[email protected] عودتنا دائما قناة الجزيرة القطرية أن تجعل من منابرها دوحة وريفة فكرا ورأيا يشبع التطلعات الفكرية والسياسية والدينية ويجيب على كثير من التساؤلات التي تدور في خلج المشاهد العربي والإفريقي والسوداني على وجه الخصوص، ويحمد لها أنها من أول القنوات إن لم تكن الفضائية الوحيدة التي تفتح مكتبا خاصا لمتابعة استفتاء جنوب السودان في مدينة جوبا حاضرة جنوب السودان. ولكن على غير العادة كانت الأستاذة غادة مقدمة البرنامج(ضيف المنتصف) مشحونة بكمية من التساؤلات التي لم تنتظر الإجابة عليها بقدر ما كانت تصبها صبا على ضيفها الإمام الصادق المهدي يوم الإثنين الموافق 2 يناير كانون الثاني 2011م. وهنا يتبادر للأذهان مفارقة كبيرة بين تقديمها للبرنامج في قطر أو أي منطقة أخرى وبين تقديمها له في قلب العاصمة السودانية الخرطوم في فندق كورال، وهنا يتبادر للمشاهدين السودانيين تأثر المذيعة بالثقافة السماعية التلقينية التي استمدت جلها إن لم نقل كلها من صفحات الصحف اليومية ذات الطابع الحكومي والتصريحات الحكومية والإملاءات التي يعدها مسؤولو المكتب بالسودان والذين يطالهم الإشراف الأمني بصورة مباشرة علمت بذلك الأستاذة غادة أم لم تعلم. فليس من الممكن أو المعقول أن تطرح عشرات النقاط المهمة في حوار لا يتجاوز الساعة من الزمان وأغلبها بمثابة تهم تكال كيلا على حزب الأمة القومي وزعيمه الإمام الصادق المهدي وصلت نقل الاتهام للإمام بالكذب على لسان وزير الإعلام السوداني كمال عبيد وهو ما يروج له هذه الأيام في وزارته وفي الأوساط الإعلامية، مما أضطر الإمام أن يميط اللثام عن خصلة سكنته منذ الأزل وارتبطت باسمه وقال لها إن لكل امرئ من اسمه نصيب، وهو فعلا لم قد نال من اسمه الصدق والوفاء والصبر على الشدائد والإبتلاء. لم يتعد الأمر ذلك فحسب بل شككت هذه المذيعة ذاتها في صدقية المهدي في حديثه عن التكفيريين وأصحاب الأجندات البغيضة ودعم الحكومة لهم ولأنشطتتهم، على شاكلة جماعة الطيب مصطفى وصحيفته الانتباهة والتي تعد من أكبر الغفلات في تاريخ السودان، ولو أن الأستاذة غادة كلفت نفسها وترجلت من مقر إقامتها أو أنزلت زجاج العربة التي تقلها ورأت بأم أعينها اللافتات التي تملأ شوارع الخرطوم إحتفاء بالإنفصال ودنو أجله وتخوينا وتفسيقا للذين ينادون بإخاء مع الجنوب أو قبول حق تقرير المصير، لو رأت ما يكتب على صفحات الإنتباهة من دعوة بغيضة للتطهير العرقي والتفاخر الجاهلي المدعوم من وزراء وحكوميين معلومين ومعروفين في الحكومة لما شككت في مقولة الإمام الصادق المهدي. ولعل هذه المذيعة ما علمت أن الصادق هذا يعد من أصدق رجال السياسية في السودان حتى عد ذلك عيبا من عيوبه أنه أصدق من اللازم ويقول بعضهم أن السياسة (عايزة فهلوة) وما علمت أنه حينما يتحدث يصغى له ملايين البشر إذ أنه إلى الآن وسيظل عفيف اليد واللسان ممثلا أشواقهم وتطلعاتهم الفكرية والسياسية والدينية والوطنية السودانية الحقة وتجسدت فيه الشرعية التاريخية والنضالية والديمقراطية إذ أنه إلى الآن آخر رئيس وزراء منتخب في السودان، وقد ترفع عن الرد بعنف عليها في كثير من الأحايين وخاطبها بالسيدة احتراما لها، لكنها استمرت في نهجها رغم ملاحظتي لها وهي تتلقى إشارات من المخرج أو الجهة المسؤولة عن تنفيذ الحلقة عبر طقم الرأس، دون تركيز أو صبر على إجابات المهدي مما شوه كثيرا من الرؤى التي كانت تنضح بها قريحة المهدي. وبهذه المقاطعة التي تكررت على طول اللقاء