بقلم: تاج السر عثمان [email protected] معروف أن تقرير المصير مبدأ مفتوح علي الاحتمالين: اما وحدة أو انفصال، وأن هذا المبدأ طرح في ميثاق أسمرا 1995م في اطار ترتيبات دستورية تكرس دولة المواطنة وفصل الدين عن السياسية وتحقيق التنمية المتوازنة بين أقاليم السودان في ظل دولة ديمقراطية فدرالية تعددية تكرس الحكم الذاتي لأقاليم السودان، بحيث تكون كفة الوحدة في النهاية هي الراجحة. ولكن الحركة الشعبية نقضت ما وقعت عليه في ميثاق اسمرا ووقعت تحت ضغط امريكا وشركائها اتفاقية نيفاشا الثنائية ، بعد ان تم ابعاد القوي السياسية الأخري. وكانت تجربة الخمس سنوات من الشراكة التي كرست الصراع بين الشريكين ، والتي لم يتم فيها تنفيذ جوهر الاتفاقية الذي يتلخص في التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية وتحقيق التنمية وقيام انتخابات حرة نزيهة بحيث يكون خيار الوحدة هو الجاذب في النهاية. وبالتالي برز الي السطح الصوت الانفصالي العالي وسط قيادة الحركة الشعبية في الجنوب في ظل مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية ، وعدم اتاحة الفرصة للعناصر الوحدوية لتعبر عن رأيها بحرية حسب ماينص الدستور. وجاء اجتماع الأحزاب الجنوبية الأخير ليؤكد حرية التعبير عن وجهتي النظر( الوحدة أو الانفصال)، كما اوصي الاجتماع في حالة الانفصال: بمراجعة دستور سنة 2005م، وصياغة مسودة دستور دائم لدولة جنوب السودان المستقلة، والاتفاق علي حكومة وطنية عريضة مؤقتة بقيادة سلفاكير تتولي السلطة بعد نهاية الفترة الانتقالية في 10/يونيو/2011م، وتقوم هذه الحكومة باجراء انتخابات لجمعية تأسيسية تجيز دستور السودان الدائم، وتحديد الفترة الانتقالية التي تمكن من اجراء الانتخابات الجديدة، كما رفض الاجتماع توصية من سلفاكير باجماع كل الحضور علي الانفصال، وان يترك ذلك للاستفتاء الحر والنزيه. وهذا جانب ايجابي أن يتم الاصرار علي الديمقراطية وحرية التعبير عن كل وجهات النظر قبل الاستفتاء وعدم مصادرة حق الذين يطالبون بالوحدة. وهذا يوضح خطل محاولات الانفصال القسري التي تدعو لها القيادات النافذة في الحركة الشعبية، وخطل الوحدة القسرية التي يدعو لها المؤتمر الوطني بدون تحقيق استحقاقات هذه الوحدة مثل قيام دولة المواطنة والتحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية والحل الشامل والعادل لقضية دارفور. لقد حاول الانجليز تحقيق الانفصال القسري لحوالي اكثر من 40 عاما ، عندما قاموا بعزل الشمال عن الجنوب( قانون المناطق المقفولة، ومؤتمر الرجاف حول اللغة ، وانفراد المبشرين المسيحيين بالتعليم في الجنوب....الخ) ، وما استطاعوا الي ذلك سبيلا، وكان مؤتمر جوبا عام 1947م، والذي اكد علي خيار وحدة السودان، بدلا من الانفصال او ضم الجنوب لاحدي دول جنوب شرق افريفيا(يوغندا أو كينيا..). كما فشلت محاولات الوحدة القسرية التي كرستها حكومات ما بعد الاستقلال: المدنية والعسكرية من خلال نقض العهود والمواثيق وفرض الحل العسكري، ولم تصل لغير تعميق الصراع الدموي وجراحات الوطن وخاصة بعد انقلاب 30 يونيو 1989م. وعليه، فان الانفصال القسري أو الوحدة القسرية ، يقودان لنفق مظلم واعادة انتاج الحرب. واضح فشل الشريكين في حل مشاكل البلاد وفشل الحل الثنائي الذي لم يزد البلاد الا خرابا ودمارا، ولم يجني شعب السودان في الشمال والجنوب غير المزيد من الافقار وضنك العيش وتزوير ارادته في الانتخابات وجهاز دولة متضخم يمتص اكثر من 70 % من الميزانية، وقمع ومصادرة للحريات وتعميق حرب دارفور حتي اصبح رأس الدولة مطلوبا امام محكمة الجنايات الدولية. وعليه ليس هناك بديل غير الحل الشامل لمشاكل السودان، وعقد المؤتمر الجامع الذي يعالج قضايا: الاستفتاء، والتحول الديمقراطي، ودارفور ، والاوضاع المعيشية. كما انه لابديل لوحدة الشماليين والجنوبيين التي كانت العامل الحاسم في نجاح الثورة المهدية وفي تحقيق الاستقلال والاطاحة بديكتاتوريتي عبود والنميري، ولابد أن يعود السيل لمجراه، ويتوحد الشماليون والجنوبيون مرة أخري للاطاحة بنظام الانقاذ الحالي واقامة دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو الثقافة أو اللون أو العرق، وتحقيق الحل الشامل لمشاكل البلاد في ظل الوحدة القائمة علي احترام التنوع، وعلي اسس طوعية وديمقراطية.