تقول طرفة قديمة إن أحد عمال الشحن والتفريغ بميناء بورتسودان وجد علبة فارغة على أرضية الميناء فحشرها سريعا فى جيبه بعد ان اعجب بألوانها وقرر ان يستخدمها (كحقة صعوط) ولدى خروجه من الميناء استوقفه رجل الامن فى البوابة وبعد تفتيشه وجد العلبة فى جيب ادروب وشرع فى اتخاذ اجراءات قانونية ضده بتهمة تهريب ممتلكات الميناء الى الخارج. وفى الاثناء شاهد ادروب خروج شاحنة كبيرة عبر بوابة الميناء لم يكترث لها رجل الامن فاغتاظ ادروب من هذا الامر فقال مخاطبا رجل الأمن (الحقة تشوف القندران ما تشوف). تذكرت هذه الطرفة الاسبوع الماضى الذى كان يعتبر اسبوع طوكر بامتياز جنوبها وشمالها حيث شهد الاسبوع المنصرم الاعلان عن تشكيل لجنة بتوجيه من النائب الاول لرئيس الجمهورية على عثمان محمد طه لتنمية منطقة جنوبطوكر وفقا (للصحافة 7 يونيو) برئاسة مستشار الرئيس الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل ووزيرة الدولة بالعمل الدكتورة آمنة ضرار نائبة له، وتضم فى عضويتها مدير صندوق الاعمار ومدير ديوان الزكاة ومقرر اللجنة العليا لاتفاق الشرق حسن كنتيباى، وممثلا لوزارة الصحة كما شهد الاسبوع الماضى زيارة وفد من اتحاد مزارعى مشروع طوكر الزراعى الى العاصمة الخرطوم قادما من مدينة طوكر بحثا عن تمويل لعمليات التحضير للموسم الزراعى الذى تبقى له اقل من شهرين (ميزانية الرى وتوفير التقاوى) وطوال الاسبوع الماضى فشل الوفد فى لقاء وزير الزراعة عبد الحليم المتعافى وعبر اعضاء الوفد عن خشيتهم ان يطول بقاؤهم فى الخرطوم دون ان يتمكنوا من لقاء اى مسؤول فى المركز وابلغنى مصدر مقرب من الوفد ان اعضاء الوفد يشكون من تردى اوضاع الفندق الشعبى الذى يقيمون فيه وانهم لا ينامون الليل بسبب لسعات البعوض تخيلت ردة فعل وفد اتحاد مزارعى مشروع طوكر الذى فشل فى لقاء وزير الزراعة فى شأن يهدد نجاح الموسم الزراعى بالمشروع الذى تعتمد عليه منطقة طوكر بأكملها شمالها وجنوبها كيف سيكون رد فعله بعد اطلاعه على خبر تشكيل رئاسة الجمهورية لجنة (بمكنة ) كبيرة لجنوبطوكر لابد ان لسان حاله سيكون مثل حال ادروب بتاع الموانئ ( جنوبطوكر تشوف ....قاطرة مشروع طوكر الزراعى ماتشوف). لا شك ان اهتمام رئاسة الجمهورية بمعاناة المواطنين فى منطقة نائية مثل جنوبطوكر وتكوين لجنة طوارئ لتنمية المنطقة تعتبر تطوراً مهماً فى نظام الحكم فى السودان وخطوة غير مسبوقة فى شأن الاستجابة لاحتياجات المواطنين على مستوى شرق السودان خاصة المناطق الافقر و المناطق المتأثرة بالحرب وان ما يعانيه انسان منطقة جنوبطوكر يستحق الف لجنة. ولكن كنا نأمل ان تأتى المعالجة بصورة عملية وشاملة تتجاوز نهج لجان الاغاثة والقوافل الموسمية والحملات الاعلامية التى قد توظف سياسيا لتعلية شأن هذا المسؤول او لادانة آخر ولايستفيد منها انسان المنطقة الذى مازال يسمع ضجيجا صاخبا حوله ولايرى طحينا واننى اعتقد اى خطة حكومية لتنمية منطقة جنوبطوكر تتجاوز تاهيل مشروع طوكر الزراعى لن يكتب لها النجاح وستجد الحكومة فى كل عام انها فى حاجة لتكوين لجنة جديدة لتنمية جنوبطوكر استجابة للضغط الاعلامى الذى اصبحت فيه منطقة جنوبطوكر اشهر من هجليج وذلك لان ما يعانيه مواطنو جنوبطوكر ومناطق اخرى بولاية البحر الاحمر لم تجد حظها من الاعلام