حسناً فعلت مؤسسة الرئاسة حين التأم أقطابها الثلاثة، البشير، طه وسلفا كير نهاية الاسبوع الماضي، بحسم الجدل الذي دار حول مؤسسات نيفاشا لصالح بقائها حتى موعد إنتهاء الفترة الانتقالية في التاسع من يوليو القادم، كما أحسنت حكومة الجنوب بإعلانها إرجاء إعلان نتيجة الاستفتاء التي جاءت كما هو متوقع لصالح الانفصال بشكل كاسح لم يتعد حظ «الانتباهة» فيه دور من «يحمل أقداح المونة ويناول الطوب للبنّاء» على رأي المثل، وجعلت من التاسع من يوليو الموعد الرسمي لإعلان النتيجة النهائية للاستفتاء، ففي ما فعلته مؤسسة الرئاسة ومضت على دربه حكومة الجنوب حكمة وبعد نظر لم تدركهما الأصوات التي تعالت واستعجلت كعادتها مطالبة بحل مؤسسات نيفاشا وتسريح الدستوريين الجنوبيين بمجرد إعلان مفوضية الاستفتاء النتيجة الأولية للاقتراع، الأمر الذي لا قدّر الله لو تم لكان ما تمنوه قد حدث منذ «الأحد»الماضي التاريخ الذي أعلنت فيه المفوضية من جوبا عاصمة الجنوب النتيجة الأولية التي بلغت «75،99%» لصالح الانفصال، ولكان ذلك قراراً أخرقَ، ونظراً قاصراً يفتقد لبعد الرؤية ونفاذ الرؤى ويكون من يصدره كمن لا يرى أبعد من أرنبة أنفه ولو بالغ فلن يرى ما بعد موضع رجليه، ولك عزيزي القارئ أن تتصور مدى ما يمكن أن يجرّه على بلدك مثل هذا «التفكير» في عالم اليوم الذي أصبح «غرفة» من القطب إلى القطب دعك من جارٍ جديد يحاددك في حدود هي الاطول في أفريقيا تحتاج لأن تجمعك به أفضل العلاقات إن لم يكن بفضل الاخوة السابقة فلتكن بحساب المصالح والإستقرار، ولكن الغضب والحمق وإنسداد الأفق حين غطى بصيرة هؤلاء وأعشى بصرهم جعلهم ذلك يرفعون الدستور مثل «قميص عامر» يلوّحون به ومثل كتاب الله الذي رفعه عمرو بن العاص في واقعة التحكيم، وفات عليهم وهم في غمرة تعجلهم لذهاب الجنوب أن نيفاشا وروح نيفاشا هما المرجعية الاعلى التي تعلو على الدستور وبالضرورة أي قانون، ولو كان ذلك يجدي لأجدى من قبلهم وطنيون مخلصون وصادقون كانوا قد تقدموا بطعون ضد الاستفتاء نفسه، ولكنه الغرض والغرض مرض... القضية لم تكن أبداً في ذاك الجدل المغرض هي «تفتيش» نيفاشا وذهاب الجنوبيين، دستوريين أو غير دستوريين، فنيفاشا لها أجل معلوم والجنوبيون ذاهبون ذاهبون إن في فبراير أو يوليو أو حتى ديسمبر، القضية ظلت وستظل ثم ماذا بعد نيفاشا، والقضية ظلت وستظل ماذا بشأن ما تبقى من الوطن وليس الجنوب الذي سيذهب لحال سبيله، ماذا عن مؤسسات الوطن الذي «فضل» وماذا عن مصير الشعب الذي «فضل»، ماذا عن العطاشى والنازحين والمشردين والمزعزعين في الغرب، وماذا عن المرضى والجوعى في الشرق، وماذا عن الحزانى والصابرين في الوسط والشمال، كيف يُساسوا ويُحكموا، والسؤال الأهم هو ماذا عن هيكلة الحكم وهياكله ومؤسساته ودستوره ودستورييه، وليس هو ماذا عن مؤسسات نيفاشا والدستوريون الجنوبيون، والسؤال الأهم هو بأية صيغة ستُحكم أرض السودان ما دون الجنوب، أعلى صيغة تلملم بقية أطرافه وتطبب جراحه وتحفظ بيضته، أم على أخرى «جديدة قديمة» تزيده رهقاً وتبعثراً وتشتتاً وتفرّقه أيدى سبأ، فمن كان يمقت الجنوب ويكره الجنوبيين، فإن الجنوب قد فات والجنوبيون مضوا، دعوهم لحالهم وإنتبهوا لحالكم حتى لا يصدق فيكم المثل «غلبتو مرتو دقّ حماتو» خاصةً وفيكم معددين لهم من الزوجات مثنى وثلاث ورباع، القضية هي ماذا عن بقية «العفش» وليست «تفتيش نيفاشا»... الصافة