحادث، بل لا بد من مراجعة النظام بكامله الذي تتحرك القوارب والمعديات النهرية وفقا له. لابد من مراجعة الجهات التي تقوم بالترخيص، ولو لم تكن موجودة فلا بد من محاسبة الجهات المسؤولة عن إيجادها ولم تفعل، ثم لو كانت السلطة المرخصة موجودة فإن الأمر يحتاج لمراجعة قواعد عملها وكيفية تنفيذه. كيف يسمح لمثل هذه الأوعية النهرية بالتحرك دون توفر معينات السلامة والأمن، من الذي يحدد المعدات ومن الذي يراجع ويتأكد من توفرها قبل الإبحار؟ ثم أين أجهزة الدفاع المدني، ومن أين تأتي لنجدة الغرقى وضحايا حوادث المراكب والمعديات المختلفة في وقت نحن نعلم فيه أن كل دقيقة تساوي حياة عدد من الأشخاص، هل تتواجد في أماكن تشغيل هذه الأوعية النهرية أم أنها تتمركز في مكان واحد، ولم لم تستطع إنقاذ الركاب طالما أن حادث الغرق حدث على الشاطئ وعلى مقربة من عشرات القوارب الأخرى؟ لن نشطح بعيدا ونتطلع لتجارب دول أخرى يستقيل فيها كبار المسؤولين من درجة مدراء هيئات ووزراء، فنحن نعلم أن لا أحد من المسئولين سيستقيل أو يعلن تحمله المسؤولية من تلقاء نفسه، والبديل المتاح هو أن تكون هناك أجهزة حقيقية لمحاسبة المسؤولين المقصرين، مهما علت مناصبهم. وظللت منذ عامين أقدم قضية جاهزة للجهات المسؤولة عن الدفاع المدني دون جدوى، وهي توقعات عن كارثة قادمة تقع تحت مسؤوليتهم المباشرة، ويمكن منعها قبل وقوعها بإجراءات بسيطة، وهي خيم الأفراح التي انتشرت في كل مكان بطريقة سرطانية، ودون توفر إجراءات الأمن والسلامة فيها. هذه الخيم مصنوعة من مواد سريعة الاشتعال، ولو حدث لا قدر الله نشوب حريق لأي سبب، والأسباب المتوفرة كثيرة، فإن هذه الخيم تفتقد لأي من معينات إطفاء الحرائق. وقد صارت هوايتي منذ زمن عند حضور أي مناسبة فيمثل هذه الخيم أن أراجع وجود أجهزة إطفاء أو حنفيات للحريق، ولم تنجح المحاولة ولا مرة واحدة. أكثر من هذا خطورة هو عدم وجود مداخل ومخارج متعددة لكثير من هذه الخيم التي تكتفي بمدخل واحد لن يسع الناس عند وقوع أي حادث أو أمر طارئ، بل سيتسبب في الازدحام والاختناق. مسؤولية الدفاع المدني مراجعة تراخيص هذه الخيم ومراعاة توفر وسائل الأمن والسلامة بكاملها، وإلا فالكارثة قادمة ، حمانا الله وإياكم منها. الأخبار