صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    جبريل ومناوي واردول في القاهرة    وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    مشار وكباشي يبحثان قضايا الاستقرار والسلام    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    (تاركو) تعلن استعدادها لخدمات المناولة الأرضية بمطار دنقلا والمشاركة في برنامج الإغاثة الإنسانية للبلاد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الأمم المتحدة: آلاف اللاجئين السودانيين مازالو يعبرون الحدود يومياً    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هَلْ نَبْرأُ مِن أعراضِ العُنفِ الجَمَاعي؟ ... بقلم: جمال محمد ابراهيم
نشر في سودانيل يوم 16 - 01 - 2011


هَلْ نَبْرأُ مِن أعراضِ العُنفِ الجَمَاعي. .؟
كتابة الصديق عمر جعفر السَّوري عن الأحد الدامي عام1964
( 1 )
كدأبه في استدامة الحوار المفضي إلى المزيد من التعمّق، فيما نحن نتناول أموراً تتصل بسلامة الوطن، يراسلني الصديق عمر جعفر السّوري من مهجره البعيد، وهو لا يهمس بل يهمش- لو قبلتم التعبير- صفة للتعليق على هامش كتابتي . سعينا معاً لأن نضفي- مع تواضع جهدنا-على أدب الرسائل قيمة مستجدة، وهو باب من أنماط الكتابة الأدبية التي قل الاهتمام بها واستعاض الناس عنها، بتمارين السّجال الذي يقترب من المصارعة لا المقابلة الحميمة. هو الحوار الحميم إذن، بين قلمين غاية مرامنا أن يجد القاريء ما يزيده معرفة بموضوع ما نتراسل حوله.
كنت قد نشرت في بابي "أقرب إلى القلب" في 24/12/ 2010 في صحيفة الأحداث، مقالاً بعنوان "في ثنايا يومٍ أسود"، وهو يومٌ وقع فيه عنف جماعي بغيض، في 4 ديسمبر من عام1964 ، في العاصمة الخرطوم، استهدف أبناء جنوب السودان بصفة خاصة . ينفر صديقي عمر جعفر عن القاء وصف "أسود" على ذلك اليوم . ولعلي أوافقه الرأي بضرورة النأي عن جعل اللون أي ّ لون، وصمة عار أو نضفي عليه صفة قيمية أو أخلاقية، تتصل بخير أو بشر، وذلك مما يخرجنا عن موضوعية التناول، ويفضي بنا إلى الوقوع في الانطباعية ،الدفينة في اللاوعي لا في الوعي، وهي الأبعد عن العقل، ولا تكاد تقترب من حواف المنطق. على أن عين الإعلام ولسان الاختزال، أشاعا عن ذلك اليوم هذا الوصف ، فعرفه الناس باليوم "الأسود". هي فطرة - سوية كانت أم غير سوية - تلك التي تعطي اللون معنى قيمي ثقافي جزافي، كقولك عن اللون الأحمر هو لون الخطر ، أو اللون الأبيض هو لون السلام. الألوان عند الشعوب مما تدارسه علماء الأنثروبولوجيا الإجتماعية في تقصّيهم لعلاقة الإنسان بالظواهر من حوله، والكثير مما يقع، ومما تعودناه في وعي الفطرة، قد يحتاج من العقل تقويماً ، ومن البصيرة تصويبا. ذلك حديث يتفق حوله وقد يختلف، معظم الناس.
لن أطيل عليك عزيزي القاريء ، ولنقرأ معاً رسالة الصديق عمر السوري، ثم آخذك في ختامها إلى بعض ما أثارت الرسالة فيّ من خواطر . .
( 2 )
كتب الأستاذ عمر جعفر السوري في رسالته إلي بتاريخ 12 ديسمبر 2011 :
هل يستقيم السؤال: كيف الحال؟
هذه خطوة عجلى إلى أن يستبين الأمر، وينجلي الغبار، وتنقشع الغيوم. قرأت ما سطرته عن ذلك الأحد الدامي في مستهل شهر ديسمبر/كانون الأول العام 1964. يصدق على ذلك المساء وصف الدامي حقاً، هو ليس أسوداً، فإطلاق الألوان صفة للأحداث، والأشياء فيه عنصرية بغيضة، خصوصاً إن ضحايا ذلك المساء جلهم ممن يصبغ بشرته اللون "الأخضر" الذي شاع عند كثير من البشر بأنه السواد. كان مساءً كالحاً وظلاماً دامياً، كنت شاهداً عليه - أو بالأحرى - على كثير مما جرى فيه.

