والحذف من قبح الكيزان... ***. *** *** محمد عبد الله برقاوي.. [email protected] طالعت بالأمس للزميل الأستاذ/ أحمد مصطفي ..جاري في أعمدة ظل الراكوبة المنقولة عن جريدة التيار مقالا أبدي فيه ارتياحه لتحريف الأستاذ/ حسين خوجلي لقصيدة شاعرنا حسين عثمان منصور ..والتي لحنها برعي محمد دفع الله ..وغناها سيد خليفة عليهم جميعا رحمة الله ..وغفرانه.. والواقع كان مقال الأخ احمد فاتحة شهية للحديث عن التدمير الذي طال مكتبة الغناء السوداني بصفة خاصة ضمن ما طالته اياد التنطع من ارفف الآذاعة والتلفزيون في بداية تسلط ( اللحى ) علي الوجدان السوداني الشفيف بتغييب مواد نادرة وثرة سواء علي مستوي الكوميديا والدراما والفنون الشعبية والشعر ..وحتى البرامج الثقافية لم تسلم من عقلية تلك الفترة التي تولى فيها الخال الرئاسي ملكية التلفزيون ..فحكي لي صديق مذيع ان الطيب مصطفي امر بقطع لقطة من برنامج اطفال علمي كانت تصور عملية تناسل وتكاثر الذباب ..باعتبارها مشهدا جنسيا..تصوروا.. ا لمفارقة المضحكة والمبكية علي حال رقابتنا الواعية...والأمثلة كثيرة ربما لا يسع المجال للخوض فيها الان.. ولكن بما ان الشعر هو واحد من ضروب الفنون التي تجهر بما هو همس في ثنايا المجتمات.. السكوت عليه هو اسوأ كثيرا من الافصاح والاعلان عنه..فقد أثار في نفسي تناول الأخ أحمد له شجونا وشئونا..لاسيما وان شعراء العصور الغابرة كانوا هم وزارات الاعلام التي تتناقل الأخبار..وهم دور الوثائق التي تحفظ جانبا من ثقافاتها وحضاراتها.. فالدنيا منذ الأزل قائمة علي التباين ونقائض الأشياء..الضؤ والظلام .. الماء والنار ..الجوع والتخمة..العقل والجنون.. ا لجهل ..والمعرفة..وحتى الايمان والكفر.. ..فكلها شواهد وان تنافرت فانها تكون مكملة لبعضها في نهاية المطاف أو جلها ..مثل السالب والموجب .. ولسنا في حاجة لذكر تكامل ..الأنثي والذكر..فهما آية من الاء الحكمة في الخلق.. وتبعا لما جاء في تبريرات تحريف كلمات الشاعر / حسين عثمان منصور ( ليل ..وخمر وشفاه) فانا اعتقد انه تعدى من الاخ / حسين خوجلي مع سبق الاصرار والتعمد منذ ان علق خلال حلقة له أذكرها وكانت في اوائل التسعينيات بقوله لايصح ان يقال ..يا سقاة الكأس من عهد الرشيد..فهو خليفة ورع ..كان يغزو عاما ويحج عاما..... لابأس.. فأقول لصديقي الشريف.. ولكن يا حسين.. القصيدة هذه لم تؤلف في وصف العهد الجاهلي ولم تفتري الكذب علي حقبة من تاريخ العرب لا يمكن حجبها بعقدة كيزان العصر الذين يعتقدون ان الفضيلة في تغطية المعنى الظاهر...دون التبصر في المدلولات والكنايات.. . يكفي أن الأغنية أجيزت وقتها من قبل لجنة نصوص..أعضاؤها من دهاقنة اللغة والمعرفة العامة بالتاريخ وخباياه.. أمثال الراحلين المقيمين بيننا أبدا الأساتذة المبارك ابراهيم ومحمد صالح فهمي .وابراهيم العبادي وغيرهم ممن يقدرون القيم الاجتماعية ويراعون الذوق ولكنهم لا يخشون من مواجهة المجتمع بما فيه من خير وشر ليدعوا له فرصة التمييز..فالله قد خلق الملائكة مثلما خلق الشياطين وكان من الممكن ان يجعل الكون كله ملائكة..الا ان حكمته في ذلك ان يتولد الصراع في دهاليز العقل البشري ليحسن الاختيار بالمفاضلة بين قطبي الحياة الأخلاقية ..الفضيلة والرذيلة .. اذن الحل ليس في الحجب أو الحذف دائما.. والدليل ان سياسات لجان النصوص قديما كان لها الفضل في تخليد الألاف من عيون الشعر الغنائي السوداني والعربي سواء كان بالعامية أو الفصحي أو حقيبة وكانت تعبر عن ثقافات مراحل مختلفة..