قصة قصيرة : محمد سليمان [email protected] في مدينة \"روما\" وخلف محطة القطارات الرئيسية \" الإستاسيوني\" كان ثمة نزل صغير يعرف ب\"الكابيتول\" تملكه إمرأة عجوز برأسها شيء من الصلع. وصلت النزل عند منتصف الليل والدنيا أواسط الصيف .من شدة ولعي بالمدينة القديمة صعب على النوم فبقيت مستيقظا أحدّق في السقف الحجري القديم حتى الصباح. بعد أن تناولت فنجانا صغيرا من \"الإسبرسو\" نزلت الدرج مسرعا صوب الشارع . كانت الشمس مشرقة والسماء صافية زرقاء . تنفست في راحة منعشة وأنا أغذ الخطى لكني وعند التقاطع مع \"فيا كافوري\" سمعت صوتا أنثويا يناديني. التفت فرأيت إمرأة في حوالى الأربعين أو ما دون ذلك بقليل. كانت سمراء ، سوداء الشعر ، صاعقة الحسن ، وبيمينها كأس من الجيلاتي الملون . سألتني مبتسمة \" هل أنت أمريكي؟\" أجبتها \"لا.\" قالت \" لا يهم يمكنني على كل حال أن أذهب معك .\" وطقطقت علكتها بغنج وأردفت \" فقط مائة دولار.\" صرخت فيها \"والدنيا صباح!\" فقالت بهدوء وهي تمد لي كأس الجيلاتي الملون \" وهل هناك ما هو أجمل من صباحات الصيف؟\" تذوقت الجيلاتي فكان لذيذ النكهة والسكر.وهبت نسمة جنوبية عذبة جعلتني أخاصرها وأقفل راجعا بها إلى حجرتي في النزل الصغير . همست لها \" كنت أنوي الذهاب إلى مشاهدة \"الكوليزيوم\" و\"بورتا أدرياتينا\" فقالت بفزع حقيقي وعيناها تتسعان \"أرجوك لا تفعل\". وإذ اجتزنا الباب الخشبي العتيق حدجتنا المرأة العجوز وقد بدا لمعان الصلع الذي في رأسها أكثر مما كان عليه في الليل ! لكنا تجاهلناها ودلفنا إلى الحجرة مغلقين الباب دون أن نتبادل كلمة واحدة . سألتها \" ما اسمك؟\" فأشارت لي أن أصمت .وفي عجلة وآلية مكانيكية مضت تخلع ملابسها قطعة بعد قطعة. وأنا أحدق في عريها العارم إذ بصرخة مدوية تخرج من فمي الملون بالجيلاتي ! أصبت بذعر رهيب لما رأيت ثدييها ودودا أسود وأبيض يسعى فيهما كألسنة اللهب.أخذتني إغماءة وحينما افقت شهدت الدود يسعى من جسدي إلى الأرض والجدران والفراش والسقف الحجري القديم . ونظرت ها هنا وهناك فما وجدت للمرأة من أثر . هبطت الدرج عاريا مهرولا وأنا ألهث . من خلف منضدتها العتيدة حدّقت فيّ المرأة الصلعاء وابتسمت بخبث وهي ترفع بيمينها كأسا كبيرا من الجيلاتي الملون ! فأشحت بوجهي جاعلا الهرولة ركضا .وفي الشارع تلفت يمنة ويسرة لكني ما عثرت على المرأة السمراء ذات الشعر الأسود ، بل ما عثرت لها على أثر ! كأنها كانت فص ملح وذاب . وإذ تذكرت \"الكوليزوم\" و\"بورتا أدرياتينا\" تقلصت أمعائي وما دريت أكان ذلك من خيالات \"الكوليزوم\" و\"بورتا أدرياتينا\" أم من مرأى الدود الأبيض والأسود ، أم من أثر الجيلاتي الملون ! وهاجمتني موجة قي أصفر مرّ تهالكت تحت وطأتها أترنح صوب الأرض المتربة . وأنا أتلوي في بركة القي إذ بأرتال من الدود الأبيض والأسود تمرق من باب النزل الخشبي العتيق لتملأ الشارع منتشرة في كل متر وشبر. واحتشد الهواء بذرات غبار كثيفة نفذت من أنفي إلى رئتيّ حتى عثر عليّ النفس . كم من الوقت قد مضى عليّ لا أدري ! لكن السماء اسودت من فوقي وخيل إلىّ أنني ألمح طيف المرأة يبتسم وخصلات شعرها الفاحم تعمر الأنحاء . وتناهت إلى أذني صرخات تقول \" لقد انهار \"الكولوزيوم\" وانهارت جدران \"بورتا أدرياتينا\" ... لقد انهار كل شيء..\" تباطأت دقات قلبي بعد أن توقف مني النفس . سمعت صدىً لخطى مقتربة ، ورأيت سحبا من دخان رمادي تلتهم من السماء صيفها وزرقتها . اجتاحتني رعشة برد رهيبة . غامت عيناى . وكان آخر ما رأيت أشباحا منسوخة عن المرأة صاحبة النزل تسعى في أردية عتيقة بيضاء كتلك التي يرتديها الحجيج وفي يد كل شبح عشرات السلاسل تجر عشرات الأسود الجائعة. ومن عجب كان رأس كل أسد عليه شيء من صلع! وفي عين كل أسد كانت تختلج اصطفاقات غامضة لكؤوس ملونة!