ذهبت ذلك المساء صحبة صديق عزيز إلى المعهد الفني بالخرطوم، وكان اتحاد الطلاب فيه صنواً لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم في تصدر الحراك السياسي والعمل الوطني. ودور المعهد هذا لم يسلط عليه الضوء كما يجب بعد. قضى هذا الصديق لاحقاً، في حادث سير مميت بينما كان عائداً من أطراف العاصمة المثلثة - قبل أن تترهل كل هذا الترهل و تضم تلك الأطراف إليها - وذلك بعد أن قام بواجب العزاء في زميل عمل بشركة أبي العلاء - فرع سيارات المرسيدس. كان إبراهيم بطران (أظن أن كريمته هي الممثلة التي تحمل اسم بطران) ذا نخوة و مروءة و كرم وإيثار و فحولة عندما تُذكر شيم الرجال، لا الذكور.

دعا اتحاد طلاب المعهد الفني في ذلك اليوم إلى ندوة مصالحة بين حركة تحرير إرتريا وجبهة التحرير الإرترية، اللتين كانتا تتنازعان مشعل العمل الوطني الإرتري. كانت حركة التحرير الإرترية هي السباقة الى حمل ذلك المشعل في داخل إرتريا وبين الجالية المهاجرة في السودان وأنحاء أخرى، لكن جبهة التحرير الإرترية، هي التي سبقت إلى تفجير الكفاح المسلح، وبدأت في الضغط إلى "توحيد أداة الثورة"، رافضة رفضاً قاطعاً ، وجود تنظيم آخر على الساحة أو في الميدان. اندلعت الخلافات المخفية، وبرزت إلى العلن، بعد انتصار ثورة أكتوبر/تشرين الأول العام 1964 في السودان، إذ اصبح بمقدور حركات التحرير العمل علانية وبحرية في بقاع السودان كافة. انعقدت تلك الندوة في أحد صفوف المعهد بحضور بعض أعضاء اللجنة التنفيذية لطلاب المعهد وأنصار الفريقين. كان على رأس فريق الجبهة، عثمان صالح سبي. تلك كانت المرة الأولى التي ألتقيه. بدأ الراحل سبي في الحديث عن الكفاح المسلح وضرورة توجيه كل الإمكانات نحو تدعيمه ونبذ الفرقة، ثم عرّض بأساليب الكفاح
السلمي وبؤس مردوده. هنا ثارت ثائرة أعضاء حركة التحرير ومناصريها، فطالبوه بسحب ما قال والاعتذار، ثم بدأوا بالصراخ والتنابذ، فرد عليهم أعضاء الجبهة بالمثل، ثم رفعت مقاعد الدرس التي كان يجلسون عليها، ليضرب بعضهم بعضاً بها. لم يستطع أعضاء اتحاد طلاب المعهد السيطرة على الموقف الذي بدأ يتفاقم إلى شجار تنحى حينه العقل جانباً، كما تبخرّت الإخوة والمواطنة التي تجمع الطرفين، وغابت عنه اللياقة التي تفرض عليهم احترام المكان الذي انعقدت فيه تلك الندوة، والهدف الذي في سبيل تحقيقه، وجهت الدعوة والتقدير الذي كان يجب إظهاره لأصحاب المبادرة الكريمة، والمسعى الذي قاموا به. أنفضت الندوة وافرنقع القوم، فخرج إبراهيم بطران، وذهبت في معيته، وكلانا محبط، مُستفز، حزين. ولكن ما أن خطونا بضع خطوات في الشارع الموازي لمباني المعهد، حتى شهدنا ما فزعنا منه. ظننا ما رأيناه في قاعة المعهد الفني فصلاً من العنف السياسي، لا يشهده السودان قط، فهو من فعل جالية من دول الجوار، فخاب ظننا سريعاً.