ربما اوضاعها اسوأ من تلك المنطقة ، حدث ذلك بسبب تدهور مشروع طوكر الزراعى وهذا الامر لا ينفصل عن مجمل الاوضاع الاقتصادية بالبلاد التى تدهورت بسبب تخلى الدولة عن الزراعة واعتمادها الموارد البترولية سريعة العائد نتيجته ما نشهده ونعانيه الآن ، فمشروع طوكر الزراعى يعتبر قاطرة ضخمة تجر خلفها منافع اقتصادية على المستويين المحلى والقومى كما يعتبر المشروع رب الاسرة والقائم على امر المنطقة باكملها جنوب وشمال طوكر بما فيها مدينة طوكر والتى تعتبر من اكثر المناطق تضررا من الحرب ، وكان المشروع فى ايام ازدهاره يقوم على توفير الغذاء وتقديم الخدمات وخلق فرص العمل ومصدر دخل للاسر وكانت طوكر فى عهدها الذهبى توجد بها بورصة عالمية للقطن وتعتمد على انتاجها المصانع فى بريطانيا ، داخليا كان مشروع طوكر يمد مدن الولاية الاخرى بورتسودان وسواكن وسنكات بالمحاصيل الزراعية والفواكه والخضروات وبعد تدهور المشروع تردت الخدمات الاساسية ونزح عدد كبير من سكان المنطقة الى مدينة بورتسودان وساءت اوضاع من تبقى منهم فى جنوبطوكر وطوكر المدينة ودولابياى وغيرها فالمشروع الآن يعانى من عدم توفر التمويل ومشاكل فى الهيكل الادارى بسبب عدم استقرار تبعية المشروع ما بين المركز والولاية كذلك انتشار شجرة المسكيت التى لم تلفح الجهود المبذولة لاستئصالها بسبب غياب الرقابة وكذلك تقلص المساحات المزروعة بسبب انسداد قنوات الرى وايضا احجام المزارعين عن زراعة محصول القطن لضعف العائد من زراعته لاسباب تتعلق بعينات القطن التى يتم زراعتها من نوع بركات الذى تعتبر اسعاره الاقل فى الاسواق، كذلك توقف محلج بورتسودان وتحميل الشركة التى تتولى تسويق المحصول تكلفة ترحيل القطن الى محالج حلفاالجديدة للمزارع اعتقد ان تكوين لجنة لجنوبطوكر بمكنة كبيرة يقودها مستشار رئيس الجمهورية مصطفى عثمان اسماعيل وتضم فى عضويتها صندوق اعمار الشرق الذى كان قد وعد بتخصيص خمسين مليون دولار لمشروع طوكر الزراعى فى مؤتمر المانحين بالكويت، اعتقد ان هذا الامر سانحة طيبة للعمل من اجل اعادة تأهيل المشروع اذا ارادت اللجنة تحقيق تنمية مستدامة لجنوبطوكر والمناطق الاخرى فالاتحاد الاروبى عندما قرر ادراج منطقة طوكر ضمن المشاريع النموذجية التى يمولها لم يقم بتوزيع مواد الاغاثة على المحتاجين بل قام بتمويل عمليات تأهيل قنوات الرى بمشروع طوكر الزراعى وانشاء مركز لتسويق الخضروات ومشروع استخدام ثمار المسكيت في صناعة الأعلاف الحيوانية. لذا لا اعتقد ان لجنة من رئاسة الجمهورية يرأسها الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار رئيس الجمهورية ومسؤول ملف الاستثمار بالبلاد ستتجاوز المشروع الاستراتيجى بالمنطقة وتحصر عملها فى توزيع الاغاثة فى منطقة حدودية يصعب فيها التحكم فى ايصال المساعدات الى الاشخاص المستهدفين بسبب النزوح المحتمل من المناطق المحيطة من داخل وخارج الحدود. ومن حسن الطالع ان لجنة تنمية جنوبطوكر يرأسها دكتورمصطفى ليس لانه هو المشرف على ملف تنفيذ اتفاقية شرق السودان فحسب بل لانه نشأ وترعرع فى مدينة طوكر، والدكتور مازال صاحب اراضٍ زراعية بمشروع طوكر ويعلم المكاسب الاقتصادية والاجتماعية التى سيجنيها مواطن طوكر فى شمالها وجنوبها من اعادة تأهيل مشروع طوكر الزراعى. [email protected]