شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالفيديو.. بشريات عودة الحياة لطبيعتها في أم درمان.. افتتاح مسجد جديد بأحد أحياء أم در العريقة والمئات من المواطنين يصلون فيه صلاة الجمعة    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منابع النزاع: قضية الأطبّاء مثالاً 4-4
نشر في الراكوبة يوم 17 - 03 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
منابع النزاع: قضية الأطبّاء مثالاً (4من 4)
د. عبدالمنعم عبدالباقى على
[email protected]
الحلقة الأخيرة:`
سنواصل بإذن الله فى هذه الحلقة الأخيرة استعراض أسباب النّزاع وتقييم موقف الأطبّاء النوّاب فى محاولتهم لانتزاع حقوقهم من مُخدِّمهم وزارة الصحّة الاتّحادية.
من الأشياء الأخرى التى جعلت الموقف مستعصياً على الحل هى أنّ لجنة نواب الأطبّاء، فى رأيى، لم توفّق فى تسمية نفسها بلجنة إضراب الأطبّاء، فهى لم تتكوّن لتضرب عن العمل ولا هى سعت له ولكنّها تكوّنت لتطالب بحقوق الأطبّاء واستخدمت سلاح الإضراب كآخر سهم فى جعبتها، وكما قال دكتور الأبوابى أنّ الإضراب ليس غاية ولكنّه وسيلة لنيل حقوق النوّاب. أما كان من الأوفق تسميتها بلجنة حقوق النوّاب مثلاً؟أو لجنة تمثيل النوّاب أو لجنة النوّاب، فالحقوق والتمثيل والنواب لا يزولون ولكن الإضراب حالة عارضة.
لا تتكوّن النقابات للإضراب ولكنّها تتكوّن لرعاية أعضائها وحفظ حقوقهم. وعلى ذكر النّقابات وقانونيّة ما قام به الأطبّاء النوّاب، نودّ أن نشير إلى أنّ كل القوانين السودانية، بما فيها الدستور، لا تذكر حتى كلمة الإضراب ناهيك عن تقنينه قانونيّاً. الدستور يسمح بتكوين النقابات ولكنّه لا يذكر إن كان له حقّ فى الإضراب أم لا.
بل بعض الدول الغربية تحرّم الإضراب على بعض الفئات من بينها الأطبّاء ورجال الشرطة والمطافىء لأنّها خدمات استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها. وقبول النّاس فى السودان بالإضراب هو قبول عرفى انتزعه تاريخ العمل النّقابى فى السودان وليس حقّاً دستوريّاً ويجب للذين يريدون وضع دستور دائم للبلاد بمناقشة وتقنين هذه المادّة المهمّة.
وحتى لو افترضنا شرعيته فللإضراب خطوات منها إعطاء صاحب العمل مهلة كافية لتغطية العجز واللجوء للمحكمة الدستورية لتعليقه أو إلغائه إن تضرّر صاحب العمل أو أنّ الضّرر عام، وأيضاً عدم الدخول فى إضراب طالما أنّ التفاوض مستمر. ويجب على المضربين قراءة الوقائع قراءة صحيحة وتنظيم صفوفهم واستشارة ذوى الرأى من القانونيين وغيرهم. ما لم تتوفّر هذه الشروط فالإضراب يعتبر عصياناً مدنيّاً.
وفى حال إضراب الأطباء فهم قد خرقوا القانون ولكنّهم لم يخرقوا العرف، ولكنّهم خرقوا القانون والعرف بامتناعهم عن تغطية الحوادث. أوّلاً هم ليسوا تنظيماً معترفاً به فى السودان لأنّ لجنتهم ليست مسجّلة، وهم معتبرون كجزء من منظّمات أخرى تمرّدوا عليها وأعلنوا عصيانهم، عندما لم تساند قضيّتهم كما أمِلوا أو تخيّلوا أنّها فى صفّ الحكومة أكثر من صفّهم.
وواقع الأمر أنّنا لا نعيش فراغاً دستوريّاً ولا حكوميّاً، حتى وإن اعتبرنا الدستور معطّل أو لا نتّفق أو نرضى بالحكومة، فأخذ الحقوق بقوّة اليد يؤدّى للثورة أو الفوضى. الدولة الروسيّة منعت النقابات والإضراب بدعوى أنّ الثورة البلشوفية هى مع صنيع العمال ولذا فلا تحتاح لمن يدافع عن حقوق عمّالها باعتبارهم أصحاب العمل. الدستور يسمح بحق التجمّع والتظاهر ولكن بعد أخذ الإذن وهذا لا تختلف فيه دولة عن دولة.
