أحكام الشريعة الصحيحة و (الدين النصيحة) أم الزعامات الفضيحة؟!! بقلم بدر موسى [email protected] إن مجرمي الإنقاذ أناس فاجرون في الخصومة، ولا يعلم أحد، مهما بلغ تصوره، المدى الذي يمكن أن يصلوا إليه، ليستغلوا الدين لتحقيق الأغراض الدنيوية الدنيئة! فهم في هذا لا زالوا يكشفون كل يوم، بل كل ساعة، دقة ومعنى وصف الأستاذ محمود محمد طه لهم بأنهم: (يفوقون سوء الظن العريض)! ولقد أوضحت جريمة جلد الفتاة كل هذا بصورة جلية حين تعاون قضاة وشرطة وقيادات نظام الإنقاذ السياسية، ثم تواطأ معهم في تزييف الشريعة، وتغطية الحقيقة، ومحاولات صرف النظر عن أصل المشكلة، المنتفعون والمطبلون من أدعياء الزعامات الدينية، أؤلئك النفر الذين عرفوا طوال تاريخهم المخزي الطويل، في إرضاء الحكام، وتجويزً الفساد، وما فتئوا يستغلون الدين لتخدير الناس البسطاء الأبرياء، ممن استأمنوهم على دينهم وعلى أعراضهم، فما رعوا أمانة في الدنيا، وأخطر من هذا، أنهم لم يخشوا عقاب الله سبحانه وتعالى، وكأنهم لم يمروا بقوله: (إن عذابي لشديد) مجرد المرور، دع عنك التدبر، والتفكر، والخشية، والخشوع، وأخذ العظة والعبرة ممن سبقوهم من المفسدين في الأرض، والذين حذر الله سبحانه وتعالى من سوء مصيرهم حين قال: (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين)! فالموضوع برمته مخالفات للشريعة من أي ناحية أتيتها، وقد انكشف كل ذلك مما حفل بسوء التدبير، وسوء الغرض، والمرض، والتزييف المتعمد لقواعد الشريعة الواضحة، لأجل مداراة الجريمة! فمن أول الأمر الذي لا خلاف عليه، والمعروف بالضرورة في الشريعة، هو أن العقوبة التعزيزية لا يمكن أن تتجاوز عشر جلدات، فكيف جاز لهؤلاء أن يجلدوا الفتاة خمسين جلدة عقوبة تعزيرية؟! جاء في الحديث: عَنْ أَبي بُرْدَةَ الأَنْصاري – رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: \" لا يجلد فوق عشرة أسواطِ إلا في حدِّ من حدود الله تعالى :\" متفق عليه. ولماذا كل هذا الإصرار على القوانين المعروفة بقوانين سبتمبر، كما أسماها الأستاذ محمود محمد طه، وقال عنها في كلمته الشهيرة أمام محكمة المهلاوي: ( أنا أعلنت رأي مرارا ، في قوانين سبتمبر 1983م ، من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام.. أكثر من ذلك ، فإنها شوهت الشريعة ، وشوهت الإسلام ، ونفرت عنه .. يضاف إلي ذلك أنها وضعت ، واستغلت ، لإرهاب الشعب ، وسوقه إلي الاستكانة ، عن طريق إذلاله.. ثم إنها هددت وحدة البلاد .. هذا من حيث التنظير ..و أما من حيث التطبيق ، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها ، غير مؤهلين فنيا ، وضعفوا أخلاقيا ، عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية ، تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب ، وتشويه الإسلام ، وإهانة الفكر والمفكرين ، وإذلال المعارضين السياسيين .. ومن أجل ذلك ، فإني غير مستعد للتعاون ، مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ، ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر ، والتنكيل بالمعارضين السياسيين) !! http://alfikra.org/article_page_view_a.php?article_id=31&page_id=1&keywords=غير فكيف يتم وصفها بأنها قوانين الشريعة التي لا ينبغي التنازل عنها، وهي ليست غير القانون الجنائي الذي حشرت فيه العقوبات الحدية حشراً، حتى يضلل بها البسطاء؟! أنبأنا عنها مولانا الأستاذ خلف الرشيد، رئيس القضاء السابق، الخبير بها، ولا ينبئك مثل خبير: (لا شيء اسمه القانون الإسلامي طُبق في السودان، وإنما هي خمسة حدود ضُمنت في القانون الجنائي، أقحموها فيه (كده بس) دون أن تتم إحاطتها بإجراءات وضمانات، ولم تسبقها تهيئة للأجواء الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، وهذه الحدود الخمسة هي المتفق عليها بين الفقهاء ومعروفة، وهناك حدان اعتُرض عليهما لعدم وجود اتفاق حولهما بين الفقهاء، هما حدا الردة والبغي، وواحد من أسباب عدم الاتفاق الخوف من استغلالهما سياسياً كما حدث لمحمود محمد طه، وأذكر أن د. الترابي كان يشغل منصب النائب العام وقتها واعترض بشدة على تضمين هذين الحدين في القانون الجنائي، ورفضه هذا عرضه لهجوم عنيف...) ولكن علماء السلطان أبت نفوسهم أن تدين هذا العمل المنسوب زوراً وبهتاناً للشريعة، وذهبوا مذاهب شتى في محاولة مداراة حجم الجريمة، وتطفيفها بقدر ما أوتوا من مواهب ومقدرات. فها هي الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان تقول بلسان رئيس اللجنة الدعوية بالرابطة د. محمد عبدالكريم: ( إن قضية فتاة الفيديو والدعوة لإلغاء عقوبة الجلد دون وضع بديل مؤشر إلى أن السودان مقبل على مزيد من الضغوطات للانحراف به للمتاهة والعلمانية مع تنامي العمليات الاستخبارية للموساد وال(سي، أي، سي) والفرنسية لإضعاف حكومة الشمال بعد الانفصال باستخدام أصوات في المعارضة داعية للعولمة، ويطالب الحكومة بإبطال ما اسماه ب(الخطوات الاستباقية) وحسم مسالة التشريع في الدستور بالاحتكام للقرآن والسُنة وما يتبعه من أحكام شرعية). يقول كل هذا حتى لا يصرح بما يعلم عن مخالفة هذه الجريمة لكل قواعد الشريعة الإسلامية التي أفنوا حياتهم في تقصيها، والتي بلا شك يعرفون هذا المعلوم بالضرورة منها حق المعرفة! فهل يبرر عدم وضع البديل تطبيق هذه الممارسة الوحشية بإسم الشريعة الإسلامية؟! وها هو الدكتور عبد الحي يوسف إمام وخطيب مسجد خاتم المرسلين، كما ورد في الأخبار: ( يشن هجوماً عنيفاً على الرافضين لجلد (الفتاة) التي ظهرت على شريط الفيديو، ويطالبهم بالسكوت عن ما لا يعرفونه، (واستنكر د. عبد الحي في خطبة الجمعة بحي جبرة جنوبي الخرطوم أمس، عَقد مؤتمرات في دور قال: (كنا نعتقدهم قدوة وزعامات)، واتهم من ينادي بإلغاء المادة «152» من قانون النظام العام بتقويض الشريعة: وتساءل عبد الحي قائلاً: من منكم يرضي بأن يجد طفلاً رضيعاً نتاج زنا في الشارع وقد نهشت الكلاب أوصاله؟! وأشار إلى أن مضابط الشرطة تستقبل طفلين