قصائد الموت..! مى أبو زيد [email protected] ليت أم عمر لم تلد عمراً، ليتني كنت تبنة .. هكذا تخوف عمر الفاروق من سوء العمل فالخاتمة .. بينما قرر شوبنهور أن الموت جميل ولكن الأجمل أن لا نولد أبداً .. أما نيتشة فيقول إننا يجب أن نفرح بالفناء لأنه ينقذنا من قسوة الحياة ويقودنا نحو العدم .. وعن هذا يقول أبيقور مستخفاً برهبة الخوف من الموت (عندما نموت ينعدم وجودنا فلا موجب إذا للخوف من الموت)..! وقد تأثر الأديب الياباني يوكيو مشيما بفلسفة أبيقور، فقد كانت تصيبه رعشة مع لذة غريبة حينما يفكر بالموت، وكأنه ملك العالم بأسره، وهو القائل قبيل انتحاره – المسرحي/المأساوي، أمام عيون الشعب وعدسات الإعلام – (أريد أن أموت كي أجعل من حياتي قصيدة) ..! فالموت انتحاراً على طريقة الهيرا كاري في اليابان ليس جريمة، بل صورة من صور ممارسة الحرية في تدليل الذات .. أن تملك كل شيء عندما تخسر كل شيء .. ولا عجب أن اليابان هي الدولة الوحيدة في العالم التي تملك طريقة انتحار رسمية مسجلة باسمها ..! وفي الهند يؤمن الهندوس بأن الولادة هي أم الشرور جميعا، فيتاخمون الموت على طريقة بوذا بالدخول في النرفانا وهي – بحسبه - حالة من الدخول في العدم الكلي، تخلص الأجساد من شرور الدنيا وأحزانها بعد الموت ..! ويبقى الموت أكثر الاحتمالات الإنسانية رهبة .. فأكثر ما يخافه الإنسان بعد الموت هو العدم المطلق، لكنه خوف فلسفي عذب ومقدور عليه إذا ما قورن بخوف المؤمنين من وقفة يوم القيامة حيث الثواب والعقاب والجنة والنار .. ذاك هو الخوف الذي يحكم مسيرة الإنسان في حياته الدنيا (فلو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي .. ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعد ذا عن كل شي) ..! حالات الموت التي تفشت وتوالى تناسخها في العالم العربي المسلم هي ظاهرة ظهرت وستختفي بسرعة بعد أن تسلط الضوء الكافي على تجذر وتفاقم المشكلات الاقتصادية والسياسية المعاصرة في تلك المجتمعات .. ذلك الهوس الجماعي بالانتحار حرقاً لجذب الأنظار نحو قضية والذي بدأ به الشاب التونسي بو عزيزي ثم تناسخ في مصر واليمن والجزائر لا بد أن يكون قبلة أنظار الإعلام ليس على طريقة احتفاء الباباراتزي بالسبق الإعلامي وإنما على طريقة التوعية والتبصير بمقدمات الأزمة قبل وقوعها ..! لقد كان احتفاء الإعلام بغرائبية الحدث واهتمامه بالسبق الصحفي مقدماً على رساليته المتمثلة في الشجب والتنديد بمثل هذه الظواهر ولو أدى الإعلام رسالته التحذيرية الواجبة منذ وقوع حادثة بو عزيزي في تونس لما اعتبر هذا النوع من أنواع الاحتجاج اليائس بطولة ..! مصائر الشعوب لا تشترى من الصيدليات .. والمتغيرات السياسية ليست مسخاً يبعث من جثث الموتى .. التغيير كفاح جليل يستلزم الحرص على الحياة ..! عن صحيفة التيار منى أبو زيد [email protected]