فماذا يتوقّع الأطباء من الحكومة وهم يعارضون وزارتها ويتضرّر من إضرابهم مواطنها وهم يستعينون بأعدائها ولم يأخذوا إذناً؟ هل يظنّون أنّها ستقف مكتوفة الأيدى تتفرّج عليهم وهى تستشعر الخطر على وجودها؟ لا يهم اتّفقنا معها أم لم نتّفق. فإن كان قصد الأطبّاء الثورة فالحكومة لن تسمح لهم وإن كانت القضيّة مطلبيّة فيجب أن تتم من خلال المؤسّسيّة حتى وإن اختلفنا مع طبيعة المؤسسيّة. إذا اعتقد الأطبّاء النوّاب بفشل نقابتهم فى تمثيلهم كان يجب عليهم مواجهتها أو إقناعها لتكوين فرع للأطباء الصغار، كما يحدث فى نقابات عالمية أخرى، أو السعى لسحب الثقة منها والدعوة لانتخابات جديدة وإن لم يتم ذلك فيجب أن تسعى لتسجيل نفسها كمنظمة. وقد كان من الممكن للجنة النوّاب أن تكسو نفسها بإحدى الصفات القانونيّة التى ذكرها قانون نقابات العمال 1992:
\" الهيئة الفرعية \" يقصد بها أي تنظيم نقابي متفرع عن الهيئة النقابية ،
\" الهيئة النقابية \" يقصد بها أي تنظيم نقابي متفرع عن النقابة,
\" الوحدة النقابية \" يقصد بها أي تنظيم نقابي فرعي دون الهيئة الفرعية\"
فقد كان من حق الأطبّاء النوّاب الاتّصاف بواحدة من هذه التفريعات وبالتالى، بما أنّهم أعضاء مسددين لاشتراكاتهم، اللجوء للدار للاجتماع بدلاً من الميز أو المستشفى أو دار التخصّصات الطبيّة.
إذا لم يكفل لهم الدستور حقّ الإضراب فقد كفل لهم حقوقاً أخرى:
الباب الثاني: وثيقة الحقوق
ماهية وثيقة الحقوق:
27 (1) تكون وثيقة الحقوق عهداً بين كافة أهل السودان، وبينهم وبين حكوماتهم على كل مستوى، والتزاماً من جانبهم بأن يحترموا حقوق الإنسان والحريات الأساسية المضمنة في هذا الدستور وأن يعملوا على ترقيتها؛ وتعتبر حجر الأساس للعدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية في السودان.
(2) تحمى الدولة هذه الوثيقة وتعززها وتضمنها وتنفذها.
(3) تعتبر كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءً لا يتجزأ من هذه الوثيقة.
(4) تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة فى هذه الوثيقة ولا تصادرها أو تنتقص منها.
الحياة والكرامة الإنسانية:
28 لكل إنسان حق أصيل في الحياة والكرامة والسلامة الشخصية, ويحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أي إنسان من الحياة تعسفاً.
\"29- لكل شخص الحق في الحرية والأمان، ولا يجوز إخضاع أحد للقبض أو الحبس، ولا يجوز حرمانه من حريته أو تقييدها إلا لأسباب ووفقاً لإجراءات يحددها القانون.
الحُرمة من الرق والسخرة:
30 (1) يحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع أشكاله، ولا يجوز استرقاق أحد أو إخضاعه للسخرة.
(2) لا يجوز إرغام أحد على أداء عمل قسراً إلاّ كعقوبة تترتب على الإدانة بوساطة محكمة مختصة.\"
اللجوء للمحكمة الدستورية كان أنفع من الوساطات فهى ستغيّر القانون إن نجحت وستبقى سابقة تساعد التحوّل الديمقراطى.
إذا سمحت الحكومة بما تمّ، برغم علمها بغير قانونيّته، فإنّها لن تسمح فى المستقبل بذلك وستكون مشغولة الآن لتعد العدّة لمنعه أو تقليل ضرره فى المستقبل وربما أيضاً الانتقام.
