د. أحمد هاشم الثمثيل الرسمى للأمة: مقارنة الطوابع البريدية بين السودان وبوركينا فاسو هذه الدراسة القيمة بالعنوان أعلاه نُشرت فى مجلة African Studies Quarterly فى عام 2008 بواسطة بروفيسر مايكل كيفن, الإقتصادى بجامعة سانتا كلارا والذى امضى عدة سنوات مع زوجته بالسودان فى الثمانينات بين شرق السودان وكردفان كمتطوعين فى منظمات الإغاثة أولاً، والدراسة الميدانية فى الإقتصاد الزراعى لدرجة الدكتوراة ثانياًً. صدر لمايكل كيفن كتابين، الأول غزو كردفان: دمج الأطراف والتحول الإجتماعى فى أفريقيا المسلمة والثانى تنمية المرأة فى أفريقيا. دفعنى لترجمة هذه الدراسة بتصرف ترجمة بدرالدين حامد الهاشمى لموضوع تاريخ طوابع البريد فى السودان، بتاريخ 27 فبراير2011 بصحيفة سودانايل الإلكترونية. ورد فى الموضوع التاريخى الشيق \" بدأ التاريخ الرسمى لخدمة منظمة البريد فى السودان عام 1867 وذلك بإستخدام الطوابع المصرية التى تحوى صور الإهرامات وأبو الهول. وفى عام 1898 تم إصدار أول طوابع سودانية خاصة وعليها صورة الجمل الشهيرة فى الجنيه السودانى. فى ما بين عام 1941و 1949 تم إيقاف العمل مؤقتاَ بهذا الطابع عند إثارة موضوع \"النخيل\" (لا علم للمترجم بالمقصود هنا)\". أرجو أن يؤدى تلخيص هذه الدراسة إلى إزالة اللبس والغموض فى الأسباب التى أدت للإيقاف الموقت لطابع البريد الذى يحوى صورتى الجمل والنخيل وإلقاء الضوء على دور الصورة الرمزية للطابع فى ترسيخ الهوية فى ذهن الشعب السودانى فى ذلك الوقت المبكر قبيل إستقلال السودان . يعتمد البحث العلمى فى تحليل الرمزية والمضمون الصورى لطوابع البريد بإستخدام وسائل بحثية معروفة لتحديد رؤية وتوجهات النظم الحاكمة فى فترة معينة من التاريخ. عمدت دراسة مايكل كيفن فى مقارنة وتحليل رمزية صور طوابع البريد فى بوكينا فاسو والسودان لتشابه التاريخ السياسى بين البلدين. حكمت الثورة المهدية السودان منذ عام 1885 إلى عام 1898 تلاها الحكم الإنجليزى المصرى الذى إنتهى بالإستقلال عام 1956. بالمقابل كانت بوركينا فاسو جزء من مملكة مركزية يرجع تاريخها لعام 1300م، ثم إنتهت بالإحتلال الفرنسى للإقليم عام 1898 ضمن إقليم غرب إفريقيا الفرنسى المسمى بالسودان. وفى عام 1919 كون الفرنسيون مستعمرة فولتا العليا التى إستقلت عام 1960 وأعيد تسميتها بوركينا فاسو عام 1983. سيطر الحكم العسكرى على البلدين بعد فترة وجيزة من الإستقلال ولم تستقر فى أى منهما حكومة ديمقراطية منذ ذلك التاريخ. سوف نركز فى هذا الموضوع على الجانب السودانى للدراسة والتى خلصت إلى بعض النتائج التالية: أصدرت الحكومة السودانية بعد الإستقلال نسخ طوابع بريدية تصور الخرط والشعارات الوطنية تلتها طوابع تمجد إتحاد البريد العربى. كما صدرت فى الفترة العسكرية الأولى طوابع تحمل صورة جندى يصافح مزارعاً وتلتها طوابع تحتفل بإفتتاح مبنى جامعة الدول العربية بالقاهرة. وظهرت الجامعة العربية فى طوابع البريد فى أعوام 1962، 1967 و 1972 كما ظهر إتحاد البريد العربى للمرة الثانية عام 1964 ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1967. ظهرت الرموزالثقافية الشمالية فى فترة ما قبل الإسلام ست مرات إبان فترة الحفريات التى سبقت بناء خزان السد العالى وذلك تخليداً للقبائل النوبية الشمالية التى غمرت أراضيها مياه بحيرة السد العالى. بهذا يمكن إستنتاج أن الطوابع البريدية التى صدرت فى السودان فى العشر سنوات الأولى بعد الإستقلال سعت إلى تأطير وترسيخ الهوية العربية للدولة. وقد إتضح للضباط الجنوبيون الذين تمردوا فى عام 1955 أن زملائهم من النخبة الشمالية إختاروا هوية السودان العربية دون أى إعتبار للهوية الجنوبية الأفريقية وزاد هذا