والمعالجة لاتأتي بمحاولات جبها من خارطة الوجدان الانساني ولا محاربتها بعصا التشدد من قبل من هم اصلا مفرغون من الجمال ودواخلهم مدلهمة مثلما وجوههم عابسة في حسن الطبيعة ..والروعة ..والابداع.. وأنا رغم يقيني بان الأخ حسين خوجلي يعتبرمن أحسن ابناء جيله وفكره الآسلامي في تلمس مواضع جماليات الفنون .. ولكني اعتقد ان تصرفه في نص ما.. يوقعة تحت طائلة قانون المصنفات والملكية الفكرية بتهمة تحريف الأغنية الخالدة دون وجه حق..وكذلك المغني الذي اداها.. بل وحتي الفضائية التي بثتها..لان الأصول تقول اما أن يغني النص كما كتب واجيز وبعد اسئذان اصحاب الحق الأصيل واما الأخ حسين ليس مضطرا لتقديمه اصلا..ولعله قد حذف معظم الأجزاء التي يري انها مفسدة للأخلاق أو مسيئة للذوق العام أو جارحة للخليفة الرشيد. و بما انني لم اشاهد الحلقة فلست ادري ما الذي تبقي منها.... ولكن حسب معايشتي للنص اعتقد أن الأجزاء المعدلة كانت تقول.. .. مال كأسي ظامئا ابدا وحيد ونديمي قد سري نجما مع الأفق البعيد حطم الكأس وولي وانطفي نجم تلألا وغدت تبكي علي شفتيا اصداء النشيد يا سقاة الكأس من عهد الرشيد ولعله حذف الجزء الذي يقول شعرها ليل تموج صدرها الوثاب هودج شفة عطشى واخرى هي كاس خمرها نار وجمرة ليتني لو ذقتها في العمر مرة و الحقيقة تقول ان شعر العرب في الخمريات أو حتي التغزل في الجواري و الغلمان هو واقع بات محفورا في بطون الكتب وجدران التاريخ لا يمكن محوه أو اغماض العيون عنه..فان الدواوين التي صورت ذلك الزمن لو حجبتها سلطة ما هنا فمن الممكن علي الأيادي ان تطولها ..من اية مكتبة في اركان الدنيا.. فتجد فيها.. شغف ابو نواس للصهباء حينما هل شهر شوال .. فأنشد شوقا لها.. رمضان ولي هاتها يا ساقي.. هاتها مشتاقة تسعي لمشتاق.. ..وحينما افاق الشاعر صباحا وكانت الطشمة رابطة .. وحيث ان ابداع السودانين..المسمي ( أم فتفت ) وقتها لم ينل براءة الأختراع بعد..فلم يكن امامه الا ان يفكها بكأس صباحية اذ قال ..وداوني بالتي كانت هي الداء..والتي ترجمها اخوتنا الأحباش في تعاطيهم مع الحالة ذاتها في عبارة (شوكا بشوك ) أي ان الشوكة تقتلع من القدم بشوكة مثلها.. لا أحد يأ أستاذنا أحمد مصطفي يستطيع ان يمسح سطور بنت مجذوب من اسفار الطيب صالح لان في كل قرية توجد امراة مثلها..شئنا أم أ بينا.. وحتي الشعراء الأسلاميين منذ صدر الاسلام .. انشدوا في توريتهم ..الصوفية .. بانت سعاد وتغزل صوفيونا الحديثون ..في السبحة برمزية ..يا ليلي ليلك جنه .. فهل سألهم الناس من هي سعاد التي هاموا بها أو ليلي التي قضوا معها ليلتهم ..؟؟ أو جلدهم حاكم حدا علي تجرعهم حتي الثمالة فسكرو غرقا في كؤوس الآيمان وتغنوا مترنحين في وصف تلك النشوة..؟! نحن مع الفضيلة..ولكن من منطلق حق الاختيار لا القسر الذي يجعل شبابنا يهربون من فضائيتنا التي لاتعرض مباريات تنس النساء بالتنورات القصيرة مثلا...ظنا منها انها الوحيدة في العالم التي يشاهدها الناس.. فيما أصبحت من قبيل التندر وسيلة لاخافة ابنائنا المغتربين في الخليج والسعودية وحتي ابناء تلك الدول .. حينما يهددهم أهلهم بفتح قناة السودان لهم ان هم لم يذاكروا دروسهم..!! ونحن طبعا مع الشعر الرصين ..ولكن حينما نقرأ ايضا نقيضه لنتبين الغث من السمين.. (فالشعر من نفس الرحمن مقتبس ..والشاعر الفذ بين الناس رحمن ) والله نفسه لم يفرض علي البشر فرضية الاتجاه الواحد ..حتي في الايمان .. فآمن من آمن وكفر من كفر.. وظلت يده وحده سبحانه وتعالى علي مفاتيح الهداية عند بوابات النهى .. فهو الرحمن الرحيم.... المستعان.... و هو من وراء القصد..