( صواع الملك ) \" إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا \" فيصل عبد اللطيف [email protected] يدور حديث عن \" مراجعة بعض أبواب الدستور\" بعد الاستفتاء.. ولا ندري كيفية المراجعة .. هل ستتولى \" المراجعة \" لجنة قومية، أم البرلمان بتشكيلته المحصورة في المؤتمر الوطني. المرجح هو هذا الأخير، بحجة أنه برلمان منتخب . فإذاً لن يكون هناك جديد .. ولن نخرج من النفق المظلم .. حتى لو أفضى الاستفتاء إلى وحدة ! إن حل الأزمات والنزاعات بنظام ( الكوتات) ، واختصار مبدأ تقسيم السلطة والثروة في ( مناصب وترضيات لقادة ورموز)؟... إضافة إلى سياسة التكويش والإقصاء، هو ما أوردنا هذا المورد الصعب . وهذا الأسلوب ، حتى إذا نجح في تقديم حلول مؤقتة، فهي حلول تبذر بذور مشكلات أكثر تعقيداً في المستقبل ، إن كان هناك مستقبل لسودان موحد! لقد سوفّنا، وحاولنا المداراة وإغماض أعيننا عن نهاية محتومة .. حتى شاهدنا السودان يتمزق . وأسلوب ( الكوتات والتعديل المسيس) المتبع الآن يسهم ب ( فعالية) في التعجيل بنهاية ما سيتبقى من وطن. فهل تسوية قضية دارفور إن كانت ستسوى بأسلوب المؤتمرات التصالحية، التي تقر ( الكوتات)، هو الحل المستدام لأزمة الحكم والهوية في السودان؟ لا أظن، لأن التسوية بهذا الأسلوب تطول وتطول، وتتفرع، و( الكوتة) تتجزأ، فتتولد متواليات لانهائية من الأزمات والنزاعات والتظلمات. حتى أصبح واقعنا مطابقاً لما وصفّته الآية القرآنية الكريمة \" أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ...\" . ومع ذلك نسمع الدكتور نافع علي نافع يقول إنهم \"سيسلمون الأجيال المقبلة سودانا موحدا \" .. فهل يرى نائب رئيس المؤتمر الوطني ما لا يراه الناس داخل هذه الظلمة اللجية؟. لقد تمت ترضية ( مني أركوي ) بالمستشارية، ومؤخراً تردد حديث عن محاولة إرضاء الدكتور خليل إبراهيم ب ( منصب نائب رئيس ) ، وفي مرحلة قادمة يتم استقطاب حركة أخرى ويعرض عليها منصب سيادي آخر، ثم حركة أخرى، ونفس الأسلوب يتبع مع إقليم آخر يصعد مطالبه، أو حركة ترفع السلاح وتثبت وجودها على الأرض، و..... و. ....، والخلافات التي جرت حول مناصب حركات الشرق معروفة. ومن جانب فإن( الترضيات ) تعبر عن نفسها في جيش من المستشارين العاطلين. هذا الأسلوب خطير جداً من حيث انه وضع معايير جديدة للمعارضة، وكيفية تحقيق المطالب، منذ عبارة \"أخدناها بالقوة والراجل ياخدها مننا\". وإقرار أسلوب ( الحل بالكوتات والترضيات والتحييد) أنشأ ثقافة انتزاع الحقوق بالسلاح ورسخّها. الفيدرالية ، غير الممارسة حالياً كما ينبغي، يمكن أن تكون حلاً لمعظم مشكلاتنا؟ فلم لا نعيد بناء الوحدة قبل أن يتشظى ( سودان ما بعد الجنوب)؟ .. هل بإمكاننا إقناع من لهم (حق المشورة الشعبية ) ، وهو إجراء مماثل لتقرير المصير ، أن يبقوا في سودان جديد؟ تفكيك البناء الحالي ، وإعادة بنائه بلبنة قادرة على تعزيز التماسك.. هو الحل. ولا يجب أن يتلقى (الإنقاذيون) بحساسية مثل هذا الطرح، وغيره من الأفكار المجيرة لمصلحة الوطن، ( مذكرة سالم أحمد سالم المشتملة على مقترح دستور جديد ، مثلاً). فالأفضل أن نقدم على حل متاح ربما نتمناه في وقت آخر فلا يكون متيسراً، أو لا نقوي عليه، لأن الوقت يكون قد فات. نلمس بعضاً من أهم محاور ما نطرحه الآن في عبارات للمشير عبد الرحمن سوار الذهب في حوار مع صحيفة ( المصري اليوم ) المصرية 20 نوفمبر 2010: \" ... وليست لدينا مشكلة في أن يكون رئيس السودان مسيحياً ما دامت بلادنا ستبقى موحدة \". وإن كان كلام المشير جاء متأخراً جداً، إلا أنه يحمل بوادر حل، إذا لم يكن قصد به ( تسجيل موقف) للتاريخ الذي لا يرحم .. فهو يعلم يقيناً أن الظرف عصيب، والقلوب شتى ، وسيف الوقت يقطع بلا هوادة. على أي حال ما المانع أن يكون رئيس السودان من غير المسلمين : من الجنوب ، أو من جبال النوبة، أو من النيل الأزرق؟ وبالطبع القبول برئيس غير مسلم لن يكون إلا في إطار بناء جديد باللبنة التي نقصدها. وكفانا الحديث عن التربص، واتهام النيات، وكلام الدعوة للعلمانية، والانسلاخ من الشريعة .. فالوطن للجميع وليس حكراً على جماعة أو حزب ، ولكل مواطن الحق في أن يطرح ما يعتقد أنه ( ينقذ ) الوطن ، أو يدرك يه ما يمكن إدراكه. اللبنة الجديدة تتمثل في دستور (جديد خالص) يتبنى الفيدرالية، وفق تقسيم يراعي الجغرافيا والتاريخ، بدلاً من فسيفساء الولايات الحالية. وأهم مرتكزات هذا الدستور: حرية الأقاليم أو الولايات ، أو المقاطعات أو .. أو ... ، المسمى لا يهم الآن، في اختيار حكامها يمكن أن تحل مشكلة اقتسام السلطة، فالأقاليم تختار النواب لبرلمانها بالأسلوب الذي يقره دستور الإقليم، ومن البرلمان تشكل الكتلة صاحبة الأغلبية حكومة الإقليم، أو بالائتلاف. منصب رئيس الجمهورية ( الاتحادي) يكون قسمة بين الأقاليم، بالطريقة التي تقر في الدستور، سواء دورياً أو بالانتخاب من بينهم، أو بأي طريقة أخرى يتم التوافق عليها، وبذلك ستكون لكل الأقاليم فرصة متساوية في هذا المنصب، والرئيس بهذا المعنى يكون رمزاً. السلطة التنفيذية للدولة تكون بيد حكومة يرأسها رئيس وزراء، يأتي من خلال انتخابات عامة تجرى في جميع الأقاليم، والدستور يحدد عدد المرشحين الذين يتنافسون على هذا المنصب، وآليات اختيار المرشح وتقديمه من الأحزاب أو من الجماعات. من يفوز بأغلبية الأصوات يشكل الحكومة العليا للبلاد، من عدد محدود من الوزارات المهمة. في ظل الديمقراطية يمكن أن تنشأ أحزاب جديدة في الأقاليم، خاصة أحزاب تعبر عن ( القوى الحديثة)، وسيجد المهمشون الفرصة، وتستطيع هذه الأحزاب أن تنافس داخلياً( داخل الإقليم ) في الانتخابات البرلمانية وانتخابات المجالس البلدية، كما أن بإمكانها تقديم مرشحها لانتخابات رئاسة الوزراء ( الحكومة الاتحادية). تقليص التقسيمات الإدارية من نحو 25 ولاية إلى 7 أو 9 أقاليم .. وأرى التقسيم الانجليزي معقولاً مع بعض التعديلات . في ما يختص بقسمة الموارد ، تعالج في الدستور بحيث ينعم كل إقليم بموارده، غير أن الموارد الاستراتيجية، مثل النفط والمعادن، والثروة الحيوانية، والمياه، تكون مملوكة للدولة ( الحكومة الاتحادية)، مع تخصيص نسبة معقولة يحددها الدستور للإقليم مصدر المورد الاقتصادي، إضافة إلى ذلك فأن الإقليم سيستفيد من وجود المورد على أرضه، من حيث تشغيل القوى العاملة، والبنية التحتية التي يتطلبها توظيف ذلك المورد ، وغير ذلك من فوائد غير منظورة. ومركزية الموارد الاستراتيجية يمكن أن تصبح داعمة للوحدة. التنمية التي ستحقق من خلال خطط حكومات الأقاليم وبرامجها من شأنها أن تعالج قضية هجر الريف، وترييف المدن، وهذه أساسية في التنمية، فعندما تتوفر الخدمات في الريف فلن يضطر أهالي الريف إلى النزوح بحثاً عن التعليم والصحة، والخدمات الأخرى في الخرطوم، والمدن الكبيرة، التي هي في الحقيقة قرى كبيرة تتضخم بلا خدمات موازية. للحكومة المركزية ميزانية قوامها عائدات الموارد الاتحادية ( المركزية) تصرف منها على المشروعات الاستراتيجية ، والنفقات الإدارية للحكومة الاتحادية، والبرلمان الاتحادي، ومؤسسة الرئاسة، والمحكمة العليا ، والممثليات، والتزامات الدولة في المنظومة الدولية. يؤسس صندوق ( مركزي) تديره الحكومة الاتحادية للإنفاق منه على مساعدة الأقاليم ضعيفة الموارد، وتلك التي ليس في أراضيها موارد استراتيجية، وأيضاً للصرف منه في الطوارىء. ربما في هذا التصور لمحة من النموذج الماليزي .. وأهل الحكم في السودان مفتونون بماليزيا .. فلم لا يقتبسوا من تجربتها .. والتجربة الماليزية تطرح حلولاً للتعايش بين الاثنيات والأديان، وهي مقبولة في اقتسام السلطة والثروة، كما أنها تبعد شبح الانقلابات العسكرية الدورية، وتعطي فرصة لإعادة النظر في الأحزاب. فالأحزاب القائمة ستتوزع في الأقاليم، بعضها سيفقد مراكز ثقلها التقليدي، وبعض الأحزاب ستنزوي، وبعضها سيكون لها رواج في أقاليم بعينها،وأحزاب جديدة ستصعد. [email protected]