تقرير: حسن بركية مع إقتراب الأجل المضروب لإعلان قيام دولة في جنوب السودان في التاسع من يوليو القادم يحتدم الجدل حول العديد من القضايا المعلقة والمرحلة من فترات سابقة ومن هذه القضايا الهامة والتي لم تجد حظها من الحوار العقلاني المنطقي،قضية الأوضاع الاقتصادية في الشمال والجنوب والإفرازات الجديدة المترتبة علي خروج النفط من معادلة ترتيبات نيفاشا وإنتهاء عهد تقاسم البترول بين الشمال والجنوب بتلك النسب التي أقرتها إتفاقية نيفاشا،شمال السودان سيظل مواجها بتحديات أقتصادية كبيرة،خاصة في ظل الحظر الأمريكي المفروض عليه والذي يؤثر بصورة مباشرة علي الإقتصاد الشمالي.وكلما تمني الحكومة السودانية النفس برفع الحظر الأمريكي وضخ العافية في شرايين الإقتصاد السوداني تجد الحكومة نفسها أمام واقع كالح غير قابل للتبدل أو التحول، وكانت وسائل الإعلام قد نقلت حديث مدير وكالة المعونة الأمريكية راجيف شاه الذي بدد كل آمال و أحلام الحكومة السودانية (نفى مدير وكالة المعونة الامريكية راجيف شاه تقديم واشنطون لأي وعود للحكومة في الخرطوم بالبدء في اجراءات رفع العقوبات الاقتصادية علي السودان عقب قبول الخرطوم بنتائج استفتاء جنوب السودان.) وأبدت الخرطوم بالغ سخطها وغضبها علي الموقف الأمريكي وقالت علي لسان الناطق الرسمي بإسم الخارجية: خالد موسى أن ضعف أو انهيار الاقتصاد في شمال السودان سيؤثر تأثيرا سالبا على الجنوب وكذلك العكس، \"وبالتالي كان من باب أولى أن ترفع أميركا العقوبات عن كل السودان. إستمرار الحظر الأمريكي مع التوتر الذي يسيطر علي أجواء الحوار بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وبقراءة للتصريحات التي نسبت من قبل لقيادي بارز في حكومة الجنوب حول تقاسم النفط مع الشمال بعد الإنفصال عندما قال لوكالة رويتر(-ان الجنوب لن يتقاسم مع الشمال عائدات بيع النفط بعد استقلال الجنوب لكنه سيدفع رسوم النقل بخطوط الأنابيب وقد يقدم منحا لمساعدة الخرطوم على التعويض عن العائدات المفقودة)نجد أن الخرطوم موعودة بتحديات إقتصادية كبيرة تهدد الإستقرار السياسي وتدفع البلاد نحو مزيد من التدهور والتردي الشامل. ولمواجهة هذه الأوضاع المعقدة يري عدد من المراقبيين أن الحكومة في الشمال لا تملك خيارات كثيرة والمتوقع أن الشمال سيضطر لزيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة وزيادة الاستدانة من الجمهور ومن المصارف بجانب خفض الإنفاق الحكومي وزيادة الصادرات غير البترولية و على معالجة المسائل المتعلقة بتحديد الآبار والحقول المنتجة للبترول لمنع حدوث النزاع وتسوية حقوق شركات البترول بجانب التوافق على سعر تحصيلي للخام لنقل البترول عبر خط الشمال والنظر في معالجة الديون الخارجية وإعفائها. وفي ظل الأوضاع الماثلة في الواقع الإقتصادي تطرح الكثير من الأسئلة الملحة والضرورية نفسها لمعرفة الحلول والمعالجات التي وضعت لإمتصاص صدمة خروج نفط الجنوب من المعادلة الإقتصادية في شمال السودان ويتنبأ عدد من المراقبين ان إقتصاد شمال السودان سيكون عرضة لتدهور سريع في حالة الإنفصال وذلك بسبب خروج حوالي 70% من النفط أو ما يعادل حوالي15-20%من الناتج المحلي الإجمالي((GDP من المعادلة الإقتصادية فيه، فكما هو معروف فإن معظم آبار النفط تقع في الولاياتالجنوبية. الدكتورة عابدة المهدي الخبيرة الإقتصادية ووزيرة الدولة السابقة بوزارة المالية مثلا رسمت صورة قاتمة للأوضاع الإقتصادية في الشمال بعد الإنفصال، مشددة على أن اعتماد الإقتصاد السوداني المتزايد علي النفط وتسارع نمو قطاعات البترول والخدمات أدي إلى تباطؤ نمو القطاعات غير البترولية وخاصة القطاع الزراعي. الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على الاقتصاد ككل، فنجد أن زيادة الموارد النفطية لم تحل دون اتساع عجز الموازنة العامة وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي من 10%إلي 5،5%. وبحسب عابدة المهدي فإن ذلك المشهد المقلق يزيد من ضرورة التوصل لإتفاق حول الموارد النفطية بين الشمال والجنوب قبل الإنفصال، وهي على أي حال مسألة تقع ضمن مصلحة الطرفين على حد قولها. سيناريوهات مظلمة إذن يرسمها البعض واتهامات ضمنية موجهة إلى حكومة البلاد بسوء إدارة الملف الاقتصادي. إلا ان الدكتور صابر محمد الحسن محافظ البنك المركزي السابق ورغم إقراره بالمصاعب التي تواجه الاقتصاد السوداني بسبب الإلتزامات المترتبة علي توقيع عدد من إتفاقيات السلام مع الحركات المسلحة في الجنوب والغرب والشرق(نيفاشا,إتفاقية الشرق،أبوجا.) أكد على أن أثار الانفصال علي الاقتصاد في الشمال لن تكون كارثية ويمكن معالجتها عبر عدد من السياسات المالية والاقتصادية. فعلى حد قوله فإن البترول المستخرج من الجنوب يشكل حوالي 10% فقط من الناتج القومي الإجمالي. السوداني. ورغم ذلك يبدو صابر متفائلا فيما يتعلق بتعاون الشمال والجنوب في مجال النفط لأن المصلحة مشتركة وفي حال فشل المفاوضات فإن الطرفين خاسرين. بيد أن تفاؤل محافظ البنك المركزي لم يمنعه من التحذير من مغبة عدم حسم مشكلة ديون السودان الخارجية، ذاهبا إلى حد التنبأ باندلاع حرب جديدة في حال لم يتم حسم هذه المسألة بشكل جذري. ويذكر أن ديون السودان الخارجية ستصل بحلول عام 2011م إلي 39 مليار دولار، وبافتراض أن عدد سكان الجنوب يساوي 20% من جملة عدد سكان السودان البالغ 40مليون نسمة حسب آخر تعداد سكاني أجري في البلاد فإن الجنوب سيتحمل 20% من عبء الديون الخارجية فسيقع علي كاهل الشمال مايساوي 30-31 مليار دولار تقريبا في فترة مابعد الإستفتاء. يقول الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي ورئيس الوزراء الأسبق الاثر الاقتصادي للإنفصال سيستمر لمدة اطول وان أثره سيكون أكبر من تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية علي البلاد.ويمضي الدكتور حسن بشير محمد نور أستاذ الاقتصاد في الخط المتشائم بمستقبل الاقتصاد في الشمال بعد الإنفصال ويقول الذي يحدث الان يعبر عن العجز والخوف من المصير المجهول وعن دخول الدولة السودانية في متاهة لا تعرف كيف تخرج منها. لذلك يسود التخبط في السياسات الاقتصادية العامة في شقيها النقدي والمالي.