فقانون النقابات 1992 يستثنى هذه القطاعات ومن الممكن أن تضمّ الحكومة الأطبّاء، كما فعلت دول أخرى وتجيزها خلال البرلمان الذى لها فيه الأغلبية:
(4- (1) يستثنى من تطبيق أحكام هذا القانون أفراد القوات المسلحة وقوات الشرطة وأي قوة نظامية أخرى .
(2) يستثنى من تطبيق أحكام هذا القانون :
(أ‌) القضاة بالسلطة القضائية ,
(ب) المستشارون القانونيون بديوان النائب العام ،
(ج) أعضاء السلك الدبلوماسي ،
(د‌) الضباط الإداريون,
(ه) أي فئة أخرى يصدر بها قرار من المجلس الوطني الانتقالي)
قبيلة الأطبّاء كغيرها من القبائل قد تعميها العصبيّة عن رؤية الحق أو عن طرق باب الحكمة لحلّ المعضلات وأرى أنّه حان وقت فطامها من طفولتها السياسيّة ولزم مراجعة نفسها لتعرف دورها الحقيقى من خلال تقييم علمى لمكانها فى المجتمع وأن تضع تاريخها فى مكانه الصحيح مع بقيّة كفاح الطبقة المستنيرة التى أرادت خيراً بالوطن والمواطن فأصابت وأخفقت. لم يعد النّاس ثلّة قليلة متعلّمة تقود الوطن ولكن الملايين تعلّموا ووعوا وإن لم يفعلوا أو يتفاعلوا مع قضاياهم وإنّما انفعلوا المرّة تلو الأخرى حتّى جنينا الحصرم.
دور الأطبّاء كنطاسيين يجب أن ينحصر فى مهنتهم لا غير ولكن دورهم كمواطنين فهو متعدّد فهناك الكثير من المنابر التى يمكن أن يمارسوا فيها هذه الأدوار سياسيّة كانت أو رياضيّة أو ثقافيّة أو اجتماعيّة.
السبب الثالث للنزاعات هو الصراع تقديم الأهداف والمنافع الخاصّة على الأهداف والنافع العامّة للمؤسّسة أو الوطن. فالأطبّاء النّواب دافعوا عن حقوقهم الخاصّة وفيها منفعتهم وخاطروا بالمنفعة العامّة وهى ضرر المواطن. وحجّة الأطبّاء النّواب هى أنّ الضّرورات تبيح المحذورات وأنّ فى إنصافهم إنصاف للمواطن الذى سيجد نوعيّة من العلاج أفضل فى مكان عملٍ صحّى من طبيبٍ صحيح ولذا فالنّفع أكثر من الضّرر ولذلك يحلّ لهم ما فعلوا.
ووزارة الصحّة الاتّحاديّة، ممثّلة فى قيادتها، دافعت عن مصلحتها لأنّ القيادة عُيِّنت من قبل الحكومة لتؤدِّى عملاً معيّناً، وعندما تضاربت مصالح القيادة المهنيّة مع مصالح الحكومة، حاولت الإمساك بالعصا من النّصف ولمّا لم تفلح فى حلّ القضيّة انتصرت للحكومة، مقدّمة مصلحتها الذّاتية فى حفظ ماء وجه الحكومة أو الحزبين الحاكمين أو الحفاظ على المنصب، صابّة جام غضبها على الأطبّاء متّهمة لهم بعدم المسئوليّة الأخلاقيّة ونقض المواثيق وتسيس القضيّة.
ولم نسمع انتقاداً واحداً للحكومة، التى تصرف على دستوريها أكثر من 10% من ميزانيّة الدّولة بينما لا يصل ما تصرفه على وزارات التعليم العام والعالى والصحة والتقانة والبحوث هذه النّسبة بينما تصرف على الأمن 70% من الميزانيّة وما تبقّى يذهب لبقيّة الوزارات من زراعة وصناعة وثروة حيوانيّة وعمل ونقل وتجارة وخارجيّة وغيرها. وصفحة الوزارة فى الشبكة العنكبوتيّة مليئة بالدّراسات التى تؤكّد أنّ لا رفعة للخدمات الصحيّة من دون أربع: مال وبشر وتخطيط ونظام.
