بسم الله الرحمن الرحيم عندما تضيع المبادئ تحت أقدام الطغاة محمد عبد المجيد أمين ( عمر براق) [email protected] في زمننا هذا لا ينبغي للمرء أن يستغرب مما يدور حوله ، فالتاريخ دائما ما يعيد نفسه ويكرر بعض من صفحاته ، ولا يكون ذلك الا وهناك حكمة ، لذلك فلا عجب أن يكون من ضمن ابتلاءات الناس أن يرزحوا ردحا تحت حكم الطغاة ، اذ كيف يستدل علي العدل ولم يجرب مثل هذا النوع من الظلم؟. نعم هي بالتأكيد حالة شاذة وعارضة في تاريخ المجتمعات البشرية ، اذ أن طبيعة النفس البشرية مجبولة علي النزوع الي العدل وحب الخير، وما شواذ هذه القاعدة الا قلة من المستبدين والطغاة ، وهم يمثلون العلو والاستكبار والتسلط علي خلق الله . ولقد وصف أرسطو حكم رب الأسرة علي أسرته ، والسيد علي عبيده بكلمة ديسبوتس (Despots) أي المستبد ، وقارن هذا الوصف مع الطغيان فوجد أنهما نوعان من السلطة تمارس علي الآخرين لدرجة الاستعباد ، الا أن أستاذه أفلاطون اختلف مع تلميذه في هذا المنحي وقال بأن الطاغية انما يستولي علي الحكم عنوة وعادة ما يسعي الي التخلص من خصومه اما بازاحتهم أو بابداتهم لينفرد هو بالحكم ، ثم يجمع من حوله مجموعات مستعبدة يشتري ولاءها بأجور عالية . أليس هذا هو نفس الصورة النمطية للطاغية التي نراها الآن ؟ . نعم ، فالطاغية في زمننا هذا لا يختلف كثيرا عما رسمه أفلاطون وربما زاد عليه بحكم التطور البشري ، فنراه يعرف نقاط ضعف قومه فيطرح فكرة يلهب بها مشاعر الناس كي يلتفوا حوله ، ثم يحدد لعصبته من المنتفعين والمتسلقين والانتهازيين مهام محددة ، فمجموعة تحميه من ظله ، وأخري مثقفة أو متثقفة تؤلف له البرامج وتضع له المشاريع ، ومجموعة أخري من الرعاع يكادوا يألهونه، يكيلون له المديح والثناء ويسوقون الدعاوي الكاذبة بين العامة ، ولكي تكتمل الصورة تجمع هذه الشرذمة نفسها في اطار حزبي أو عقدي يتماشي مع أنظمة الحكم العصرية يكون الطاغية رئيسه وتقنعه بان المخلص والمنقذ للبلاد والعباد. يجمع هؤلاء خصال لا تخطئها العين من كذب وغش ونفاق وافساد في الأرض ونهب ثروات البلاد وسن القوانين الجائرة للاستحواذ علي أقوات وعرق وكد العباد ، وعندما تتهدد مصالحهم يستجيرون بالغرباء من الطغاة أمثالهم. هؤلاء لا يهمهم الا أنفسهم ومن معهم فقط وديدنهم للوصول الي مبتغاهم استخدام أحقر الأدوات البشرية كاحداث الفتن و الفرقة والانشقاقات للنيل من الخصوم. لقد وضع لنا القرآن الكريم أرضية صلبة للتعرف علي مثل هذه النماذج المقيتة من الطغاة ، ففي هذا المناخ الفاسد تعيش فئات طفيلية مكونة من حاكم طاغية ( مثيل لفرعون) وسياسي انتهازي( مجموعة هامان) ، وصاحب مال أو جامع ثروات شره ( مجموعة قارون ) . وبعكس قصة فرعون وهامان وقارون التي لعب أبطالها علي وتر (التأليه) فقد جاء هؤلاء ليلعبوا علي وتر الدين بأكمله ولأن عاقبة الطغيان الفساد فقد كانت النتيجة كارثية بكل المقاييس ، اذ وقع المحظور بالفعل واستشري الفساد في كل مكان ، وانتشرت الأمراض الخبيثة وعم البلاء وضاقت أحوال البلاد وضيق علي معايش الناس فخربت الذمم وبيع ما لا ينبغي أن يباع ، ولم يعد هناك من مناص بعد الا باجتثاث مصادر الفساد من جذورها وتطهير البلاد من هذا الدنس. وبقدر ما يلام الطغاة يلام الناس أيضا، فقد آثروا الذلة والاستكانة وأخرسوا ألسنتهم وتقاعسوا عن الجهر بالحق وأثبتوا بذلك أن حوائط الصد لديهم ضعيفة يمكن أن تخترق من أي ظالم جائر. يا سبحان الله .... لكم هو تعس انسان هذا البلد.!! أن تخرج من أرحام نساءه مثل هذه الشخصيات البغيضة ، ليس خلقا ، وانما خلقا، مما يجعل المرء يتسائل.!! أهي نتاج موروثات جينية متأصلة في الأنساب؟ أم هي ثمار سلوك خبيث مكتسب من القبيلة أو الأسرة أو المجتمع؟ أم هو الحرمان من متاع الدنيا ؟ أم هي الدناءة والأنانية ؟ أم هو تعظيم زائد للأنا الأعلي ؟ أم هي علل نفسية من الحقد والحسد والبغضاء للآخر مترسبة في اللاشعور تنتظر الفرص السانحة ؟ . من أين أتي الطغاة بكل هذه المساوئ والرذائل، وعلي من يقع الوزر؟ ومن يتحمل المسئولية ؟ . ان المسئولية لا تقع علي الطغاة وحدهم ، فالقوم لهم ضلع فيما أقترف أن ركنوا الي الطغاة واتبعوا امرهم . قال تعالي عن مآل فرعون وقومه : \" فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد.. يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود\" (هود / 97،98) وقال تعالي : \" فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قومًا فاسقين\" (الزخرف/آية 54) وعن قوم نوح قال تعالي \" قال نوح ربي إنهم عصوني واتبعوا ما لم يزده ماله وولده إلا خسارًا \"( نوح/آية21 ). ينبغي ونحن نلوم الحكام أن نراجع أنفسنا ... فنحن أيضا لسنا بمنأي من سوء العاقبة، وطرف أصيل فيما يجري، بل طرف مؤثر في احداث التغيير بجذر الفساد واقامة العدل واحقاق الحق ونصر الله تعالي في الأرض. أولم يكفنا أنا تعلمنا من أم الكتاب أن الانفتاح علي مباهج الدنيا وزينتها فقط دون زاد الآخرة هو بمثابة الرهان علي حصان أعرج خاسر؟. هاهم أهل الدنيا- أصحاب العلم والحضارة- يثوبون الي رشدهم ويبحثون عن الايمان بعدما أوصلهم علمهم أن القيامة ربما ستكون قريبا( عام 2012). ربما فشلنا منذ الاستقلال وحتي الآن في تكوين دولة تسع الجميع ، وهذا بالطبع يجعل أي فخر نتشدق به هو مجرد ضحك علي النفس وهروب الي الوراء ، فنحن لم نتوقف أبدا ونضع لأنفسنا قواعد وأهداف نسترشد بها لبناء الدولة نستثمر فيها حسن خصالنا التي ندعيها، لم نتعرف علي تاريخنا ، ولم نستخلص منه العبر، ولم نتعرف علي ديننا ، ما لنا وما علينا ، ونعكس كل ذلك في سلوكنا المجتمعي العام ومؤكد أننا لم نأتي الي هذه الحياة الدنيا عبثا كي نسجل حضورنا فقط ، اذ ليس هذا مبلغنا من العلم ، فنحن مسئولون عن ذرية لا نورثها المال، وانما نورثها رسالة قائمة بين ظهرانينا كي توصلها بدورها الي من يستحقها . هذا هو ملخص العلم والعمل ودونه هو مضيعة للوقت وخسران مبين . نسأل الله تعالي أن يلطف بأهل هذا البلد ، وأن لا يخلف علينا طغاة آخريين فقد جربنا المجرب ووعينا الدرس جيدا وعلمنا يقينا أن الهدي هدي الله وحده ولسنا بحاجة الي من يهدنا الي الصراط المستقيم ،ففاتحة الكتاب حاضرة ما بقينا أحياء وسنة نبينا الكريم صلي الله عليه وسلم دليلنا القائم وما علينا الا أن نعي ونطبق فقط ونصلح ما أفسده الطغاة. الدمازين في: 2010/10/01م. محمد عبد المجيد أمين(عمر براق) [email protected]