قطعت هذه المذيعة تسلسل الأفكار التي رتبت في مخيخ مخ الإمام إلا أنها لم تستطع تشويه المعاني التي أوصلها المهدي كاملة دون بتر لكل المستمعين الذين غاصت هذه الكلمات وإن تقطعت بطين قلوبهم واستيقنوا معانيها وفهموا مراميها. هنا تجدر الإشارة إلى أن الأستاذة غادة لم تعد إعدادة جيدا لمحاورة رجل بقامة مفكر عربي إسلامي إفريقي من ضمن أميز المفكرين والقادة في العالم إعدادا يليق بقامته وبالمتلقين لفكره، مع علمنا التام أن قناة الجزيرة ليست هذه المرة الأولى التي تستضيف فيها المهدي نجد أن هذه الحلقة كان فيها من التشويه ما يمكن أن يخدش عرجون المحبة الذي ربطها بوجدان الشعب السوداني، وإعادة إحساس فترة الانتخابات المؤلم الذي اندمل جرحة. نما إلى علمي أن منبر الجزيرة بالدوحة سيستضيف المهدي في اليومين القادمين لاستعراض أحدث شهاداته على العصر ( كتاب ميزان المصير الوطني في السودان). وما نرجوه ونعتقد صادقين أن الدوحة ستكون أفضل إخراجا وبرمجة ومونتاجا وتقديما، أفضل مما حدث في الخرطوم، لأننا أحوج ما نكون لهذه الأفكار التي يجود بها المهدي متسلسلة دون انقطاع أو تشويه ولعل الجزيرة من أكثر الفضائيات الإخبارية مشاهدة في السودان إذ تجد في أغلب البيوت والمجمعات السكنية الطلابية والمقاهي توضع رقم(1) أو (2) بعد تلفزيون السودان في قائمة الريموت كنترول ، فما نأمله من الجزيرة إستعراض هذه الشهادة كاملة دون بتر أو قطع أو تشويه لأنها سترسخ حتما أفكارا ظلت عوالمنا العربية والإسلامية والإفريقية تحتاجها بوضوح وصراحة، ولعل الفترة ستكون قصيرة لإقامة المهدي في الدوحة ولكن من الممكن استكمال المنقطع في الخرطوم عقب عودته ولعل الأستاذة غادة في ذلك الوقت تكون قد انعتقت من القبضة التي في الخرطوم. لأني حقا أشفقت عليها وهي تعلم أنها تحشد في ذهنها كيلا من الاستفهامات وهي تعلم أنه لا العقل والمنطق يتقبل كثيرا منها ولا الفترة الزمنية الممنوحة للضيف تكفي للرد عليها. للحقيقة والتاريخ ستظل الجزيرة القطرية ببرامجها وأرشفتها وتوثيقها وأخبارها رقما عربيا ديمقراطيا مرشدا في عوالمنا التي يعمها الاستبداد والفساد، ودائما ما تنتج الجزيرة مطبوعات وسلسلة حلقات تثبت نضج مؤسسيها والمشرفين عليها، نتمنى أن ينال السودان ورمزه القومي والعربي والإسلامي والإفريقي الإمام الصادق المهدينصيبا وافيا من هذه ا|لإمكانات تبادلا للمنفعة، فالكنوزكثيرة في باطن الأرض ولكن الدرر والنفائس أمثال هذا الرجل نادرة بل تكاد تكون معدومة، فهنيئا لأهل الدوحة بالمهدي وهنيئا للجزيرة به لتفسح له مجالات فكرية وسياسية ودينية وتستصدر برامجها الحوارية معه في كتيبات تكون بمثابة رصيد معرفي في مكتبتها الرصينة الذاخرة بالمعارف. كما أنه بإمكانها الإستفادة من شعبية هذا المهدي وسنده الإسلامي والعربي في بث رؤى الجزيرة وأطروحاتها عبر تدريب نفر من معاونيه في معاهدها التدريبة، لتضفى بصمتها على أدائهم في كل المنابر ( الوسطية الإسلامية، المنظمة العربية للدمقراطية، وغيرها من المؤسسات الداعية لكرامة الإنسان والديمقراطية والحكم الراشد)، التي يمكن أن تتكامل في الأداء وتتعاون مع الجزيرة في النهضة بالأمة العربية والإسلامية ودعم تيارات الإعتدال والديمقراطية وترسيخ مبادئ الحكم الراشد. وقبل مغادرة طاقم الجزيرة الضيف للسودان عقب الاستفتاء نتمنى أن يجروا مقابلة مع رأس السودان عمر البشير والحديث معه بذات الجرأة والأريحية المفرطة التي جرت مع المهدي في فندق كورال.