حديثي الولادة يومياً ثمرة للذة محرمة بين فاسق وفاسقة. وكأنه يجهل أو يتجاهل أن ظاهرة أطفال المايقوما لا تعالج بالجلد، وإنما بإزالة أسبابها المتمثلة في الفقر والقهر والإفساد، مما أفرزته سياسات الفاشية المتدثرة بالدين، وأن حديث علماء السلطان عن أطفال المايقوما لتبرير تلك القوانين ليس سوى محاولة لاستغلال ما أفرزته تلك السياسات من مآسي لتبرير القوانين المخالفة والمشوهة للشريعة وهو ما يعني المزيد من القهر والبطش والإفساد، ومن ثم المزيد من الظواهر المزعجة والمآسي. ولكن الدكتور عبد الحي استدرك وقال: (قد يحدث خطأ من القاضي أو منفذي الحكم، بيد أنه أشار إلى أن الضرر الخاص منفصل عن العام، وأضاف أن العقوبة في الإسلام ب (آلة وسط) لا قوية ولا لينة ولا تقطع لحماً ولا تكسر عظماً ولا تشوِّه جَسداً، وأن تفرق على الجسد ولا يضرب الوجه ولا الخصيتين، وأضاف أن لا يرفع الجلاد يده حتى يَظهر إبطه، وزاد: إن المرأة تجلس على الأرض وتشد ثيابها ولا تُضرب من الأمام). وَوَصَفَ من يَنكر أحكام الشريعة من بقايا الشيوعيين ويريد أن يتقدّموا بمذكرات للمنظّمات الدولية وحُقوق الإنسان (كالمستجيرين من الرمضاء بالنار). كل هذا اللف والدوران والإلتواء حتى لا يقول صراحة ما يعلمه عن مجافاة هذه الجريمة لكل القاعد الشرعية!! فهو يقر بالخطأ من ناحية، ولكن بعبارات ملتوية ومطاطة، تتظاهر بقول الحق وتتجنب إدانة الباطل، ليبرر مخالفة ما تم لقواعد الشريعة، ولا يفصل في هذه المخالفة الظاهرة للشريعة، كما يقتضيه واجب الصدوع بالحق! فلا بد أنه يعلم تمام العلم بأنه ليست هناك عقوبة حدية بخمسين جلدة، وأن العقوبة التعزيرية لا يمكن أن تتجاوز العشر جلدات، بنص الحديث الشريف الوارد باتفاق الرواة! ولكنه يسكت عن قول الحق حرصاً على أن لا يغضب أرباب نعمته، فالسيد الرئيس قد كان من بين المصلين حاضراً يسمع خطبته، فكيف يغضبه ويعض اليد التي تبره بالعطايا والتبرعات، وتشرفه بالصلاة خلفه؟! والطيب مصطفى، خال الرئيس، يتظاهر بأنه لا يخشى قول الحق، وذلك بطبيعة الحال قبل أن يسمع رأي إبن أخته الرئيس المناقض لقوله، فيعترف بأن: (تنفيذ عملية جلد الفتاة وما صاحبها من ضحك وتلذُّذ من قِبل أفراد الشرطة وتصوير بالفيديو يشير إلى أن أخطاءً قد ارتُكبت تستدعي التحقيق ووضع الضوابط اللازمة لمنع تكرارها خاصة وأن تلك الواقعة قد انتشرت على نطاق العالم بالإنترنت وقناة الجزيرة الواسعة الانتشار الأمر الذي ألحق أذى بالغاً بسمعة البلاد خلال فترة خطيرة من تاريخها وهي «ما ناقصة»!! ومثل ذلك فعل السيد الوالي الذي صرح بأن هذه الفتاة قد عوقبت بعقوبة تعزيزية حكم بها قاضي، وحذر في المقابله التلفزيونية الشهيرة من محاولة استغلال ڤيديو(جلد الفتاة) لإحراج الحكومة، وقال ان هناك جهات تعرفها السلطات، رفض الكشف عنها، تستغل القضية لاجندة خاصة. واكد في برنامج «حتى تكتمل الصورة» بقناة النيل الازرق مساء أمس، أن الفتاة التي نفذت بحقها عقوبة الجلد سبق ان عوقبت اكثر