الأمر تأكيداً عدم تمثيل أى شخصية أو رمز ثقافى جنوبى فى طوابع بريد الدولة الوليدة. ظهرت أول صور للمؤسسات الأفريقية على الطوابع البريدية السودانية فى صورة بنك التنمية الأفريقى عام 1969 وإتحاد البريد الأفريقى عام 1972. وبهذا يمكن إستنتاج بأن نسبة الهوية العربية للأفريقية تمثل 2:7 تباعاً، بحلول عام 1972. (بالرجوع لصورة \"النخيل\" فى موضوع بدر الدين حامد الهاشمى فهى بالطبع تُمثل رمز الهوية العربية الإسلامية التى رفضتها النخبة الجنوبية وقد تكون إحدى الأسباب التى أكدت شكوك الضباط الجنوبيين فى نوايا النخبة الشمالية مما دفعهم للتمرد عام 1955م). أصدرت الحكومة الديمقراطية بقيادة الصادق المهدى مجموعة من الطوابع البريدية خلدت النسخة الأولى ذكرى شهيد المظاهرات الطلابية أحمد القرشى. كما خلدت ذكرى زعماء ما قبل الإستقلال، الصديق المهدى، عبد الله الفاضل المهدى، محمد نور الدين، أحمد يوسف هاشم وأحمد المرضى. بعد إنقلاب مايو عام 1969 صدرت نسخة من طوابع البريد تحمل صورة القائد جعفر النميرى فى الواجهة وصور الشعب فى الخلفية. ويحكى أن هذه النسخة من الطوابع تم إستدعائها يوم صدورها لأن صورة نميرى ظهرت بلون داكن وكانت الصورة الخلفية للشعب مظللة. وبعد بضعة أشهرتمت إعادة إصدار الطوابع التى بدت فيها بشرة النميرى بلون فاتح والشعب باللون الأبيض. فى خلال فترة النميرى الطويلة نسبياً صدرت ستة نسخ من الطوابع أحدها صورت صيد الأسماك فى السودان فى يوم الغذاء العالمى. لم تشمل الدراسة الطوابع التى صدرت بعد عام 1989 فى فترة حكم الإنقاذ الوطنى التى تدهورت فيها خدمات البريد السودانى. قد يتساءل القارئ ما مدلول الصورة على طابع البريد؟ تستخدم النظم الحاكمة قوة الرموز والصور والألوان لتأطير الهوية والأيدلوجية للسلطة لتحتل مساحة التفكير لدى الشعب ويقبلها كجزء من مكوناته الثقافية والوطنية، مثلاً ألوان العلم وشعار الدولة فى العملات وألوان الخطوط الجوية الوطنية وحتى الموسيقى والأناشيد الوطنية على موجات الأثير (لاحظ التغيير الذى طرأ على الهوية والآيدولوجية السودانية فى فترة البرنامج الحضارى لحكومة الإنقاذ: التماثيل والآيات القرآنية فى دوار المرور وطلى أبواب المتاجر باللون الإسلامى الأخضر الفاتح وقطع أشجار اللبخ وزراعة أشجار النخيل والعباءة النسائية السوداء). خلصت الدراسة أن رمزية صور البريد فى السودان و بوركينا فاسو أخذت كل منهما طريقاًًً مختلفاً فى تمثيل الوطن. ركزت طوابع البريد السودانية على تأطير سياسة المركز وهيمنة نخبة الخرطوم وتأكيد الهوية العربية الإسلامية. فى المقابل ركزت طوابع البريد فى بوركينا فاسو على تمجيد الشعب فى صورالحرفيين والفنانين والأدباء واحتفلت بالتعدد العرقى والتنمية. صورت طوابع البريد السودانبة هيمنة نخبة الشمال على السلطة العسكرية والديمقراطية فى الخرطوم، بينما عكست صورطوابع بوكينا فاسو صورة وطن متعدد الأعراق ومبنى على التنمية. خاتمة: لم تُخلد طوابع البريد السودانية على مدى خمسون عاماً بعد الإستقلال أى شخصية من جنوب السودان. وهذه حقيقة مرة تقطع كالسكين فى عقلية النخبة الشمالية بكل أحزابها وأيدلوجياتها وعساكرها الذين لم يرق لهم خيار الإنفصال من النخبة والشعب فى الجنوب على حد سواء. إذا نظرهؤلاء المثقفون للسودان من وجهة نظر مواطن جنوبى يعيش فى أحد هياكل عمارات الخرطوم، عندها قد يروق لهم خيار شعب الجنوب كنتيجة عمل دؤوب وصبور بدأ منذ تسطير الحروف الأولى لهوية السودان التى رمز لها أول طابع بريد سودانى يحمل صورة الجمل والنخيل فى عام 1898م. د. أحمد هاشم، باحث فى كلية الملكة ميرى للطب جامعة لندن وسكرتير مؤسسة كردفان للتنمية [email protected] www.kordofan.co.uk