قد عزلناك فقم ..! منى أبو زيد [email protected] كلنا نذكر إصبع سيف الإسلام – نجل الرئيس الليبي معمر القذافي – التي ظل يلوح بها في وجه شعب بأكمله، مهدداً، متوعداً من يخرج إلى الشارع محتجاً على حكم أبيه المؤبد .. مؤكد أن المشاهد المنتمي إلى مجتمعات التحضر والديموقراطية ما يزال يرفع حاجب الدهشة، من ظاهرة تفاقم وتمدد صلاحيات الأسر الحاكمة في الجمهوريات العربية ..مندداً ببشاعة تلك العلاقة الطردية بين اتساع دائرة النفوذ وقوة صلة القرابة/النسب/الصداقة بالسادة رؤساء الجمهوريات في العالم الثالث ..! من أين أتى هؤلاء بكل تلك الثقة ؟ .. لأنهم ببساطة مطمئنون إلى صمت شعوبهم واستسلامها لحركات القطع الرابحة في رقعة الشطرنج التي تتحكم بمصائرهم وتدير جماع أمرهم، ولو أعاد التاريخ نفسه بعد مرور هذه الأيام القلائل التي شهدت استشهاد المئات وسيطرة الآلاف على مداخل ومخارج المدن، مؤكد أن لون ورائحة الخطاب كان سيكون مختلفاً .. بالضبط كما حدث في تونس ومصر ..! لقد أثبتت تلك الثورات أن مخططات الحكام وصفقات الأسلحة تصبح هباء تذروه رياح الثورات الشعبية الهادرة .. انقلبت أنظمة الحكم على أعقابها بأيادي العزل واندحرت فلول مقاومتها بسواعدهم الخالية .. وفي ذلك فليتفكر المتفكرون ..! الحكاية برمتها سوء استغلال للنفوذ يبدأ بسوء إدارة المناصب وينتهي بسوء خاتمة الحكم فلماذا لا يتعظ أولي الألباب .. نحن في بلادنا نشهد ذات اللعنة التي تبدأ بشخصنة المواقف والمناصب، وتنتهي بشخصنة الحكومات والدول، وعوضاً عن تدارك الأمر تمضي الحكومة في الإنكار والمكابرة ..! هي ذاتها إذن، لعنة الإصبع المشهرة في وجه من يقول بغم، تلك التي قادت صراع هيئة الكهرباء وإدارة سد مروي، وكله على حساب المواطن المسكين الذي دفع الثمن بانقطاع تيار الكهرباء لساعات طوال خلال أيام متتالية، تقاطع في الرؤى والأولويات بين حاكم بأمره هنا وسلطان بأمره هناك، دفع الشعب فاتورتها الباهظة وتململ في رمضاء (القطوعات) والانتظار قبل أن ينتهي الصراع بقرار الإعفاء الذي يأتي دوماً مثل البوليس في أفلام الباطنية المصرية، بعد فوات الأوان ..! وعوضاً عن وقوف تلك السابقة في وجه أية لاحقة شبيهة، انتقل الصراع إلى وزارة الصحة، بين وزير دولتها ووكيل وزارتها الاتحادية، فطاش سهم المصلحة ودفع محمد أحمد المسكين فاتورة صراعات المسئولين، يعزل هذا من يقوم ذاك بتعيينه بجرة قلم، على طريقة سجوع بديع الزمان (أيها الوالي بقم قد عزلناك فقم)، فينقلب إلى أهله، دونما جريرة سوى انه محسوب على فلان الذي يتحداه فلان..! استقالات جماعية، ونقص في الأنفس والثمرات داخل أروقة الوزارة، وتأثر في خدمة ومصلحة المواطن المرجوة من بقاء هذا أو ذاك على الكرسي، ثم صدور قرار الإعفاء المعهود يوم أمس‘ على طريقة البوليس المتأخر دوماً في أفلام الباطنية ..! بينما الكل يعلم أن الحل ليس في الإقالة والإعفاء (تقويم الإصبع أو بترها) – بعد خراب مالطة – بل في اتخاذ التدابير الصارمة التي تجعل المسئول يتحسس إصبعه ألف مرة، قبل أن يقوم برفعها في وجه مصلحة المواطن ..! عن صحيفة التيار منى أبو زيد [email protected]