هناك فرق. الديمقراطية والتذاكر ..! منى أبو زيد مستوى الدخل هو الترمومتر الذي تحتكم إليه الرأسمالية في تصنيف المنتمين إلى الطبقة المتوسطة، والتي يندرج تحتها معظم أصحاب الرواتب، الذين ينقسمون بدورهم إلى طبقة متوسطة، وطبقة متوسطة عليا، بينما تلجأ الاشتراكية إلى عنصر التقييم الأدبي للمهنة في تصنيف الطبقة المتوسطة بتعميم تعريفها على منتجي الخدمات في المجتمع ..! بتعريف دارج أقل حذلقةً وأكثر التصاقاً بواقعنا المحلي، كانت الطبقة المتوسطة في السودان – قبل جماعة المنقذين - هي الطبقة التي تملك حصانة ضد الفقر، وإن كانت لا تملك إلى الادخار سبيلاً، لكن تأثير الزلازل السياسية على أرض الواقع الاقتصادي خلال العقدين الماضيين، خلّف مزالق وانعطافات اجتماعية مقلقة وآخذة في التفاقم..! معلوم جداً أنّ سنوات الإنقاذ الطويل والمستمر، قد أعادت صياغة مفهوم الانتماء إلى الطبقة المتوسطة في السودان، ليس ذلك فحسب، بل ومزّقت ذلك الدرع القماشي الرقيق، الذي كان يحمي أصحاب الدخل المتوسط من مآسي وكوارث أصحاب الدخل البسيط..! أهمّ أسباب حالة البرزخية الطبقية تلك، هو ازدياد حجم طلب الطبقة المتوسطة على السلع الاستهلاكية؛ ليس كنتيجة مباشرة لارتفاع الدخول وبالتالي زيادة المقدرة الشرائية.. كلا، بل لشيوع ثقافة الاستسلام الكامل لشهوة الرغبة في التميّز والظهور، فالنّاس على دين ملوكهم، والمباهاة بالقوة المادية والبوبار بالنفوذ السياسي قناعة راسخة في أدبيات العصبة المنقذة..! فلا قيام مع القدرة في ثقافة المنتمين إلى الخدمة المدنية اليوم، بل نفرة مظهرية متكئة على شيوع ثقافة الأقساط والديون، والمتأمل في أيقونات المعيشة والترفيه لدى متمدني الطبقة المتوسطة عندنا يلحظ امتلاك معظمهم لأجهزة كهربائية وإلكترونية يتم تصنيفها ضمن قائمة (الكماليات) في عرف نظرائهم من متوسطي دخل العالم الأول..! وهكذا.. وبفضل دخول ثقافة التسهيلات المقدمة من الشركات، وقروض البنوك، أصبحت الأقساط بنداً إضافياً يثقل كاهل ربّ الأسرة المتوسطة، ويتمدد الدين على حساب منصرفات حياتية أكثر أولوية وإلحاحاً..! الأمر الذي أنتج ظاهرة الحياة المعيشية المزدوجة، معظم أفراد الطبقة المتوسطة العليا يظهرون في المجتمعات بمظهر الغنى، بينما يعيشون بين جدران بيوتهم أسلوب حياة أقرب إلى الفقر منه إلى الغنى، لتغطية ثقوب الميزانية التي أحدثها البوبار..! أمّا تفشي البطالة في المجتمع فقد أضاف إلى أعباء الطبقة المتوسطة عبئاً خطيراً، فالشباب العاطلون عن العمل، يعتمدون - في حفاظهم على مظهر أبناء الطبقة المتوسطة - على دخول ذويهم، بينما يستمرون في البقاء بلا عمل لأنّ (برستيج) طبقتهم الاجتماعية لا يسمح لهم بالنزول إلى مزاولة أعمال أبناء الطبقة الكادحة..! والنتيجة ديون بنكية متفاقمة.. أموال عظيمة مهدرة على مذبح المظاهر الكاذبة.. سلوكيات وظواهر مجتمعية سالبة تزداد تفاقماً.. مساهمة في زيادة الاحتباس الحراري ومساهمة في تآكل المزيد من طبقة الأوزون ..! ثم مساهمة (سودانير) في ضياع المليارات بسبب نفقات/ تذاكر المظاهر السياسية..! التيار