لقد قدّمت كلّ مجموعة أهدافها ومنافعها الخاصّة على حساب مجموعة غيرها وكلّاً لها معاذير ولكن هل المهم هو شرعية الأهداف والمنافع أم طريقة الحصول عليها؟
حل المشاكل يحتاج إلى مهارات مثل تعريف المشكلة وتفكيكها والنظر إلى العوامل التى تؤدّى إليها أو تؤدّى إلى استمرارها، ثمّ تحتاج إلى مهارات حوارية وتفاوضيّة وتحديد موقع التفاوض وزمنه ومن يستعان به.
والسبب الرابع هو التنازع على مصادر القوّة وهما المال والسلطة. فالأطبّاء يطالبون بتحسين رواتبهم وشروط خدمتهم ولكنّهم يتنازعون السلطة مع نقابتهم ووزارتهم مطالبين بالاعتراف بهم وبلجنتهم كجهة ممثّلة لمجموعتهم وهذا أدّى لتناقض مواقف وزارة الصحّة وتباكى نقابتهم على اللبن المسكوب. فبعد أن اجتمعت معهم الوزارة واتّفقت معهم رفضتهم كجهة رسمية لاحقاً واحتجّت بأن قسم التدريب الموكل بتدريبهم هو الذى اجتمع واتّفق معهم وليست الوزارة!!
وهذا النزاع بين المجموعات من الأسباب التى أدّت لتفاقم المسألة وتعقيدها. ولا أظنّ أنّ القضية ستحل قريباً برغم الوعود والطريقة الجديدة الحكيمة التى انتهجتها القيادة الجديدة لوزارة الصحة الاتّحادية ممثّلة فى وزيرها الدكتور عبدالله تيّة جمعة ووزير دولتها الدكتور لواء حسب الرسول بابكر.
إنّ النوايا الحسنة ليست هى المفقودة ولكن المؤسّسيّة والأجندة الخفية لمن أداروا النزاع ويريدون أن يحفظوا ماء وجوههم. ستكون هناك مقاومة خفيّة كنوع من العنف السالب مثل تأخير العلاوات أو عدم متابعة القرارات أو التحجّج بالاجراءات. لن يكون هنالك تغيير حقيقى ما لم يتم تغيير جذرى، لا تجمّلاً بالمساحيق، وحتى يتغيّر الطاقم الإدارى لوزارة الصحّة ويتم تشكيلها من جديد حسب الكفاءة والإنتاجيّة وحقنها بالموارد العينية والبشرية ذات الكفاءة والخبرة والمهارة والثقة.
من يريد أن يرى صلاحية المؤسسّة ونجاحها ينظر إلى أربعة أجزاء من العملية الانتاجية وهى:
1- جمع المعلومات المهمّة والممكنة.
2- عملية درسها ودراستها وغزلها فى مفاهيم وخطط فعّالة تعتمد على الأولويّات والبراهين العلمية.
3- الناتج من العملية الإنتاجية.
4- أثر الناتج على المتلقّى.
وعندما لا نكون على دراية بالجزء الأوّل وهو كيفية تجميع المعلومات ومصادرها وأنواعها لن نستطيع أن نحكم على صلاحيّتها وهذا ينطبق على الجزء الثانى فعندما لا نعرف ما يجرى فى المصنع أو المطبخ لا نستطيع أن نعرف كيفية الأداء وهل شابه نقص أو خلل ثمّ نأتى للجزء الثالث ويمكن لنا أن نقيّم نوعية المنتج بما عندنا من مقاييس ونحكم على صلاحه أو طلاحه ولكنّه حكم قد يقع فى حبائل الهوى فننظر فى أثره على المقصود بالناتج وهنا لا اختلاف فى الحكم على الأشياء.
وإذا طبّقنا ذلك على وزارة الصحة الاتّحادية فنحن لا نعلم كيف تجمّع المعلومات ومن أين مصدرها ومن يقوم بتجميعها وما هى كفاءته ومدى مقدرته وخبرته وما هى النظرية التى تسترشد بها والمقصود من جمعها وأشياء أخرى.
وكذلك لا نعلم من الذى يمحّصها وكيف يفعل ذلك وأى مقاييس ومعايير يستخدم وما مدى خبرته ومهارته ومن الذى استشير قبل أن يتم طبخها وما هى معايير من اختيار المستشار وما هى الرؤية التى تحكم الفعل ولا المطلوب فعله. هذه كلّها أشياء قد يُعرف بعضها أو يخفى.
