دعوة للبيع ..! منى أبو زيد [email protected] السفير الأمريكي الأسبق في الخرطوم \"نورمان أندرسون\" قدم في مذكراته (السودان في أزمة) صورة لعلاقة بلاده بالخرطوم – في عهده – كما كان يراها من داخل الإطار، معرباً عن خيبة أمله الكبيرة – وقتها - في الشعب السوداني الذي لم ينهض للإطاحة بحكومة بلاده ..! المذكرات تندد بتهرب حركة التمرد في الجنوب – في ذلك الحين - من لقاء ببعض الدبلوماسيين الأمريكان، خوفاً من غضب إثيوبيا، وتتهم الإعلام الأمريكي بغض الطرف – مع سبق الإصرار - عن دور حركة التمرد في إعاقة جهود الإغاثة .. وتتهم – في الوقت نفسه - حكومة الخرطوم بالخضوع لابتزاز الجيش والتغاضي عن ما كان يحدث في الجنوب ..! في نهاية الأمر لم تخرج صراحة المذكرات على قاعدة أصولية دولية بات العالم يحفظها عن ظهر قلب، مفادها أن ترحيب الولاياتالمتحدةالأمريكية بحلول الديموقراطية في بلاد ما، أمر مرهون بتحقق ولاء حكومة تلك البلاد للسياسات والمصالح الأمريكية في المنطقة أولاً، ثم الالتفات بعد ذلك إلى مصالح شعبها ..! مذكرات أندرسون وإن كانت لا ترتقي إلى مرتبة الشهادة التاريخية المعتمدة، إلا أنها – كدأب مذكرات سفراء الناس في بلاد الناس - تلقي بعض الضوء على المزاج العام لعلاقة السفارات بالحكومات والشعوب، وإسهامها المتفاوت في توجيه دفة العلاقات الأم ..! هذا ما كان من أمر السياسة، وإن شئت الاقتصاد فهل تريد مثالاً على الدور الذي يلعبه السفراء في هذا الشأن بأبسط الوسائل الممكنة أحياناً ؟! .. السيد نيكولاس كاي سفير بريطانيا – الحالي- بالخرطوم، كتب في مدونته على شبكة الإنترنت الملاحظة اللطيفة التالية (أدهشني كبر حجم الإعراس السودانية، والتي يضم بعضها الكثير من المدعوين، مثل الزفاف الملكي نفسه، إن لم يكن أكثر!)، كان ذلك بمناسبة زواج ولي العهد البريطاني الأمير ويليام الذي لم يتحرج في تناول أدق تفاصيله عندما قال (كانت هناك تكهنات لا نهاية لها في المملكة المتحدة والصحافة الدولية عن تفاصيل حفل الزفاف، التي تشمل كل شيء من فستان الآنسة ميدلتون إلى الموسيقى التي سيتم تشغيلها في كنيسة وستمنستر) ..! قبل أن يساهم من جانبه في الترويج للسياحة في بلاده، عبر شعبية الحدث الاجتماعي الكبير (مزيداً من التفاصيل حول الزفاف متوفرة على الموقع الرسمي هنا)، وهكذا يضغط الزائر على كلمة (هنا) الزرقاء، الكثيفة، فيدخل الموقع الرسمي للزواج الملكي عبر بوابة السيد السفير ..! أما مواطنه وسفير بلاده في أمريكا فقد قال معلقاً على ترويج سفارة بلاده لذات الحدث (إن دوري الأول كسفير هو أن أبيع بلادي)، لا عجب إذن في أمر شائعة اقتصادية – لم أوفق إلى مصدرها الرسمي - تقول أن أكثر من سبعين مليون سائح يزرون بلادهما كل عام ..! سعادة السادة سفراءنا في بلاد الناس، ما أكثر العلاقات التي أثبت اتجاه دفتها أنكم لا تملكون البوصلة .. أفلتوا الدفة رجاء .. ثم، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم .. أين أنتم من بيع بلادكم على طريقة هؤلاء ؟! .. بيعوا واشتروا فينا يرحمكم الله .. هذه دعوة للبيع ..!