إليكم الطاهر ساتي [email protected] تحدثهم عن حمد، فيحدثونك عن خوجلي ..!! **عندما قصدت القاهرة ، قبل كم سنة ، طلبا للعلم عبر دورة تدريبية نظهما إتحاد الصحفيين الأفارقة لبعض شباب القارة، لم يكن في حزمة أحلامي حلم أن إلتقي هناك بالخبير الإعلامي الأستاذ جورج أودوكو، السكرتير العام لذاك الإتحاد..سمعت وقرأت عنه الكثير، علم ذائع الصيت في بلدته - كينيا - ثم جاراتها، كتب كثيرا وحاضر كثيرا وأدار الكثير من المؤسسات والإعلامية، وتراكمات كل هذا ترهقه بحيث يقسم أيام الأسبوع ما بين محاضرة في إحدى جامعات بلاده وأخريات في جامعات ومعاهد بلاد أخرى،ومن كثرة التجوال يكاد أن يتعلم كل لغات القارة..فرحت جدا حين علمت بأنه المشرف العام على دورتنا تلك..وكنت حين يذهب زملائي إلي غرفهم أو أمكنة السياحة عقب إنتهاء ساعات المحاضرات المرهقة، أذهب إلي جورج في غرفته أومقهى الفندق بلسان حال قائل: إستمعت إلي ما في الكتب والمراجع ، ولكن أرغب في الإستماع إلي ما في الواقع وأنت أفضل نبع لهذا الواقع ..وطوال الشهر لم يكل من أسئلتي ولم يمل من إستفساراتي ، بل حين أحس بالحرج وأغيب عنه بمظان أن الوقت للراحة وليس للإزعاج ، يتصل بي فأذهب إليه ليفيدني : أنا هنا لتعليمكم، ولو أردت الراحة لما غادرت منزلي، أفضل مكان لراحتي ..ثم يغمرني بفيض خبرته حين أسأله عن تفاصيل تفاصيل هذا النكد اليومي ..!! ** ذات مساء، عدت مرهقا إلي غرفتي عقب ساعات حدثنا فيها محفوظ الأنصاري عن معهد الإعلاميين الأفارقة ودوره في تطوير الإعلام الإفريقي..لم يرقني حديث تلك الساعات المرهقة،بحيث لم يكن تعليما إعلاميا ، بقدرما كان ترويجا لمعهد إعلامي .. فتدثرت بنوم عميق، ولكن هاتف الغرفة عكر صفو النوم، ليخبرني عبره الزميل الليبي زهير المشاط - الله يطراك بالخير يا صديق - بموعد العشاء، فأصيح فيه : ياخ نحن في معسكر جيش عشان ناكل بمواعيد؟ أنا تعبان وما دايرعشاكم حتى لو قراصة بتقلية..ويضحك صديقي على لهجتنا وأكلاتنا ويعدني بأنه سيعاود الإتصال مرة أخرى ثم يغلق الهاتف سريعا لا لكي يتجنب تحذيري بعدم معاودة الإتصال، ولكن لينصب لي مقلبا.. حيث يرن الهاتف بعد ثوان ، فأرفع الهاتف صائحا : يا زهير ياخ حريقة فيك ، ما قلت ليك..وإذ بصوت أستاذنا جورج مقاطعا وضاحكا : لا لا، أنا جورج ولست بزهير، الشباب ينتظرونك في صالة الطعام، وأنا سأنتظرك في المقهى بعد العشاء..وعليه، لقد تآمر شباب القارة على نومي بسؤالهم لجووج عني، رغم علمهم بأني على قمة الرهق كنت أداعب أحلامي ..!! ** المهم، أي كل ماسبق ليس أكثر من : أحيانا المرء بحاجة إلي أن يكتب لنفسه أويحادث نفسه، وقد لايكون حديثه أومايكتبه مهمها للناس والحياة..