وأذكر أنّنى طلبت من وزارة الصحة بعض المعلومات الإحصائية فرُفض طلبى على أن ذلك من أسرار الوزارة وكنت مستشاراً للدكتورة تابيتا بطرس شوكاى فلم استشار فى مسألة واحدة طيلة خمس سنوات وإنّما دعيت لاجتماع المجلس الاستشارى مرتين لأستمع وأعلّق على ما أنتجته الوزارة من خطط وما قامت به من برامج وكنت أظن، ولعلّى مخطئاً، أنّ دور المستشار يأتى قبل أن توضع الخطط وتطبّق.
أمّا إذا ركّزنا على الجزء الثالث من العملية الانتاجيّة فقد تكون الأمور أوضح ولكن ما لا يتّضح هو المبدأ العلمى الذى قامت عليه الخطّة ومكانها فى خارطة طريق الصحّة وأولويّها ولكن لن يختلف اثنان على مردود الخطط والبرامج فهى إمّا أنّها ناجحة أو فاشلة. وإذا قيّمنا حال الصحّة فى السودان فلا نجد نجاحاً يُذكر ولكن نجد مجهوداً كبيراً ونشاطاً عظيماً فى أروقة الوزارة بلا إنتاج يغنى من جوع. فإذا كان هذا المعيار العلمى، الذى لا يخفى على العالم والجاهل، صحيحاً فلا يمكن أن تتوقّع من نفس المجموعة شيئاً آخر.
وعند النزاع ينحو النّاس لتجنّبه بالتّظاهر أنّه غير موجود أو أنّه غير مهم أو لأى أسباب أخرى وعند مواجهتهم ربما يصيرون فى حالة دفاع عن أنفسهم ويحوّلون القضية إلى شىء شخصى.
من الأساليب الأخرى هي الإصرار على أنّ جانب واحد هو الصحيح أو يعمّمون المسألة أو يعطونها من الأسباب ما تحتمل كتحليلها وقراءة أشياء لا توجد فيها أو يتظاهرون بالاستماع ولكنّه لا يسمعون حقّاً أو تصير المسألة شخصيّة فيتنابذون بالألقاب والأسماء أو يلومون بعضهم البعض أو يحاولون أن يستخدموا ذكاءهم ليكسبوا المعركة بكسب عطف الناس أو كسب الحجّة بذلاقة اللسان واستخدام جهل الآخر وعجزه.
ولا يمكن أن يتم حل لنزاع ما لم تتحقّق الأشياء الآتية:
1- إظهار الإحترام للشخص الآخر حتى ولو اختلفت معه فى كلّ شىء (ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم، كذلك زيّنا لكل أمّة عملهم).
2- التركيز على الحل لا على المشكلة.
3- إظهار الرغبة فى التّفاوض واللين وحسن النيّة.
4- إشراك طرف ثالث محايد.
هذه هى الخطوات التى يجب اتّباعها إذا كان الحقّ هو المقصود لا الهوى المُتّبع والمقاصد الأخرى.
سنلخّص فى هذا الجزء الأخير بإذن الله سبحانه وتعالى الدراسات العلمية التى حقّقت فى آثار إضرابات الأطبّاء ولعلّها تكون حافزاً لأطبّائنا لدراسات مماثلة حتى نتعلّم من هذه التجربة ونرى صحّة الافتراضات التى استخدمت كحجّة للإضراب من فسادها.
والمنهج العلمى إرث إسلامى بدأه إبن الهيثم والبيرونى والرازى وغيرهم من علماء المسلمين وبدايته وضع الأسئلة الصحيحة للوصول للأجوبة الصحيحة.
وهذا المنهج النظرى والتجريبى والتحليلى العلمى، الذى حوّل العالم وشكّله حتى صار على ما هو عليه الآن، يساعدنا على فهم المعضلات الغامضة وطبيعة العالم المتحوّلة والمعقّدة حتى نتعلّم قراءة الواقع والاستفادة من تجاربه والتخطيط للمستقبل.
وإذا كان العلم قد خلق من العالم قرية صغيرة وعولمه قبل أكثر من ألف عامٍ بالاجتهاد والجهد العلمى للعلماء المسلمين، وبذا مهّدوا الطريق لعولمة اليوم، فنحن أحقّ بهذا الإرث العلمى والأجدر بنا استخدامه والاستفادة منه قبل غيرنا.
