( صواع الملك ) لا يلوون على شيء! فيصل عبد اللطيف * [email protected] مع شح العملة الأجنبية، وصعود أسعار الدولار في السوق الموازية ( السوداء)، وقرار خفض حصة المسافرين من النقد الأجنبي، الذي زاد عطش السوق، ومع ارتفاع أسعار كثير من السلع قفزاً، يكثر الكلام ويتواتر عن ( عمليات كبيرة )، لإخراج العملات ( الصعبة ) بالملايين، كاش كروب. وبربطون كل ذلك ليس فقط بموسم الحج وزيادة الطلب على العملات، بل أساساً بالاستفتاء وعواقبه، وتوقعاته، ومحاولة استباق المشكلات التي يتفنن كبار المسؤولين في الحزب الحاكم في التحذير منها، برسم خرائط للأزمات تصل حد الحرب، والعودة إلى ( ساحات الفداء)، بكل ما يحمل ذلك البرنامج التلفزيوني من أحزان تجييش الشارع.. وبالتالي ( يطفش ) المستثمرون، والكانزون يصيبهم الرعب، فيعملوا على حماية ( مكتسباتهم). والحال كذلك يعمل البعض ( مستثمرون و كانزون ) بمنطق \" فئران السفينة الغارقة\"، التي تبادر بالهروب ، وتخليص الرقبة، بمجرد جنوح السفينة واندفاع المياه إلى الداخل، لا تلوي على شيء، ولا تبالي بمن خلفها، أسعفوا وأنقذوا ، أم غرقوا. وفي مسألة ( هروب الدولارات) الشىء بالشىء يذكر .. والأشياء التي يجر بعضها بعضاً كثيرة في السودان .. في السبعينيات استيقظ سكان مدينة بورتسودان على أخبارية تقول بحدوث عملية ( سرقة كبيرة ) في الميناء .. والمسروقات عربات وآليات .. وأشياء أخرى كبيرة .. ذلك على الرغم من أن بوابات الميناء عليها حراسات، والخارج منها يتم تفتيشه .... والعربات تخرج وفق إجراءات وبتصاريح .... وأذكر في ذلك الوقت أن الخارج من الميناء كان يتقدم إلى بوابة التفتيش رافعاً يديه. الشاهد أن سلطات الميناء بعد تلك العملية ( الكبيرة ) شددت الرقابة على البوابات . وزادت إجراءات التفتيش .. ويحكى أن أحد عمال الشحن والتفريغ من أبناء الشرق كان خارجاً من الميناء في اليوم التالي للعملية فتم إيقافه في البوابة، وتفتيشه بطريقة صارمة، وسؤاله أين يعمل، ومواعيد دخوله وخروجه، واسم رئيس( الكلة) التي يعمل فيها .؟. وأثناء التفتيش تعثر ( رجل الأمن) على شيء يخبؤه ( أدروب ) في سرواله الواسع عادة .. فبدأ يتفحصه ، وسأل أدروب بحدة .. أيه ده ؟ طلعوا .. أدروب نظر إلى الرجل باستخفاف، مستغرباً أن يسأله عن (حقة التمباك)، فقال له: بتسألني ده شنو ؟ إنت ما عارف ده ؟ ده تايوتا .. !! إنت ما تشوف لواري طلعت من هنا، حقة التمباك تشوف ؟ هذه ليست من النكات الجهوية التي تنشرها فرقة ( الهيلاهوب) ... هي من قصص الشرق، استدعيتها من الذاكرة وأنا خارج من مطار الخرطوم ، مؤخراً، بعد زيارة قصيرة للبلاد. فبعد انتهاء إجراءات الجوازات، وأنا في الممر الضيق الذي يؤدي إلى صالة الانتظار أوقفني أحد (المسؤولين الأمنيين) ، وسألني بلطف إن كانت معي عملات أجنبية .. فأجبته بأن معي بضعة مئات من الريالات السعودية .. فقال لي بأدب: تفضل .. فواصلت الرحلة .. وأنا استعيد ذكريات زمان الديكلاريشن ( إقرار العملة الأجنبية )، وسوق السمسرة التي راجت وقتها، واسترجع عبارات ( أدروب ) الساخرة. (أدروب ) لم يسخر من الضوابط، ولا من رجل الأمن الذي يسأل ويفتش، فهذه مهمته وواجبه.. و( أدروب ) عندما تذمر لم يكن يعبر عن رفضه النظام وحفظ الأمن، فهو اعتاد على أن يتم تفتيشه يومياً وهو خارج من الميناء، ويتمنى أن يسود الأمن ويطبق النظام . ولكن ما بعث في نفسه السخرية والاستغراب هو أن تمر( عمليات كبيرة ) ببساطة، دون أن يلاحظها أحد، وتصبح حديث الشارع، ويتداول الناس قصصها في المكاتب، وفي الوقت نفسه يتم التشديد على ما ليس خرقاً للنظام أو خروجاً على الضوابط . الأخبار [email protected]