حديث المدينة (إني خيّرتك فاختاري..).!! عثمان ميرغني وزير الإعلام د.كمال عبيد أثار موجة من ردود الأفعال بعد حديث للإذاعة السودانية.. صباح الجمعة الماضي.. قطع فيه أنه في حال تصويت الجنوبيين للانفصال فإن الجنوب سيكون جنوباً والشمال شمالاً.. و(إني خيّرتك فاختاري..لا توجد منطقة وسطى بين الجنة والنار) على قول الشاعر نزار قباني.. لن يحمل أبناء الجنوب جنسية وطنهم الأم السودان.. ويتعين عليهم الرحيل فوراً من الشمال.. لن يبيعوا أو يشتروا في الشمال.. ومن باب استخدام صيغة المبالغة قال كمال عبيد ( لن نعطي الجنوبيين حقنة في مستشفى!!). بالطبع التصريحات خطيرة للغاية.. وتناقلها الإعلام العالمي بسرعة وانتشار كبيرين.. فهو وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الدولة.. ويتحدث في إذاعة أم درمان وفي برنامج أصلاً ذي طابع رسمي (مؤتمر إذاعي).. إذن ما المقصود بمثل هذه التصريحات؟ هل هو نوع من الضغوط (الحميدة) لدفع الناخبين لاختيار الوحدة حماية لمصالحهم (الخاصة)؟.. في تقديري أن وزير الإعلام ارتكب خطأين.. جسيمين.. الأول.. أن مثل هذه الرسالة ستمنح الجنوبيين - حال اختاروا الانفصال- خارطة طريق للأسلوب الذي يجب أن يعاملوا به الشماليين في الجنوب.. فيكون الوزير وجّه ضربة ولا أقسى لمصالح الشماليين في الجنوب، خاصة التجار الذين ارتبطوا بالجنوب عبر تاريخ طويل.. وقد تلقيت أمس اتصالاً هاتفياً من موظف شمالي يعمل منذ عامين في مدينة ملكال.. قال لي إنه كان آمنًا ومُرحباً به في أوساط الجنوبيين هناك إلى ما قبل تصريحات وزير الإعلام.. لكنه الآن بات قلقاً على نفسه مما لاحظه من توتر حوله. الثاني.. أن الوزير بتصريحاته منح الجنوبيين والعالم أجمع الإحساس بأن (الوحدة!) كانت هِبة القوة العسكرية خلال الخمسين عاماً الماضية.. والآن – إن تحققت – فهي هِبة الإكراه والخوف.. إذا اختار الجنوبيون الوحدة فكأنما يصوتون خوف (الحقنة)!! محصلة تصريحات الوزير.. تعبئ المشاعر الجنوبية ضد الشمال.. وتستثير الشماليين ضدهم بصورة كاسحة، وتفرض حالة تغابن قصوى تحرق كل العشم في وطن إن لم يكن واحداً فعلى الأقل وطنين مُتحابين غير مُتحاربين.. ويزيد من نار الحريق أن هناك مصاهرة واسعة بين الشماليين والجنوبيين.. هل ستفرض الدولة على السودانيين حالة تفاصل(عائلي) بقسمة أفراد الأسرة إلى نصفين متغاضبين.. فتعيش الأسر السودانية المتصاهرة تحت رعاية (شرطة الأجانب).. بعد الحصول على تأشيرة دخول؟. ثم- وهو الأهم - من الذي سيصوت للوحدة أو الانفصال في استفتاء تقرير المصير؟ هل هم أبناء جنوب السودان.. أم الحركة الشعبية؟.. كمال عبيد يدرك - وقال ذلك في حواره الإذاعي- أن مواطن جنوب السودان ليس هو بالضرورة من يضع بطاقة الاستفتاء في الصندوق.. وأغلب الظن أنه لو أراد الوحدة ربما لن يكون بوسعه التعبير عن هذه الإرادة.. فلماذا يؤخذ المواطن السوداني الجنوبي بوزر غيره؟.. الوحدة أو الانفصال قرار النُخب والساسة من الجانبين.. لكنّ تصريحات الوزير ستفرض على الشعب في الشمال والجنوب أن يدفع فاتورة أخطاء لم يرتكبها. التيار