فمثلاً نريد أن نرى كيف تأثّر المرضى بالإضراب؟ وهل نتيجة له تحسّنت الخدمات؟ وهل تحسّن شروط الخدمة والمرتّب كان له مردود إيجابى على المريض؟ وهل ما ردّدته وزارة الصحة الاتّحادية أثناء الإضراب من أنّ الخدمات مغطّاة ولا توجد مشاكل صحيح؟ وهل التغطية كانت عددية أو نوعية؟
إفتراض أن الأمر بديهى ولا يحتاج لدراسة، حتّى وإن كان كذلك، لا يمنع توثيق ذلك من خلال الدراسة العلمية حتّى تعتمد حججنا على الدّليل والبرهان لأنّ بعض الدراسات فى العالم عن نتائج الإضراب أتت بنتائج مختلفة وبعضها متناقض.
الدراسات السابقة فى الأراضى المحتلّة خلصت إلى عدّة نتائج أوّلها أنّ أقسام الطوارىء زاد الضغط عليها بنسبة 20% برغم تجهيز الأطباء لمحطّات علاجية خارج المستشفى لتقليل ضرر الإضراب بينما ظلّت أعداد الدخول للمستشفى من الطوارىء كما هى، بل ونقصت فى بعض الأحيان، وإن زادت الحالات غير الطارئة فى قسم الطوارىء.
ومن طرائف النتائج أنّ الإضراب أثّر على مرضى ضغط الدم من الرجال من الطبقة الغنيّة بينما لم يؤثر على أمثالهم من النساء أو الرجال من الطبقات الفقيرة. هل ذلك يعنى أنّ من بيدهم القرار ينبغى لهم أن يراعوا حال الأطباء حتى لا يضربوا فتسوء حالتهم الصحيّة؟ وأيضاً زادت أعداد النساء اللاتى ولدن بعمليات قيصرية بينما إنّه من المعروف أنّ الولادات الطبيعية تقل بنسبة 1-4% عندما تكون الدايات فى دورة تدريبية أو مؤتمر كأنّ هناك عقداً خفياً بين النساء والقابلات.
وقد كانت معظم أعمار المتردّدين على اقسام الطوارىء ما فوق الخمسين ومعظمهم زار المستشفى فى الصباح. تفسير هذه النتائج كان زيادة زيارة المرضى للمشافى الخاصة أو الأماكن العلاجية البديلة التى أقامها الأطباء أو الحكومة.
وفى دراسة لإضراب الأطباء فى فلندا عام 1984 اتّضح أنّ تردّد المرضى على العيادات الخارجية نقص بنسبة 70% وللطوارىء بنسبة 55% ولم يعوّض القطاع الخاص إلا نسبة ضئيلة. من الأمراض التى قلّ عرضها على الأطباء كانت نزلات البرد وأوجاع البطن والمعروف أنّ أكثر من 60% من هذه الأمراض نفسية حتى أنّ الإنجليز يتندّرون من نزلات البرد التى تصيب الرجال التى يعتبرونها نوع من التهرّب من العمل بينما أثبتت دراسة حديثة صحّة حدوثها.
وقد ثبت أنّ نقص المضادات الحيوية بنسبة 30% أثناء الإضراب لم يؤدِّ إلى ازدياد حالات التهاب الرئة الحاد فى الأطفال ممّا يثبت أنّ المضادات الحيوية متوفّرة بكثرة فى المجتمع ويستطيع المواطن التحصّل عليها بدون وصفة طبية.
وبرغم نقص أعداد المرضى أثناء فترة الإضراب فإن الأعداد زادت عن المعدّل الطبيعى بعد رفع الإضراب مباشرة ممّا يدل على أنّ هناك حاجة صحية لم يتم تغطيتها أثناء الإضراب لم يشأ أصحابها عرضها على الأطباء وربما حاولوا معالجتها بشراء أدوية من الصيدليات أو أخذ نصيحة أصدقاء ومعارف أطبّاء.
بالطبع هذا ينطبق على حال السودان إذ أنّ أعداداً كبيرة من المواطنين تذهب للصيدليات لأنّها لا تملك رسوم الطبيب وأيضاً يعتمد آخرون على معارفهم من الأطباء أو على نصائح الآخرين من المواطنين الذين يظنون أنّ أصدقاءهم يعانون من نفس الأمراض أو على العلاج البلدى.
