تراسيم.. الخوف من فنجان قهوة !! عبد الباقي الظافر بعد أن قرأ القانونيون الاتحاديون دستورنا الذي أمّن على حرية التعبير والتجمع.. أرادوا أن يجرّبوا الغطس في الماء.. مجموعة من عضوية الحزب الاتحادي قررت أن تشرب قهوة بدون سكر.. ثمّ ترتدي السواد حداداً على الوطن المضاع.. لا شيء غير ذلك.. رغم ذلك رأت الحكومة في هذا الفعل المتحضر ما يهدد الأمن الوطني. ذات الحكومة التي ملأها الرعب من فنجان قهوة.. كانت تصدر بياناً دبلوماسيا ترحب فيه بالتغيير الشعبي في تونس.. وتتغزل في الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالجنرال بن علي وتصفها بالتغيير المستحق.. الرئيس زين العابدين لم يفعل شيء تركته الإنقاذ.. غير أنه وثب للسلطة بتقرير طبي بدلا من استخدام دبابة مجنزرة.. آخر انتخابات تونسية حاز فيها الرئيس زين العابدين على العلامة العربية المعروفة في التميز الانتخابي.. حتى أنّ القائد الأممي القذافي وبّخ التونسيين على ثورتهم، وقال للثوار لماذا لا ينتظرون الانتخابات القادمة بعد ثلاث سنوات. وما كان لنا أن نحتج على فرحة الحكومة بانتفاضة تونس المباركة لولا تصريحات مساعد رئيس الجمهورية الدكتور نافع علي نافع الذي توعّد معارضيه بسلب حريتهم إن فكروا في إسقاط الحكومة.. وإسقاط الحكومة بالوسائل السلمية يبقي هدفاً مشروعاً لأي معارضة ليبرالية.. ولم يسقط الرئيس زين العابدين بن علي إلا أنّه أنكر على شعبه وراثته في السلطان وتمددت دوراته الرئاسية إلى نحو ربع قرن من الزمان. الحكومة السودانية تخطئ في رؤاها للديمقراطية... قبل أيام أسقطت المعارضة اللبنانية حكومة رفيق الحريري.. أقصى ما حدث أن قطع رئيس الحكومة المقال زيارته الخارجية وعاد إلى بيروت.. لم يتهم الحريري معارضيه بالعمالة ولا الخيانة. المعارضة ذاتها تنظر إلى الحرية والديمقراطية فقط كوسائل تحملها إلى قصر السلطان.. تغيب بين جدران الأحزاب الحرية.. أمّا الشفافية فهذه مفردة لا يعرفها قادة أحزابنا.. اتحدى أن يكون الرجل الثاني في أي من أحزابنا يعرف كيف ومن أين ينفق الزعيم. في تونس التي نتغزل في تجربتها كانت الكلمة الضائعة والتي تبحث عن الجماهير هي الدستور.. كل هؤلاء الغاضبون لم يكونوا يطلبون غير تحكيم مبادئ الدستور الذي خطّه الرئيس المخلوع حرفاً حرفاً.. المعارضون والموالون كانوا يتحدثون عن المادة التي تحدد الكيفية التي يملأ بها منصب الرئيس الشاغر. صحيح دستورنا الحالي فصل بالمقاس ليناسب هيمنة الحكام شمالاً وجنوباً.. ولم تختار بنوده جمعية تأسيسية منتخبة ومعبرة عن الشعب.. وصحيح جداً أنّ الدستور يمنح الناس حريات بلا حدود. كل هذه النصوص تهزمها الممارسة القمعية التي تتصادم مع روع الدستور. رغم هذا لا أحد يحترم هذا الدستور.. الحكومة تستأسد على هذا الشعب العظيم وتمنعه حتى من شرب القهوة (المُرة).. والمعارضة تريد للشعب أن يخرج ليحقق لها مكاسبها التي تعني تحطيم كل البناء والبداية من جديد. الإصلاح يبدأ بدستور متوافق عليه.. التغيير الحقيقي يبدأ من داخل الأحزاب المهترئة والعاجزة عن الفعل والمبادرة.. الساسة الذين لأيؤمنون بالإصلاح الشامل نهايتهم ستكون طائرة تتخبط الأجواء الدولية وتبحث عن ملجأ آمن. التيار