( صواع الملك ) التنازل عن نفط الشمال \"تصرف في مِلك الغير\" ! فيصل عبد اللطيف [email protected] كيف نفسر ما ذهب إليه السيد رئيس الجمهورية، المشير عمر البشير، من تعهد بالتنازل عن نصيب شمال السودان من النفط للجنوب. بداية هل هذا التنازل دستوري؟ هل من حق الرئيس البشير أن يعلن هكذا تعهد، والتزام بدون الرجوع إلى الشعب ..؟ كيف يقرأ العالم ما أعلنه الرئيس لدى لقائه مجلس الأمن والسلم الأفريقي إنه مستعد \"للتنازل عن نصيب الحكومة الاتحادية من النفط إذا اختار الجنوبيون الوحدة \" . وهذه المرة الثانية التي يعلن فيها البشير مثل هذا التعهد بدون تكليف من الشعب .. فقد مرر عبارات مشابهة في خطابه أمام الدورة الجديدة للبرلمان.. مثل هذا الإعلان، والتبرع الرئاسي، والتنازل عن الموارد الاستراتيجية، هو في نظر القانونيين \"تصرف في ملك الغير\" .. فعلى الرغم من رغبة السودانيين في صون وحدة بلدهم، وخشية المآلات الخطيرة بعد الانفصال، إلا أن من حقهم أن يتساءلوا .. من الذي خول الرئيس التنازل عن موارد الشعب ولو لاجتذاب الوحدة؟ هل التفويض الذي منحه الشعب للرئيس في الانتخاب الأخيرة، التي حفتها الشكوك، يخوله التصرف في الموارد بالهبة والتنازل؟ ألا يفترض أن تمر مثل هذه المبادرة بقنوات مؤسسية، ويقرها البرلمان، ليعلنها الرئيس.. ؟ وإذا كان كسب الوقت هو الذي اقتضى هذا التعجل والجزم بالتنازل On the spot، ألم يكن بالإمكان أن يعرض الرئيس البشير هذا الإعلان باعتباره مبادرة من حزب المؤتمر الوطني، وأنه يضمن تنفيذها ، بعد تمريرها في البرلمان ، الذي يسطير عليه حزبه؟ على الأقل يتم إخراج العرض بصورة تخلي العالم يحترم القرار السوداني.. هل كتب علينا أن تدار البلاد هكذا \" إدارة موقف \" .. ؟ مراقبو الأوضاع في السودان، وراصدو تصرفات المسؤولين في تضارب أقوالهم وأفعالهم تجاه قضية الوحدة والانفصال يقرؤون هذا التعهد من زوايا متعددة .. فهناك من يرى أنه ربما أدركت الحكومة خطر الانفصال ، وتكشفت أمامها حقائق تفكيك البلد، فتريد تدارك الأمر بجزرة النفط، ولو بدون تفويض من الشعب، والرئيس واثق من أن شعبه سيقر تصرفه هذا ! إذا كان التعهد مقصوداً منه الحفاظ على الوحدة ، فهل اعتقد الرئيس والحكومة أن الطرف الآخر سيأخذ هذا التنازل بجدية تحول مجرى القضية السودانية؟ على أي حال لقد جاء أول رد على العرض الرئاسي من قبل الحركة ، التي وصفت تنازل الرئيس بأنه جاء\" متأخراً\" . كأني بهم يقولون : ما نبغي .. دولتنا على وشك أن تعلن .. وعرض الرئيس في هذا الوقت \" علوق شدة\" . مهما كان حسن الظن ، هل توقع الرئيس وحزبه أن إعلاناً كهذا ، في حضرة شيوخ أفريقيا ، من شأنه أن يحول مواقف الانفصاليين إلى رصيد لصالح الوحدة، وهذه المواقف بنيت على تراكمات ، وخلافات مريرة، وحرب تصريحات ، مثل \" تصريح الحقنة\"، الذي دفع جنوبيي الشمال إلى العودة إلى الجنوب للتسجيل والتصويت هناك لصالح الانفصال. لذلك من المراقبين من يرجح تفسير هذه الهبة الرئاسية في اللحظات الحرجة ، على أنها محاولة لتخفيف المسؤولية عن الانفصال، لتقول الحكومة: فعلنا كل شىء ، وذهبنا بعيداً جداً حتى أبدينا الرغبة في التنازل عن نصيبنا من النفط للحفاظ على الوحدة ، ولكنهم رفضوا ، وآثروا الانفصال. لا ننسى أن الرئيس البشير هو من قال أمام مجلس شورى حزب المؤتمر الوطني إن الانفصال متوقع وسنتعامل معه بواقعية . والدكتور نافع علي نافع، مساعد رئيس الجمهورية، نائب رئيس المؤتمر الوطني ، هو من أكد أن الجهود والسبل المبذولة كافة عَجزت عن الحفاظ على وحدة السودان .. ويجب ألاّ نخدع أنفسنا أو نتشبث بالأحلام. ووصف الانفصال بأنه \" محطة من محطات النصر والفتوحات . .. ومحطة ولادة جديدة لمشروعنا ... سنخرج أكثر عزيمةً وقوةً وإصراراً لهزيمة الآخرين\". هل إعلان الرئيس بالتنازل عن نصيب الشمال من النفط يشيىء بحقائق جديدة ، ويمكن لهذا التعهد أن يبلور موقفاً مفاجئاً تجاه الوحدة؟ ما الذي يلقي في روع الرئيس أن الانفصال، الذي قال بحتميته، ليس مرجحاً الآن، وأن عرضاً كهذا يمكنه تغيير اتجاه الريح، وأن أقطاب مجلس الأمن والسلم الأفريقي يمكنهم أن يفعلواً شيئاً ينقذ الإنقاذ من أن يوصم بأنه أضاع نصف البلد ، كما جاء في تقرير لرويترز؟ [email protected]