هناك فرق. في الخلق والإبداع ..! منى أبو زيد مناخ الكتابة و الإبداع في السودان يشبه إلى حد كبير مناخ الإبداع في البلدان اللاتينية أو الكاريبيّة على وجه الخصوص، لكن مسألة الانتشار هي نغمة الاختلاف في معزوفة التشابه تلك.. على الرغم من كون هذا مجرد رأى شخصي إلا أنني - و لأسباب معقولة - أجد فيه قدرا لا بأس به من الموضوعية..! عندما نتأمل في روائع روائيين أفذاذ ك ( ماركيز ) و( جورج أمادو ) و(إيزابيل الليندى) نجد أن مذاق و نكهة هذا النوع من الإبداع تعود لذات المناخ الإنساني المشابه وإن اختلفت الأمور ظاهريا، فالاختلاط العرقي المميز جداً لدى تلك الشعوب قد ترك بصمة واضحة في شخصياتهم وأنماط حياتهم وثقافاتهم.. بعض الكسل وحدة المزاج والشعور العميق تجاه الأشياء الذي يصل لحد الإخلاص الأعمى لقيم الحب والجمال، الطيبة الساطعة والتطرف في ردود الأفعال.. كل هذا ربما منحهم إبداعاً مغايراً لا يشبه من حولهم، وبالتالي إذا أعدنا التأمل في المناخ الاجتماعي في السودان نجد أن الاختلاط العرقي بين العرب والأفارقة قد أوجد مناخاً ثقافيا وإبداعياً له هويته وتميزه الخاص، هذه الخصوصية في جغرافية السودان الثقافية والعرقية قد أدت بدورها إلى خلق تلك الفجوة أو ذلك الجدار الذي يفصل بين المبدع السوداني والمتلقي العربي والأفريقي !الوضع هنا شبيه بأغنية سودانية لا يطرب العرب كثيرا للحنها لأنها تنتمي إلى سلم موسيقى آخر غير الذي تعودوا عليه بينما لا يستطيع الأفارقة ترديدها لأن كلماتها باللغة العربية..! ونتيجة لاختلاف الثقافة السودانية (العرب أفريقية) عن الثقافة في معظم البلدان العربية والأفريقية فقد ظل المبدع السودانى محروماً من نعمة الإنتشار عربيا وأفريقيا و ظل بعض من لا تنطبق عليهم هذه القاعدة مجرد إستثناء آخر يؤكدها.. ولعل الطيب صالح من أشهر تلك الاستثناءات باعتباره الروائي السودانى الوحيد الذي وصل إلى العالمية، غير أن أن تمجيد معظم العرب لأعماله هو في أغلب الأحوال انعكاس لانتشار ها عالميا واحتفاء الآخر المغاير بها الأمر الذي يفسر كونه الروائي السوداني الوحيد تقريبا الذي يعرفه العرب جيداً ؟! ابتداءاً ب (بت المجذوب ) عجوز الطيب صالح الشهيرة مروراً ب ( الزين ) و( مريود ) وانتهاءاً ب ( المنسي )، كل هذه الشخصيات على الرغم من غرابة بعضها إلا أنها تمثل جزءً من واقع صورَّه الطيب صالح بعبقرية ليست محل جدال ونحن نفخر به كثيراً، لكن... هذا البلد فيه مبدعون آخرون يتمنون أن يقولوا للعالم شيئا ويمكن أن يشكل انتشارهم إضافة نوعية لأدب الرواية في العالم العربي وغيره ربما، لكنهم قابعون في غياهب التجاهل هؤلاء لم يحالفهم الحظ لتترجم أعمالهم إلى اللغة الإنجليزية !والحقيقة أن القارئ العربى نفسه لا يعرفهم وليس لديه استعدادٌ كافٍ لذلك، لأجل هذا قد يكون كل ذلك التمجيد والاحتفاء نعمة و نقمة في آن معاً في تقدير المبدع السودانى الذي يتمنى أن يقول للعالم شيئاً لكنه مكبل باحتكار الطيب صالح لفكرة الإبداع الروائي السودانى في ذهن القارئ العربي..! التيار