ذهب إبراهيم بطران حال سبيله نحو الخرطوم بحري، بعد أن اتفقنا على إلغاء العشاء الذي خططنا له بسبب ما يجري حولنا، و أخذت أبحث عن سيارة أجرة تحملني الى أمدرمان. لم يكن الأمر سهلاً. لم أجد سيارة إلا في شارع النيل، ما بين مبنى وزارة الخارجية القديم والفندق الكبير. وفي أثناء سيري كل تلك المسافة، رأيت ما رسخ في الذاكرة، يعود إليها بين فترات متقاربة حتى اليوم، أكان ذلك بسبب ما يحدث بين فينة وأخرى أو من غير سبب، فأمتلئ كآبة لا تخفى على الناظر، رغم مرور العقود على الحادثة. كان الشماليون، يا صديقي، يطاردون عمال البناء الجنوبيين في كل مكان. لم يبق مبنى تحت التشييد، إلا وهجم عليه الرعاع والسوقة من الشماليين، بما يحملون في أيديهم من وسائل الإيذاء، يسبقهم سبابهم الفاحش، ونعوتهم العنصرية. كانوا يبحثون في تلك المباني عن أيّ مواطن جنوبي، وكان هؤلاء العمال البؤساء الأبرياء، يفرّون أمامهم كالفئران المذعورة، وهم يطاردونهم كذئاب عضّها الجوع عضّاً. كانت الشرطة في غياب تام، وبعض الشرطيين عاون الرجرجة فيما ارتكبوه، يا لهول ما جنت أيديهم. ما حدث لا يمكن تبريره، ولا سوق الأعذار له. لم يكن بيدي حيلة. لم أستطع أن أفعل شيئاً أمام هذه الهجمة الهوجاء الرعناء الهمجية. كنت عاجزاً تماماً، مما شحنني بغضب مكتوم، يمزّق الأحشاء والصدور. هل كان بمقدوري عمل شيءٍ ما؟ حتى الصراخ أنحبس في حلقي من هول ما رأيت. لم يفت الأوان بعد لتقديم الاعتذار عما حصل في تلك الأمسية الدامية، وذلك الليل البهيم، كذلك في الجانب الآخر، الوقت ما زال ممكناً للإعتذار عما حدث في أغسطس 1955 و خريف العام 1964 .

يستدعي ما يجري اليوم وقفة طويلة، ولكن كما ذكرت لك في البداية، بعد أن نتبّين الفجر بعد هذا الظلم والظلام، فالظلمة حالكة في أرجاء الوطن كله. و حتى ذلك الحين أرجو أن تتأمل معي ما سيأتي:
( لقد استغربتْ أوساط سياسية ودبلوماسية غربية، الكلام الذي قاله الجنرال عاموس يادلين؛ رئيس الإستخبارات العسكرية الصهيونية (أمان)المنتهية ولايته، والذي عُيِّن مكانه الجنرال آفيف كوخفي. كلام يادلين جاء خلال تسليمه خلفه مهامه منذ أيام، والذي جرى أمام أكثر من مراسل حربي لوسائل إعلام عبرية، والتي بدورها نقلت الحديث إلى جهات أوروبية وأميركية.
الجنرال عاموس يادلين قال: "لقد أنجزنا خلال الأربع سنوات ونصف الماضية كل المهام التي أوكلت إلينا، واستكملنا العديد من التي بدأ بها الذين سبقونا، وكان أهمها الوصول إلى "الساحر"، وهو الاسم السري للقائد اللبناني عماد مغنية. لقد تمكّن هذا الرجل - اللغز من عمل الكثير الكثير ضد دولتنا، وألحق بنا الهزيمة تلو الأخرى، ووصل إلى حد اختراق كياننا بالعملاء لصالحه، لكننا في النهاية استطعنا الوصول إليه في معقله الدافئ في دمشق، والتي يصعب جداً العمل فيها، لكن نجاحنا في ربط نشاط الشبكات العاملة في لبنان وفلسطين وإيران والعراق أوصل إلى ربط الطوق عليه في جحره الدمشقي، وهذا يعتبر نصراً تاريخياً مميز
لجهازنا على مدار السنين الطويلة."
وتابع عاموس يادلين: "لقد أعدنا صياغة عدد كبير من شبكات التجسس لصالحنا في لبنان، وشكّلنا العشرات مؤخراً، وصرفنا من الخدمة العشرات أيضاً، وكان الأهم هو بسط كاملة سيطرتنا على قطاع الاتصالات في هذا البلد؛ المورد المعلوماتي الذي أفادنا إلى الحد الذي لم نكن نتوقعه، كما قمنا بإعادة تأهيل عناصر أمنية داخل لبنان؛ من رجال ميليشيات كانت على علاقة مع دولتنا منذ السبعينات، إلى أن نجحت وبإدارتنا في العديد من عمليات الاغتيال والتفجير ضد أعدائنا في لبنان، وأيضاً سجّلت أعمالاً رائعة في إبعاد الاستخبارات والجيش السوري عن لبنان، وفي حصار "منظمة" حزب الله."