ولكن دراسة أجريت فى لوس أنجليز فى أمريكا لم تجد أىّ تأثير لإضراب الأطباء على عدد المتردّدين على أقسام الطوارىء أو أىّ زيادة فى عدد الموتى فى أوّل وآخر الإضراب ولكن أسباب الموت اختلفت.
فبينما لم تحدث حالات وفاة فى حالات الجراحة الباردة المؤجّلة زادت نسبة الموت فى مرضى الطوارىء الذين نُقلوا من مستشفى لمستشفى طلباً للعلاج لعدم توفّره فى طوارىء المستشفى المُضرب. وبعض النتائج توحى بأنّ عدد الموتى قلّ حتى أثّر ذلك على خدمات الحانوتيين وكاد أن يؤدى لإفلاسهم وقد استنتج البعض بأن عدم وجود المستشفيات فيه فائدة للناس أى لو تُركوا لإرادة المولى لكانوا أفضل حالاً! الإجابة على هذه النتيجة الغريبة أنّ أعداد المرضى الذين كانوا سيتوفّون، وهم ما بين 50-150 مريضاً من جملة 11000 عملية، من إجراء العمليات التى لم تتم أثناء الإضراب أدّى إلى نقص أعداد الموتى.
اختارت الدراسة تأثير الإضراب على الحالات الجراحية المستعجلة وأخذت عملية الزائدة كمثال ولم تجد تأثيراً يذكر على الحالات فى حالة إضراب النوّاب لا فى عدد العمليات أو الزوائد المنفجرة أو نسبة الزوائد الملتهبة إلى العادية ولكن إضراب أخصائيى التخدير كان له أثر واضح إذ ألغيت كلّ العمليات الجراحية ما عدا المنقذة للحياة.
مثل هذه الدراسات عاملت واقعا مختلفاً عن واقعنا ودرست أنظمة صحيّة مختلفة. فالسودان به من أكثر الأنظمة الصحيّة تعقيداً حيث تقدم الخدمة عدّة جهات لا رابط ولا تنسيق بينها. فمثلاً للحكومة المركزية مؤسسات صحية تتبع لإدارات وقطاعات مختلفة منها وزارات الصحة الاتحادية والولائية والشئون الاجتماعية والقوات المسلحة والشرطة إضافة للقطاعين الخاص والتطوّعى بشروط خدمة مختلفة ممّا قد تؤثر على نتائج الإضراب.
المفاجىء فى الأمر أنّ الإضرابات، فى بلاد أخرى، كان وقعها أشدّ على الأطباء المضربين وعلى الإدارة أكثر من المرضى. والأغرب أنّ تقييم المرضى للإضراب لم يرتبط بالنتائج السالبة على صحّتهم نتيجة له ولكن تشير الدراسات أنّ الاهتمام الزائد الذى يلقاه المريض من الإدارة والأطباء غير المضربين لربما خفّف من أثر الإضراب النفسى عليهم.
وقد كان تقييم المرضى من الطبقات الفقيرة لآثار الإضراب أكثر سلباً من الطبقات الغنيّة، وذلك ربما نتيجة اعتمادهم على خدمات المستشفيات الحكومية لعدم مقدرتهم الماديّة.
هذا يبرهن على أنّ تنوّع الخدمات المقدّمة وأماكنها، والخيارات المتاحة للمرضى تساعد فى الصحة النفسية للإنسان، ولذا فقد اعتبرت من أركان حقوق المرضى.
فهل وجود أكثر من مؤسّسة صحية فى السودان نوع من تنوّع الخيارات للمواطن السودانى أم أنّ الخيارات لا تتوفّر شروطها، برغم كثرة مقدمى الخدمة الصحية، لأن المواطن ليس له مدخل لهذه الخدمات لعدم انتمائه مثلاً للقوات المسلحة والشرطة، أو عدم مقدرته المادية، أو عدم توفر خدمات ذات نوعية عالية أو عدم توفّرها تماماً؟
أرجو أن تكون هذه الأسئلة قد حرّكت شهية بعض النوّاب لإجراء دراسات عن نتيجة إضرابهم الأخير وأثره فى نزاعهم القائم مع وزارة الصحّة الاتّحاديّة وتنويرنا بالحقائق حتى نعى الدرس ونخطط للمستقبل.
ودمتم لأبى سلمى فى رعاية الله وحفظه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.