هناك فرق. (كيف؟) وليس (هل؟) ..! منى أبو زيد يا أيها المنكرون .. ما الذي نرتكبه من إثم عندما نكتب/نطلب الإبانة في صيغة فتوى شرعية ؟! .. هل نفعل – بذلك - أكثر من التفكُّر والتدبُّر الذي نحن به مأمورون ؟! .. أولم يقل الله عزّ وجلّ في سورة الأعراف (ولقد ذرأنا لجنّهم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) .. هل المطلوب هو أن نصمت كالأنعام ؟! لا بد من التفريق (بين) الشك الحميد الذي ينتج عن إعمال العقل - والذي قد يكون أحياناً للمفتي دور في إيقاع السائل فيه، بنقصان في الإبانة أو قصور في التدليل - والتشكيك الذي يصدر عمن ينكر متون الفتاوى من أصولها ..! عن هذا يقول الإمام الغزالي (من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال) .. فالشك المقصود هنا ليس مساواة كلا الاحتمالين، وليس الظن الذي هو خلاف اليقين .. بل هو الشك بمعنى عدم اكتمال العلم بالشيء ..! وقد ورد هذا النوع من السؤال الذي يأتي بمعنى (كيف) وليس بمعنى (هل) في القرآن الكريم .. في قصة سيدنا زكريا الذي (قال ربِّ اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) وعندما سأل سيدنا إبراهيم ربّه قال (كيف تحي الموتى) ولم يقل (هل تحي الموتى) ؟! .. فجاء السؤال في الآية بمعنى الجهل وليس الظن .. كان هذا في الحديث مع الله فكيف بحديث المسلم عندما يناقش الفتاوى الشرعية .. كيف به عندما يقول (كيف) طلباً للإبانة وتحقُّق الفهم الذي لا بد أن يسبق العمل ..؟! ديكارت قال يوماً (قبل أن نحكم على المتون، يجب أن نوجِّه أنظارنا إلى الأسس التي يقوم عليها البناء) .. فأضحى بذلك رائد نظرية الشك المنهجي وأبو الفلسفة العصرية .. فمن أين أتى بهذا ؟! .. من فضائل الشك عند علماء الإسلام ..! لقد أثبت الباحثون تأثر (ديكارت) بالفيلسوف الإسلامي الإمام (الغزالي)، وقالوا إن فضل السبق في هذا المنهج يعود للأخير، بعد أن عثروا على ترجمة لكتاب (المنقذ من الضلال) للإمام الغزالي بين محتويات مكتبة ديكارت الخاصة في باريس ..! بين سطور الكتاب المترجم وجدوا خطاً أحمر تحت عبارة الغزالي الشهيرة (الشك أول مراتب اليقين)، وعلى الهامش جملة (يضاف إلى منهجنا) مكتوبة بخط ديكارت .. وهكذا أثبتوا أن رائد الشك المنهجي هو الإمام الغزالي، ولولا شك الغزالي وسؤاله الدائم لما ولد يقينه الصوفي ..! عندما نناقش الفتاوى الدينية نفعل ذلك من قبيل حسن الظن بربنا الذي قال في حديث قدسي (وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا) .. اللَّهم ارزقنا حسن الظن بك وصدق التوكل عليك ..! التيار