واستطرد يادلين بسرد إنجازاته قائلاً: " في إيران سجلنا اختراقات عديدة، وقمنا بأكثر من عملية اغتيال وتفجير لعلماء ذرة وقادة سياسيين، وتمكنا إلى درجة عالية من مراقبة البرنامج النووي الإيراني، الذي استطاع كل الغرب الاستفادة منه بالتأكيد، ومن توقيف خطر التوجه النووي في هذا البلد إلى المنطقة والعالم. وفي السودان أنجزنا عملاً عظيماً للغاية؛ لقد نظمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية في جنوبه، ودرّبنا العديد منها، وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجستية، لمساعدتهم، ونشرنا هناك في الجنوب ودارفور شبكات رائعة وقادرة على الاستمرار بالعمل إلى ما لا نهاية، ونشرف حالياً على تنظيم (الحركة الشعبية) هناك، وشكّلنا لهم جهازاً أمنياً استخبارياً قادر على حمايتهم وإنجاح مشروعهم بإقامة دولة ذات دور فاعل في هذه المنطقة. "
وأضاف: " أما في شمال إفريقيا، فقد تقدمنا إلى الأمام كثيراً في نشر شبكات جمع المعلومات في كل من ليبيا وتونس والمغرب، والتي أصبح فيها كل شيء في متناول أيدينا، وهي قادرة على التأثير السلبي أو الإيجابي في مجمل أمور هذه البلاد. أما في مصر، الملعب الأكبر لنشاطاتنا، فإن العمل تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979، فلقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر."
وتابع الجنرال المتقاعد:" أما بين الفلسطينيين فنحن الذين أفرغنا السلطة من محتواها، وسيطرنا على معظم قادة منظمة التحرير الذي عادوا إلى أراضي سلطة محمود عباس، وشبكنا معهم أوثق العلاقات، ومنهم من ساعدنا كثيراً في عدد من الساحات العربية، ونسج لنا علاقات مباشرة وغير مباشرة مع أجهزة وقادة عرب، إلى أن أصبح جزء مهم جزءاً من عملنا، لكن الخطر الأشد مازال مصدره حركة الجهاد، التي تتمتع بسرية تامة، وتعمل داخل أراضينا بتكتّم شديد، وفي أراضي أكثر من دولة عربية، ومازالت لغزاً يجب المواصلة لكشفه، أما حركة حماس فإن الضربات يجب أن تتلاحق عليها في الداخل والخارج، فحماس خطر شديد على الدولة اليهودية، إنها تستنهض المنظومة الإسلامية في البلاد العربية والعالم ضدنا، لذلك من المفترض الانتهاء من إفشالها وتبديدها في المدة المحددة بالبرنامج المقرر في عمل جهازنا بكل قوة."
وختم الجنرال الذاهب إلى التقاعد كلامه: "لقد كان لحادثة اغتيال رفيق الحريري الفضل الأكبر في إطلاق أكثر من مشروع لنا في لبنان، وكما كان للخلاص من عماد مغنية الفضل في الولوج إلى مرحلة جديدة في الصراع مع حزب الله، يجب مواصلة العمل بهذين المخططين ومتابعة كل أوراق العمل على الساحة اللبنانية، خصوصاً بعد صدور القرار الظني الدولي، والذي سيتوجه إلى حزب الله بالمسؤولية عن اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري للانطلاق إلى مرحلة طال انتظارها على الساحة اللبنانية، قبل التوجه إلى سورية؛ المحطة النهائية المطلوبة، لكي تنطلق جميع مشروعات الدولة اليهودية، بعد الإنجاز الكبير في العراق والسودان واليمن، والقريب جداً إتمامه في لبنان، كما يجب تحية الرئيسان حسني مبارك ومحمود عباس كل يوم، لما قدماه لاستقرار دولتنا وانطلاق مشاريعه").
إنتهت رسالة صديقي عمر جعفر السوري، ولكنها أبقت في النفس شيئاً أكثر من حتى !
( 3 )
ما أورده الصديق عمر جعفر السوري من تصريحات لجنرال الأمن الاسرائيلي عاموس يادلين، هو مما تناقلته مواقع الكترونية عديدة ومعروفة خلال هذا الشهر، منها موقع فلسطينيي عام 1948 http://www.pls48.net/msaboutus.asp ، ولقد أثارت تلك التصريحات موجة من التعليقات في مصر وفي لبنان، لجرأتها واعترافها بارتكاب جرائم ومخالفات واضحة ، حسب الجنرال الاسرائيلي، أنها من انجازات أجهزته أو مما يفاخر به .
