سال من شعرها الودك! منى سلمان [email protected] تابعت قبل فترة حلقة مميزة من حلقات (اوبرا) كانت عن الشعر، سلطت فيها الضوء على معاناة الأمريكيات من أصل أفريقي، في سبيل الحصول على مواصفات الشعر المثالية حسب ثقافة (البيض) التي تحصر جمال الشعر في النعومة والانسياب مع اللون الأشقر.. كانت الحلقة قوية وصادمة دخلت فيها الكاميرا للكوافيرات واستنطقت مرتاداتها للتعرف على معاناتهن في سبيل توفير (حقّ) الكوافير والخصل والوصلات والباروكات مع ضيق المعايش الناتج عن الأزمة الأقتصادية.. الغريبة، أن (اوبرا) اضطرت لتقديم حلقة أخرى لتدافع عن نفسها، لأنها تعرضت للانتقاد بسبب الحلقة الأولى، والتي رأت فيها الأمريكيات من أصل أفريقي أنها كشفت أسرارهن وأشعرتهن بالدونية عن رصيفاتهن البيضاوات.. دافعت (اوبرا) بأن جمال المرأة يشع من ما تحمله (داخل) رأسها وليس مما (فوقه)، فالجمال بالعقل وجمال الروح لا جمال المظاهر الخارجية، كما أن (البيضاوات) أيضا يعانين بالمثل في سبيل الحصول على الشعر الكثيف بخصلاته الذهبية ويدفعن في سبيل ذلك دم قلوبهن أسوة بالسمراوات. مع اختلاف الحقب الزمنية، وتغير مفاهيم الجمال من حقبة الى أخرى، يبقى الشعر هو تاج المرأة وأحد مقومات الجمال المهمة عندها، لذلك كانت العناية بشعر الفتيات هو الهاجس الأكبر للأمهات منذ عهد أجدادنا القدماء، والدليل على تلك العناية الفائقة التي كانت تتلقاها شعور بنات أمنا حواء الأوائل، ان الرجل كان يقوم بسحب زوجته من شعرها ويجرها خلفه دون أن (تتزعمط) صويفاتها أوتنقلع صمغة دماغها في يده!! حبوباتنا وأمهاتنا توارثن فن الاستفادة مما تمنحه لهن الطبيعة من مواد ومستحضرات للعناية بالشعر وتجميله، فيقمن ب (جبجبة) شعر البنات بدهن (الكركار)، فإن تعذر ذلك لضيق ذات (السرتية) و(المجموع) وبقية عطور (فتق الدهن) الزيتية، ففي خلطة الودك بزيت السمسم خير معين لحين ميسرة.. ومن أهم مواصفات جمال الشعر اللمعة والاسترسال دون تجعد، بالاضافة ل السواد الشديد الذي يتفوق على سواد الليل كما في (اقيس الليل بشعرو والقى الفرق شاسع) .. لم يشذ عن ذلك المزاج المحب للسواد سوى شاعرنا (أبو آمنة حامد) عندما أبدع في وصف الشقراء ذات الخصل المموجة فقال: سال من شعرها الذهب وتدلى وما انسكب كلما عبثت به نسمة ماج واضطرب ف بوصفه لتماوج الخصل مع النسيم، تجاوز عن أهم ما يميز تسريحة شعر السودانيات سواء أن كانت (ضفاير) أو (مشاط)، فطريقة (هجر) الشعر في التسريحتين لا يتيح فرصة للنسيم كي يتخلل شعر صاحبته ناهيك عن أن يتلاعب به! ثم ارتبطت (الضفاير) بالفتاة السودانية المتعلمة كما في قول شاعرنا (يا أم ضفاير قودي الرسن واهتفي فليحيا الوطن)، أما (المشاط والمساير) فقد قيل في فتنتها: المدلل كيف نسايرو .. تضوي تحت التوب مسايرو الطول والاسترسال صفة تفضيلية أخرى للشعر، و(الزعمطة) غير مرحب بها، ففي سبيل تفاديها تلجأ النساء للتطويل الصناعي ولو على حساب الوقوع في زمرة (الواصلات والمستوصلات) كان الوصل قديما ب (السلّة) و(الجورسية) وتطور مع الزمن حتى وصلنا لخصل (تعللني بالوصل والموت دونه).. وللشعر الطويل جمال وفتنة تعرفها صاحباته الزمان فيتعوجبن بشعورهن في ساحة الرقيص كمن قيل في وصفها: يا أخوانا كان رقتو أنا بوصف الشفتو شفتا الشعر جاري لي حنتو التحتو ولا أدري هل كان هذا الوصف لما رآه الشاعر (شوف عين)، أم أنها مجرد مبالغة للتعبير عن طول شعر الراقصة!! نعومة الشعر أيضا كانت ولا تزال مطلب شعبي، تبذل في سبيله الاموال، ففي البدء كان فرد الشعر يتم بجمعه ولفه في صورة دائرة تسمى (الكعكة) ليكتسب شيئاً من الانسيابية، ثم دخلت المكواة على شعور البنات ب (الساحق والماحق) وأعقبتها كريمات الفرد ب (البلاء المتلاحق)، لما لهذه الكريمات من تأثير مدمر على الشعر لا يعادله سوى تأثير موس المزين، لأنها تقوم ب (حت) الشعر حتى تلوح لمعة الصلعة من بين صويفاته الباقيات. ما دفعني للعودة للحديث عن الشعور (الحلال) و(البواريك)، اعلان صادفته على النيل الازرق يروج لمكان تباع فيه البواريك المصنوعة من الشعر الطبيعي.. اشقر اسود واحمر.. اشكال وألوان زي ما تدور! مما يعني وبصورة رسمية عودة موضة الشعور الكضابة لرؤوس البنات..!! الرأي العام