وعليه ، بعد العشاء الذي صاحبته شتائمي وضحكات أصدقائي ، ذهبت إلي جورج وإذ به يسألني عن برنامج اليوم وما إستفدنا منه، فقلت : برنامجكم اليوم لم يرقني يا أستاذي ولم إستفد منه غير التعب، حيث كان ترويجا لمعهد إعلامي هو بمثابة واحد من مليون معهد في قارتنا، وفي بلدي أيضا معاهد كهذا ولها ذات الأهداف، فما الجديد في أهداف هذا المعهد لكي تهدروا وقتنا وجهدنا ،و ..؟..فقاطعني بضحكة من الأعماق ومرددا خلالها : حسنا أسمعني، حسنا أسمعني، يروقني نقدك وهذه الصراحة ، سأعوضك بساعة عن الحوار الإعلامي ، ثم أذهب لتنام سعيدا عن برنامج اليوم ..!! ** ومن هنا، تبدأ رسالتي لك يا صديقي الطاهر حسن التوم، معد ومقدم برنامج (حتى تكتمل الصورة ) بفضائية النيل الأزرق، وهي رسالة مختصرة جدا..فأقرأها بتمعن،وهي ليست مني ، بل من أستاذي جورج ، حيث نصحني ساعتئذ قائلا بالنص الموثق في مفكرتي : ( يجب أن يحاصر حوارك قضية الساعة، ولاتشغل القارئ بقضية أخرى غير تلك القضية ، ولكي تنجح في حصار ضيفك بأسلاك تلك القضية عليك بمذاكرتها جيدا، إذا شعر محاورك بأنك تجهل القضية ولم تذاكرها سوف يهزمك، ولاتنسى بأن تعطى لمن تحاوره إنطباعا بأن هذا الحوار (مهم جدا للرأي العام)، هذا الإنطباع يجعله يرتبك إذا أدلى بمعلومة غير صحيحة ولهذا يكون حريصا على أن يدلي بمعلومات صحيحة حتى لايرتبك أمام الرأي العام ) ..تلك إحدى نصائح الخبير الإعلامي جورج، ومفكرتي تضج بدرر هذا الإفريقي الجميل..تذكرتها ثم عدت إليها - يا عزيزي الطاهر - بعد مشاهدتي لحقلتك الأخيرة مع والي الخرطوم ، وهو يشهر بتلك الفتاة ويسرد للناس سوابقها وأنت تستمع إليه بحرص عجيب، وكأن قضية الساعة هي ( ماذا فعلت تلك الفتاة ؟)..لا يا صديقي، تلك ليست هي القضية، فالقضية كانت ولاتزال هي : ( ماذا فعل القانون بتلك الفتاة ؟ وهل يصلح أن نسمي فعلا كهذا بفعل القانون.؟)..هكذا القضية التي لم تذاكرها قبل الحلقة أو ذاكرتها ثم تجاهلتها، ولذلك هزمك الوالي بإثارة قضايا أخرى تصلح بأن تسمى بالتشهير، حيث ما كان عليه أن يتحدث عن سوابق عاقبتها المحكمة وسترها الله..وما كان عليك أن تدعه يسترسل في تلك السوابق وموادها ثم شرح المواد ، وما كان عليك تمرير كل هذا السرد، ما لم تكن مستمتعا به بمظان أن السرد قد يطفئ قضية الساعة (هل مافعله قدوقدو ورفيقه كان فعلا شرعيا ؟)..فالوعي العام - ياعزيزي - يشير إلي ولاة الأمر بأن هذا حمد، فما بال أحدهم يرد عبر برنامجك برد فحواه : نعم، هذا خوجلي؟..هم يعرفون جيدا بأن للناس رأي في طريقة تنفيذ القانون والف رأي في القانون ذاته، وكان عليك حصارهم بحوار يجادل الناس في آرائهم تلك، بدلا عن (اللف والدوران والمزايدة والمكابرة والتشهير ).. وإن عجزت عن هذا النوع من الحوار لسبب أو لأخر، كان عليك ان تختم الحلقة بمقترح إنشاء (جامعة الوالي العظيم لعلوم التنكيل والدراسات السادية )، ليصبح فعل ذاك القاضي وقدوقدو ( فعلا شرعيا )..ولك التحية يا صديق ،ولأستاذي جورج أودوكو ( الف تحية ) ..!! ........... نقلا عن السوداني