نعم ، وقف صديقي جعفر السوري على رسالتي/مقالي ، ولكنه أثار عندي حزنا شديداً . أعادت إليّ الذاكرة، ما كتبته الإعلامية اللبنانية ريجينا صنيفر، التي حاربت مع القوات اللبنانية خلال الحرب الأهلية في لبنان ( 1975- 1990)، وأصدرت كتابها بالفرنسية، وجرى تعريبه ونشر عام 2008 ،وهو بعنوان "ألقيت سلاحي: إمرأة في خضم الحرب اللبنانية"- الناشر دار الفارابي، بيروت. جاءت اعترافات هذه السيدة وهي مارونية ( كانت وقتذاك في صف سمير جعجع، زعيم حزب "القوات اللبنانية" المعروف )، بما يشبه الاعتذار والبراءة مما ولغت فيه إبان الحرب الأهلية في لبنان، بين 1975 و 1990من القرن الماضي.. ثم وقفتُ أنا عند المقدمة الضافية التي كتبها الكاتب اللبناني جورج قرم ، متناولاً أبعاد العنف الجماعي ، منوّهاً أن الإعتراف ومن ثم الإعتذار، هما الكفيلان بتوفير مناخ من التسامح والغفران ، ((. . يكفل تخطّي الوضع الطائفي وحماية المجتمع المدني من الإنزلاق مجدداً في التقاتل الشرس بين أهل البلد الواحد .. )) ، وإنه لمن الضروري للوصول إلى التعافي من الشروع في ممارسات لتطهير النفس، ((على غرار ما حصل في جنوب افريقيا ، حيث اجتمعت كل القوى التي مارست العنف الأعمى ضد المدنيين، وتصارحت واعترفت وقدمت الاعتذار. . ))
( من مقدمة جورج قرم لكتاب "ألقيت سلاحي").
خلاصة القول إذن، أن البراءة من جرائم العنف الجماعي، وعودة الصفاء والتسامح ، لن تتحقق جميعها، إذا ما استمرأنا السكوت على مثل هذا العنف، وتجنبنا مراجعة النفس بل ومحاسبتها . لنا أن نسأل، فيما نعرف أن أحداث الأحد الدامي، قد وقعت في منتصف الستينات من القرن الماضي، سؤالاً مشروعاً: أين ترى الآن كل هؤلاء الذين ولغوا فيها ، من الجانبين، جنوبيين وشماليين ؟ أين ذهب الذين - بفعل الخمر- أشعلوا فتيل العنف الجماعي ضد أبرياء في مطار الخرطوم ، فولد عنفاً مقابلاً ، خرج في أعقابه أناس، دقوا "النحاس"، وهي طبول الحرب في أنحاء العاصمة ؟ أليس من بين هؤلاء من هم أحياء بيننا الآن، بل وفيهم من قد يطلع على هذا المقال ، فلا ترفّ له عين ولا يهتزّ ضمير، وقد أغفى طويلاً ولعقودٍ من الزمان ، على عنفٍ آثم بغيض ؟
غير أن تجاهل المسكوت عنه ، لن يلغي تلك الآثار العالقة بالنفوس، ولن نصل إلى براح السلم ولن تتعافى تلك الأنفس، إلا بالإعتذار وبالاستتابة الذاتية وبالتصافي ، وعبر جلسات للغفران ، على غرار تلك التي جرت في جنوب افريقيا ، فتسامت المشاعر وارتفعت بالدولة الأفريقية الموسومة لعقود طويلة بسياستها العنصرية البغيضة، إلى مصاف البلدان الكبرى الراشدة والمؤثرة في القارة الأفريقية. إلى ذلك صار زعيمها مانديلا، أيقونة للكرامة وللكبرياء الإنساني .
ولكن هل لكل الذي جاء من الصديق عمر جعفر، وهل لكل ما ورد من خواطر عنتْ لي ، صلة ما بالذي يقع من حولنا هذه الآونة ونحن ، لا نشدّ الأيدي بل نفصلها ، مشياً على رموز مفوضية الاستفتاء - حول حق تقرير المصير، وحدة أو انفصالا . . ؟
سيتصل الحديث باستطراد لاحق ، وستحدثك الأيام بما قد لا يخطر ببال .
الخرطوم 13 يناير/كانون الثاني 2011
jamal ibrahim [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.