تاباها مملحة.. تاني ترجع ليها!! منى سلمان [email protected] هم (عثمان) بلبس السفنجة والتوجّه إلى المطبخ لجلب الصينية، ليتناول الغداء مع ابني عمه (النور) و(صالح) الذين حضرا لزيارته من الحلّة، عندما تناهى لأسماعهم طرقات مزعجة في الباب فغيّر اتجاهه وأسرع لفتح الباب.. فوجئ بمجموعة من الرجال يحملون شخصاً بين أيديهم.. أسرعوا بالدخول وسط أسئلة (عثمان) المنزعجة (الحاصل شنو يا جماعة؟) وقبل أن يصلوا بالرجل لأقرب سرير اندفعت (رقية) من الداخل تصيح وتولول: وووب عليّ.. مختار أخوي مالو..؟ كان الشباب يحملون (مختار) بعد أن داهمته (خمة نفس) و(شحتافة) غاب على إثرها عن الوعي في دكانه القريب من منزل شقيقته (رقية) زوجة (عثمان). تحول إهتمام الجميع من موضوع الغداء إلى محاولة إسعاف (مختار)، فحاولوا إنعاشه ب (بخ الريحة) ورش الماء البارد على وجهه حتى فتح عينيه، ولكنه ظَلّ يعاني من ألم في صدره ولازمه ضيق النفس، فأسرعوا به إلى المستشفى.. انطلق (النور) و(صالح) مع البقية إلى المستشفى دون تردد، بعد أن نسيا أو تناسيا الجوع وخواء بطنيهما التي لم يدخلها الزاد منذ (شاي الصباح) ب (اللقيمات) اللذيذ الذي تناولاه في بيت قريبهما (عبد الرحمن)، قبل أن يغادراه متبطّرين على عرضه عليهما تناول الإفطار معه، وهاهما يجنيان ثمار ذلك (البطر) بجلوسهما (متفنين) على الأرض يعانون من (سوء التغذية)، أمام المستشفى مع (عثمان) وبقية أسرة نسابته، انتظاراً لخبر يطمئنهم على (مختار) الذي أدخل إلى العناية المكثفة، ولكن شاءت المشيئة أن يسلم الروح بعد انتصاف الليل بقليل.. عاد (الجايعان) في صحبة الجثمان مع البقية، بعد أن نسيا تماماً موضوع (الأكل) وحلت على بطنيهما نوع من السكينة والمسكنة، والعزوف عن مباهج الحياة الزائلة وأولها (الأكل)، فكل الاحتياجات الدنيوية مؤجلة لحين إكرام الميت بدفنه.. قررت الأسرة تشييع (المرحوم) عقب صلاة الصبح وبعد انتهاء مراسم الدفن تفرّق المشيّعون، فترافق (النور) و(صالح) مع (عثمان) في طريق العودة، ولكنه تحوّل فجأةً عن الطريق وقال: ما دام الله جابنا بي جاي.. حرّم تجو معاي النزور شيخ طريقتنا (محمد الحسن).. خلوتو قريبة من المقابر.. رحّب بهم الشيخ ودعاهم لشرب الشاي معه، وهنا استيقظت البطون وتذكّرت (جوعها) المزمن، وتراءت لهم خيالات البوخ المتصاعد من كبابي الشاي باللبن، وفي صحبتها شئ من لقيمات أو بسكويت (أقلو).. ولكن خاب ظن البطون عندما دخل عليهم صبي يحمل صينية مليئة بكبابي الشاي الأحمر دار بها على الموجودين. حاول (النور) أن يتهرب من شرب الشاي على الجوع فاعتذر: أعفيني يا شيخنا أنا ما قاعد أشرب الشاي الأحمر.. بتعبني والله. فما كان من الشيخ إلاّ أن قام بفتح (كورية) كان يضعها بجواره على الأرض، وسكب من محتواها على الكباية الشاي ثم ناولها له قائلاً: أشربا يا المبروك ما بتسوي ليك شي.. أنا كبيت ليك فيها حبيبة من الروب هيلي!! بعد ابتلاعهم لجقيمات (الشاي بالروب) خرجوا.. افترق ثلاثتهم أمام الخلوة فقد عاد (عثمان) لفراش العزاء عند نسابته، بينما أعتذر (النور) و(صالح) عن مصاحبته ثم ودّعاه وبطناهما تتنطنان ب (لحدي هنا وكفاية)!! عندما طرق (الشقيقان) الباب منزل (عبد الرحمن) ودخلا، كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة والنصف صباحاً.. دعاهم (عبد الرحمن) للجلوس معه هو وزوجته (سعدية) على صينية الفطور الموجودة أمامهما قائلاً: أولاد حلال صحي.. تعالوا علينا جاي يا دوب ختينا الصينية.. معليش يعني ده باقي ملاح فطور البارح الأبيتو تاكلوهو معانا.. الظاهر عندكم فيهو نصيب. سقط الإثنان على الطعام برأسيهما وقال (صالح) بفمه الممتلئ طعاماً: واللّه يا عبد الرحمن غايتو يا أنت فكي وللاّ حوّطتنا عشان ما ناكل إلاّ عندك!! لم يتوقّفا عن الأكل إلاّ بعد (لحس) آخر فتفوتة في الصحون، وبعد الانتهاء من الأكل تمدد الإثنان في استرخاء، وحكيا ل (عبد الرحمن) تفاصيل الدراما التي عاشاها خلال الأربعة وعشرين ساعة الماضية، وكيف أنهما لم يتناولا خلالها (لقمة).. هزّ (صالح) رأسه ضاحكاً وقال: صدق من قال.. تاباها مملحة تكوسة يابسة ما تلقاها!! الرأي العام