من ثلاث مرات في قضايا اخلاقية مرتبطة بالدعارة. وقال إن التحقيق في ملابسات القضية ينحصر في الكشف عن عملية تصوير وتسريب شريط الڤيديو، مؤكدا أن الشرطيين اللذين نفذا العقوبة جرى نقلهما الى قسم آخر، واعترف بوجود تجاوزات في تنفيذ العقوبة. وأضاف الخضر أن (الفتاة) سبق وأن ضبطت أكثر من مرة وحوكمت في قضايا أخلاقية بالسجن والغرامة والجلد، ، مشيراً الى انه حكم قضائي صادر من محكمة. واعترف بالقول: وفرنا مادة إعلامية للأعداء من غير قصد.) والسيد الوالي يقول أن العقوبة تعزيرية صدرت من قاضي محكمة، وذلك بعد أن أكد أولاً أن العقوبة حدية! ولم يسأله أي من أئمة السوء كيف تكون العقوبة حدية وتعزيرية في نفس الوقت؟! ولم يسأله أحدهم لماذا تتبعها بعض رجال الأمن بعد تنفيذ العقوبة عليها في مرة سابقة، وقد منعت الشريعة مجرد ذكر المعاقب بسوء بعد تنفيذ العقوبة عليه؟! ولا سأله عاقل عن كيف يمكن تصور أن تقوم مثل هذه لفتاة الضعيفة البنية، والتي رأينا جميعاً كيف أن جسدها النحيل لم يحتمل عقوبة الجلد بعشرين سوطاً، لتخرج مباشرة من ساحة المحكمة حيث جلدت في مرة سابقة، أربعون جلدة بكاملها، لتضبط مرة ثانية في نفس اليوم، وهي تمارس الرذيلة؟! كيف يعقل هذا؟! ألا تكون من تفعل هذا مريضة نفسية تستحق العطف والرعاية والعلاج بدلاً من هذا الضرب الوحشي؟! أين رحمة الإسلام ودرء الحدود (وليس فقط عقوبة التعزير) بالشبهات؟! الهيئة القضائية تقول أنها بصدد التحقيق في القضية، والشرطة تقول أنها ستحقق كذلك، ولكن السيد الوالي قد برأ الشرطة وادارة النظام العام، وقال عنهما بالحرف: (لا علاقة لهما بالحكم)، وذهب لمدىً أبعد بإعلانه عدم اعتراضه على مراجعة قانون النظام العام موضوع الإتهام، حين قال: (ليس لدينا تخوف من تغيير القوانين، إذا اردنا أن نصحح فعلينا مراجعة عملية تنفيذ القوانين). ولكن الرئيس البشير يرفض صراحة أن تتم أي مراجعة وتحقيق في هذه الجريمة، باعتبارها حداً من حدود الله، ويتوعد بالمزيد، حين خطب وقال ان السودان سيعتمد دستورا اسلاميا اذا انفصل الجنوب بعد استفتاء الشهر القادم. وأضاف في خطاب في اجتماع حاشد في مدينة القضارف \"في حالة انفصال الجنوب سنقوم بتعديل الدستور لذلك لا مجال لحديث عن التعدد الثقافي والاثني.\" ودافع البشير عن الشرطيين اللذين صورا يجلدان امرأة وقال \"اذا كان الجلد تم لقرار (من المحكمة) فلا داعي للتحقيق. لان هذه حدود الشريعة.\" فما رأي السيد الوالي وما قول الطيب مصطفى وقيادات الشرطة ورئاسة القضاء فيما قاله الرئيس، وفي هذا العناد والإصرار على الخطأ، وكتمان صوت العقل، في لحظة طيش من ذلك النوع المعروف ب(المجتمع الدولي تحت جزمتي)؟ هل يا ترى وجدوا الشجاعة ليراجعوه فيما قال وينصحوه، والدين النصيحة، أم يستمعون لأمره لكل من يعترض على الجريمة الوحشية، حين قال: ( دي شريعة وحدود الله واي زول شاف الفيديو ده وامتعض منو عليه ان يغتسل ويعيد النظر في اسلامه)، فيستغفروا ويغتسلوا ويصلوا ركعتين توبة لله؟!