خالتي فوزية هي أم بنت \"العرب الدقتني\".. عندما دخلت ابنتها وشعرها أشعث وفي جسمها غباش أثر المعركة التي خرجت منها منتصرة طبعاً.. ماكان من أمها الا أن صرخت : دا شنو يا بت البشتنة دي والعولاق دا؟ ردت البت:اتشاكلنا مع استيلا.. دقيتها.. فما كان من أمها الا أن لفحت توبها وولت: سجمي.. سجمي.. دقيتي بت الجنوبيين؟ مالك دايرة ترحلينا من الحلة يا بت اللذين.. وخرجت تطلب الصلح، قبل أن يهجم عليها الجنوبيون.. شر هجمة. خرجت تعوعل.. ووب عليّ.. ووب عليّ.. الليلة نعمل شنو كان جونا؟ وتوصي أولادها بقفل كل الأبواب والشبابيك، وألا يفتحوا لأحد، وتلعن ابنتها الشقية.. أتت إلى أمي تفدي أولادها من الهجوم الكاسر للجنوبيين.. اذا بقت علقة.. تأخذها قبلها وتخمد النار في مكمنها.. واذا بقى صلح كمان الحمد لله.. وكان بيتنا في ذاك الوقت مكتظاً بالسكان، عندما زادت موجات النزوح. ثلاث خالات وأولادهم، وأولاد أعمام، وأولاد لايمتون لنا بصلة، بس جنوبيين.. قاعدين في أوضة وبرندة وحوشين كبار، وشوال فترتية تاكلنه في الحيطة. فخيشت أن يهجم هذا الجيش العرمرم عليها، جات ودقت الباب، فتحت إحدي الأخوات.. سألت من أمي وأتتها.. وتَبَادلْن السلام.. ردت أمي بابتسامة طمأنتها.. ثم قالت: معليش البنات اتشاكلوا.. وبتي دي هسي دقيتها دقة الكلبة.. هديك تبكي.. قلت: أجيك أعتذر ليك.. ما كان من أمي ألا أن ضحكت!! لا أدري هل هو من تلطيف الاعتذار للجو؛ أم هو انتصار خفي لها، لأن (العرب الحقارين ديل راسهم جا). ثم قالت: هسي أنت جاي من هناك عشان دشمان بتاع شفع؟ ما شفع أصلهم بتشاكلوا الليلة وبكرة بيلعبوا تاني ما بعض. ما في داعي نحن الكبار نخش فوقو. كسرت الدش في يدها.. مش؟. ثم فضلتها الى الداخل وشفتن الشاي سوا ومنذ ذلك اليوم لم يفرقهن شيء سوى الرحول، وبت العرب الدقتني أصبحت من أقرب صديقاتي. فآلية خالتي فوزية في التعامل مع الجنوبيين في ذاك الزمان مبني على الخوف؛ لأنهم طوالي بدقوا من طرف.. بكسروا كسرة نضيفة.. فكان ذلك حاجزاً منع الاقتراب سوى بحذر شديد.. وكان تعامل أمي مع العرب مبني على أنهم حقارين، فصنعت حاجزاً منعت الاقتراب لأن اقتراب الحرب يا اما لمصلحة أو للحقارة.. صنعت شخيط كي يقف العرب بعيد منها. وكانت خالاتي يثرن مشكلة كبيرة فقط اذا سألهم أحد: انتو جنوبيات.. طوالي الشرارة تتطاير حتى عيونهن : جنوبيين مالهم.. تعالي هنا.. انت قاصد شنو آه.. وكفتك.. كفتك.. الشكلة تقوم في مجرد سؤال؟ في ذاك الزمان كانت كلمة جنوبي نبذة!! ولا أدري لم يعتبرونه نبذة؟ أظنو لأن العرب (حقارين) ما بقولوا جنوبي ساكت، بكونوا قاصدين حاجة تانية أو لأنه لم يكن هناك شئ يفخرن به كأنسان جنوبي يحمل كل سلبيات الحرب.. الفقر.. والجهل.. والمرض والمزاج الموحش، وكمية من العقد التي ليس لها أول ولا آخر. فيا أمي وخالاتي وخالتي فوزية آلياتكن لن تجد مساحة في هذا الزمان؛ لأن جنوبي اليوم ليس جنوبي الأمس وعرب اليوم ليس عرب الأمس، فهناك جيل جديد آليته الحوار.. كسر كل الأسوار للتعريف بذاته. ومستعد للتعرف على الآخر دون خوف أو علقة لأنو الجداد خلي الشكل. عندما نسمع من يسأل: هل انت جنوبي؟ نرد بكل فخر وابتسامة للضرس الآخير بنعم، لأن هناك ما نفخر به.. علم.. ومعرفة.. نفرض على الآخر أن يحترمنا.. يستمد ذلك من احترامنا له ليس بالقوة ولكن بقوة الأداء ولفت الانتباه يا بيجاجية.. والتفكير في العرب أنهم حقارين بس لمجرد أنهم عرب هذا تفكير سودان قديم.. والتفكير في الجنوبيين أو كل المهمشين على أنهم قاعدين على الهبشة وبدقوا أيضاً تفكير سودان قديم يقود الى الانغلاق وبالتالي نعود الى الصفر. نحن جيل اليوم نفتح قلوبنا للحوار والتعارف والتعايش. تحذير: أوع يكون كلامي دا أثر وتمشي تتفاصح قدام جنوبين في زقلونا وطردونا وتقول ليهم جنوبين..!!.. (مخير).. كان أخدت علقة ما علي.. لأنو السودان دا لسه ما اتجدد كله ولسه في عرب حقارين.ز ولسه في جنوبيين بردوا على الاستفزاز بالدق.ز وأعمل حسابك من المطرة.