رحلة مع الألم ..والسبب(طوبة) رفيدة ياسين [email protected] في الرابع من اكتوبر عام 2009 .. كل شيء كان مفاجئاً في ذلك اليوم.. شعرنا أن بيننا والموت ربما ثوانى معدودات او حتى أقل من ذلك..كنا في طريق العودة إلى مدينة جوبا ..مسرعين للحاق بالطائرة التي ستقلنا إلى الخرطوم بعد أن انجزنا مهام العمل..وفجأة..انحدرت السيارة وانقلبت وظلت تتقلب مراراً وتكراراً وكلنا داخلها لم تتوقف إلا بعد اصطدامها بشجرة..خرج الدخان كثيفاً ..والأبواب خيبت كل آمال من حاول فتحها للخروج.. حينها فقط ..أدركنا أنها النهاية وأن السيارة ستحترق بنا جميعاً قبل أن نتمكن من الخروج ، فنطقنا الشهادة ..بعضنا حاول الاستسلام لما جرى له لكن البعض الآخر قاوم تلك الأحاسيس المختلطة من ألم وخوف وهلع وخرجوا عبر زجاج السيارة المهشم غير آبهين لأي جرح آخر يمكن أن يلم بهم ، فخرجوا واحداً تلو الآخر ليساعدوا البقية... الدهشة كانت سيدة الموقف للجميع..يا الهي ..كلنا كان يسأل في صمت ويتمنى ألا يسمتع لإجابة .. هل مات أحد ...؟؟ الزميل مظفر مصور قناة الجزيرة كان أول شخص خرج من السيارة لم يسعف أحد منا بل سيطرت عليه طبيعة عمله فأخذ يصور ما حدث ، لكن الزميل محمد الطيب مراسل الجزيرة والزميل سعد الدين حسن مراسل العربية بدأوا في إخراجنا واحداً تلو الآخر دفع الله مصور العربية ويين ماثيو الناطق الرسمي للحركة الشعبية آنذاك، ومهند المهندس بشركة آيات..لم يبق داخل السيارة سوى (غسان عبد الرحمن الأمين) نائب رئيس قسم الإعلام والعلاقات العامة بآيات للطرق والجسور..لم انس أبداً ذلك المنظر وهم يخرجونه بصعوبة لأن ساقه تعرضت لكسر فظيع ما كان يجمعها ببعضها سوى جلد رقيق أحدهم خلع قميصه ليوقف نزيف الدم الذي ملأ المكان من ساق غسان .. جميعنا تضررنا على المستوى النفسي والبدني إثر ذلك الحادث ، فأنا أصبت بشرخ في الترقوة وفصل في الركبة وتمزق في الرقبة ، أما سعد فأصيب بتمزق حاد في أربطة الرقبة ، وانكسرت فقرتين من رقبة دفع الله.. ..تم إسعافنا حينها إلى مستشفى جوبا نقلنا بعدها لمستشفى ابن خلدون بالخرطوم ثم سافرنا لنكمل علاجنا بالقاهرة وخلال أشهر من العلاج الطبيعي عادت إلينا عافيتنا ..أما غسان فما زال يعاني حتى يومنا هذا في رحلة طويلة بطلها الوحيد هو (الألم ).. كان الشاب الخلوق معنياً بتوثيق وتصوير جميع مراحل المشاريع الضخمة التي قامت بها شركة آيات في الجنوب ، لكنه كان أكثر المتضررين في الحادث فقد تعرض لكسر مركب صاحبه جرح في الساق اليسرى. بدأت مشكلته عندما أجرى عملية جراحية بساقه المصاب وتركيب مثبت خارجي بالخرطوم ، وبعدها بأسبوعين قامت شركته آيات وبإشراف شخصي من مالكها عبد العزيز احمد البشير بإرساله للقاهرة لمواصلة العلاج فوجد الاطباء ان الجرح التهب الامر الذي اضطرهم لإجراء عملية جراحية أخرى لاستئصال ذلك الالتهاب ، ثم قاموا بتركيب مثبت خارجي روسي الصنع، ومكث غسان بالقاهرة قرابة العام عاد بعدها للسودان ، لكن جرحه لم يلتئم طوال تلك الفترة وفشل الاطباء في علاجه ، نصحه البعض بالذهاب لأوروبا ، فتكفلت شركته بنقله مؤخرا لإحدى أفضل المستشفيات الالمانية وهناك كانت المفاجأة.. اخبره الطبيب أنه اصيب بالبكتريا العنقودية وهي تلتقط من غرف العمليات وتقاوم جيمع أنواع المضادات الحيوية ما تسبب في عدم التئام كسره وجرحه طوال ذلك الوقت حتى أصيب بالتهاب حاد بالعظام ولو تأخر أكثر من ذلك لبتروا ساقه ..لكن العناية الالهية كانت إلى جانبه ، وها هو حتى الآن مستمر في العلاج بألمانيا وأجريت له حوالي 14 عملية لإزالة الالتهاب، وما زال موجوداً هناك يكمل علاجه بتكاليف باهظة جداً تكفلت بها إدارة شركته كما لم يتوقف راتبه او حوافزه طوال سنة وسبعة أشهر اي قرابة العامين لتضرب شركة آيات المثل الأعلى فى الوفاء والالتزام بالأخلاق ، أسال الله العافية لغسان والتقدم لآيات..ولا أنسى مداعبته وغيره من زملاء الحادث إذ اتهموني بأنني السبب لأنهم لم يضعوا (طوبة) في العربة بما أنني كنت الفتاة الوحيدة.. لا تنسوا الطوبة فى المرة المقبلة !