زمان مثل هذا موسم الهجرة الى الشعوب الصادق الشريف بالفعل سوف يتكون شرق أوسط جديد. ولكن ليس ذلك الشرق الأوسط الذي تحدثت عنه كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، بُعيد أيامٍ من سقوط بغداد. رايس كانت ترى أنّ الفرصة مؤاتية للولايات المتحدة لتجذير (مصالح أمريكا) في هذه البقعة من العالم التي ليس لها وجيع. أدوات ذلك التجذير... آسف، أداة ذلك التجذير كانت واحدة وهي فوبيا الحكام العرب من (ماما أمريكا). واستجاب القادة العرب للإستراتجية الجديدة وهي ما زالت في طور المناقشة العامة على وسائل الإعلام، ولم تصل الى مرحة الإجازة النهائية بعد. استجابوا لأخطر بنودها، والتي كان الإعلام الغربي يلتف حولها حرجاً من ذكرها، وهي تغيير المناهج المناهج الإسلامية. والقادة العرب لا يستطيعون رفض طلب للولايات المتحدة، جزعاً من عند أنفسهم، لا تخويفاً من واشنطن، وهم الذين بسببهم إستيأس نزار قباني طالباً أن يعلنوا وفاة العرب (كل العرب شعباً وحكوماتٍ)... أنا منذُ خمسين عاماً أحاولُ رسمَ بلادٍ تُسمَّى مجازاً بلادِ العربِ رسمتُ بلونِ الشرايين حِيناً وحيناً رسمتُ بلونِ الغضبْ وحين انتهى الرسمُ ساءلتُ نفسي إذا أعلنوا ذاتَ يومٍ وفاة العربْ ففي أيِّ مقبرةٍ يُدفنون ومن سوفَ يبكي عليهم وليس لديهم بناتٍ وليس لديهم بنونْ وليس هنالك حُزنٌ وليس هنالك من يَحزنونْ ولا يحزنونْ الآن... تغيرت حال الشعوب العربية التي كانت ترجف حين تسمع صوت الحاكمين، وتتبول على نفسها حين تراهم في التلفاز. الحكام الآن هم الذين يرتجفون حين يجتمع نفرٌ من الشعب معاً... حتى ولو اجتمعوا في بيتٍ من بيوت العزاء... أو عند صديق. ومن يقرأ التاريخ لا يصابُ باليأس والقنوط... فكم من أممٍ أعلنوا وفاتها، ثُمّ هي تنتفضُ من تحت رمادها، مثل طائر رُخٍ. وكم كم شعوبٍ جهزوا لها الكفن لتُدفن حية في تراب التاريخ. وتتمُّ عملية الدفن... لكن لمن كان يحملُ الكفن، وليس لمن جيئَ له بالكفن. والله دعا عباده لعدم القنوط واليأس، بل وصف اليائسين بالكفر، (إنّه لا يياس من رَوحِ الله إلا القومُ الكافرون). وكدلالة على فكرة إحياء النفوس وإحياء الأمم، يضربُ الله مثلاً بالأرض البور البلقع، التي من يبابها، تركها أهلها، فإذا بالمآء يُعيدُ لها الحياة (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا). هناك شرق أوسط جديد يجري تشكيله الآن... والشعوب الشرق اوسطيه هي التي تعجن عجينته، وهي التي تُحددُ ملامحه. وهناك خارطة سياسية جديدة، تحلُّ محل تلك الخارطة القديمة، التي أعلنوا في نهايتها عن وفاة العرب. هناك روح جديده في الشباب العربي، يحاول من خلالها التخلص من كل أدران الماضي، بحثاً عن مستقبلٍ جديدٍ. مستقبلٌ لا علاقة له بكلِّ الإنتكاسات والإنكسارات التي فُرضت عليه، واصبحت جزءاً من تاريخه. هذا موسم الهجرة الى الشعوب... ولأنّ المنتصرُ هو من يكتب التاريخ، فإنّ الشعوب العربية هي التي ستكتبُ تاريخها. التيار