[email protected] قامت حرب الخليج الأولى فقسمت الدول العربية إلى طرفي نقيض سياسي في مواقفهم منها وقتئذ كنا – كمغتربين - نعيش في بلد تتزعم معسكراً، وننتمي إلى بلد من المعسكر الآخر تداعيات حرب الخليج حولت المغترب السوداني المقيم في منطقة الخليج إلى محامٍ رغماً عنه، يدافع عن كرامة السودان التي ظل جيرانه وزملاءه من بقية العرب يريقونها ليل نهار، على مذابح استنكار الموقف السياسي .. وكم عانيت وجيلي من أبناء المغتربين في تلك الأيام من تحول يومنا المدرسي إلى جحيم لا يطاق جحيم على طريقة سارتر .. الشاهد من ذلك إسقاط تداعيات موقف الحكومة السودانية من حرب الخليج حينئذ على موقف الدول العربية من مشكلات السودان الداخلية، تحت مجهر المغترب السوداني الذي وجد نفسه مرة أخرى في موقف (دفاع) عن مواقف السودان وتفنيد لمزاعم المحكمة الجنائية التي تطالب بتسليم رمز سيادته .. لكن المغترب المتأمل لصورة هذا المنعطف من خارج الإطار يلحظ أيضاً ذلك الفتور العربي باستثناء بعض الإشراقات المتفرقة، على صعيد المواقف السياسية أو المعونات الاقتصادية، ويعزز من رسوخ فكرة ذلك المغترب عن تدني مرتبته في سلم العروبة، وفرع بلده المايل في شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء .. النظرة المحلية إلى لوحة العلاقات السودانية العربية نظرة حالمة تغلب عليها الرومانسية والخطاب الشعري لأنها تتغذى على موروث ثقافي نمطي أكل الدهر عليه وشرب، أما نظرة المراقبين من خارج الإطار فهي الأقرب إلى الموضوعية والصواب، لأنها قناعات تشكلت عن طريق المتابعة اللصيقة والاحتكاك المباشر .. ونظرة المغترب السوداني تقول إن حكومات السودان ظلت تخطب ود الدول العربية وتناصر قضاياها المختلفة وتمد يد العون الذي على قدر الحال إلى كل من ينتمي إلى شجرة العروبة، بل وتؤثر بعضهم على نفسها رغم الخصاصة .. فما الذي قدمته الحكومات والشعوب العربية إلى قضية (دارفور) باستثناء الشجب والتنديد والتعبير عن القلق من سوء الأوضاع ؟! .. وما الذي ستقدمه لدعم سيادة السودان حيال قرار المحكمة الجنائية ؟! .. وما الذي قد تجود به عندما ينفصل الجنوب ..؟! بينما تمضي الأصوات المحلية الموغلة في الرومانسية في الاحتفاء بعروبة السودان المفترضة، تتبلور قناعة الجاليات المُغترِبة في أرض العرب بعدم جدوى العشم في وقفات عروبة لها في انتسابنا إليها رأي وقولان ..! الحديث عن العودة إلى أحضان العروبة والإسلام بعد انفصال الجنوب يبقى عشماً وقناعة لن تعزز منها الأيام القادمات .. فالقراءة المحايدة للتاريخ تقول إن الجنوب لم يكن يوماً (العزول) الشرير في علاقة أمة العُرب مع الشمال السياسي ..! مع مطلع هذا العام الجديد، ووداع آخر أعياد استقلال السودان القديم، ما هي منهجية الخارجية السودانية لكسب معركة السودان (المقروم) يا ترى ؟! .. نتمنى أن لا يكون هواها على نهج الطيب صالح مع عزيزه المتنبي ..! عن صحيفة التيار منى أبو زيد [email protected]