فيما اقترب العد التنازلي لإجراء استفتاء جنوب السودان؛ تصاعدت حدة الاحتمالات السيئة للاقتصاد السوداني بوتيرة متسارعة بدايةً من مطلع العام الجاري؛ حيث رسم اقتصاديون صورة قاتمة للمالية العامة حال انفصال، وعزز ذلك اتجاه بنك السودان لتطبيق خطة تقشفية، إضافةً للإجراءات الخاصة بخفض فاتورة الاستيراد وترشيد الإنفاق الحكومي التي اتخذتها وزارة المالية مؤخرا. غير أنه ولأول مرة يخرج فيها محافظ البنك المركزي من نطاق تقديراته السابقة للاقتصاد ببث توقعات مطمئنة استبعد فيها أي تأثيرات سلبية للانفصال واتفق معه عدد من المختصين الذين أكدوا أن السودان تمكن خلال العشر سنوات الماضية من مضاعفة حجم الناتج الإجمالي المحلى خمس مرات ليصل الى (54) مليار دولار مقارنة ب(10) مليارات دولار رغم الحصار الأمريكي وتراكم ديون الخارجية والحروب الأهلية. وقدر البنك المركزي أن فاقد الموازنة العامة بخروج إيرادات البترول لن يتجاوز ال(20%)، فيما أعلن فى وقت سابق أنها 75% ونوه الى أن هذه النسبة مقدور على تعويض (10 30%) منها باتفاق تعاوني مع الجنوب. وقال محافظ البنك المركزي الدكتور صابر محمد الحسن فى تعقيبه على ورقة (التحديات الاقتصادية لمرحلة ما بعد الاستفتاء) التى قدمتها الخبيرة الاقتصادية وزيرة الدولة السابقة بوزارة المالية والاقتصاد، عابدة المهدي، بمركز مأمون بحيرى للدراسات والبحوث الاقتصادية بأفريقيا، قال إن نصيب الشمال حاليا من البترول يساوي 25% واعترف بأن تأثيرات الانفصال سالبة لكنها غير معقدة ومعالجتها (ما ساهلة) لكنها ليست مستحيلة والمطلوب التحضير المبكر وتوافر الإرادة السياسية. وحذرت الدكتورة عابدة من التحديات الماثلة التى تواجه الحكومة وذكرت منها تصاعد الدين الخارجي واقتراض الحكومة من الجمهور عن طريق إصدار السندات والتكلفة العالية للاقتراض المحلي التي ساهمت فى توسيع عجز الموازنة، وقالت: ظل الاقتراض الخارجي للحكومة في حالة ازدياد خلال السنوات الأخيرة متمشيا مع توسع حجم العجز فى موازنتها، مشيرةً الى انه تم التعاقد على (7) مليارات دولار من القروض فى الفترة 20002005م وعلى (906) مليون دولار في 2008م وتم التعاقد على مليار في العام الماضي وأُجيزت موازنة العام الماضي على أن يمول 70%من العجز من خلال الاستدانة الخارجية مع التعاقد على ما يقدر بحوالي ملياريْ جنيه وبنهاية العام الماضي تم تقدير الحجم الكلي للديون العامة والديون التي تضمنها الحكومة ب(35,7) بليون دولار تمثل 81% منها متأخرات، وشددت على أنه من الضروري التوصل لاتفاق حول النفط لكي يستخدم كأداة لاتفاق عملي في مجال التعاون الاقتصادي ومن مصلحة الطرفين، الشمال والجنوب، أن يصلا لاتفاقية حول النفط، وتساءلت ما مصلحة جنوب السودان في التوصل الى اتفاق حول النفط؟ ولتشير بعدها الى نقاط مهمة قائلة في حال الانفصال فسيكون الجنوب بلدا غير ساحلي وسيكون معتمدا اعتمادا تاما على عائداته النفطية التي تشكل حوالي 98% من الإيرادات الحكومية، والخبرات الإدارية فى مجال النفط مازالت تتمركز في الشمال وأن الجدوى الاقتصادية من بناء خط أنابيب متصل بميناء ممباسا فى كينيا سيظل موضع تساؤل، وإنشاء مصفاة صغيرة في الجنوب سوف يفي بتغطية الطلب المحلي وجزء من الطلب الإقليمي غير أن البنيات الأساسية الموجودة في الشمال تظل أكثر الخيارات المتوفرة للتصدير فى فترة ما بعد الانفصال. واستعرضت الدكتورة عابدة المعالم الرئيسة للاتفاق المحتمل حول النفط ومن بينها سيدفع الجنوب للشمال نسبة من إنتاجه النفطي ويستمر الجنوب في تصدير نفطه عبر خط الأنابيب الممتد من حقوله الواقعة في جنوب البلاد الى ميناء بورتسودان، وألمحت الى أنه يجري التحليل والتفاوض حول النسب من قبل خبراء أجانب بالتشاور مع الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني من خلف أبواب مغلقة وبالاستقراء من بعض الآراء فى هذا الشأن قد يكون من الملائم وضع تقدير فى حدود 10% من إنتاج الجنوب النفطي يخصص للشمال مقابل خدمات النقل والتقنية، وأضافت بالرغم من توقع الوصول الى اتفاق قسمة الموارد النفطية إلا أن الآثار السلبية على الإيرادات العامة والصادرات النفطية لشمال البلاد ستكون ضخمة وتؤثر على كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى بصورة مضاعفة (الزراعة والتصنيع والخدمات) وتقديرات التدني في الناتج المحلي الإجمالي ستصل الى حوالي 1520% بالإضافة الى استقطاع الدفعيات لشركات البترول المتعلقة بقسمة الأرباح، تقدر ب40% من قيمة الصادرات البترولية وانخفاض 8090% في إيرادات النقد الأجنبي من الصادرات البترولية، وقالت إن التأثير الخارجي للانفصال مماثل للأزمة المالية العالمية حيث سيكون هنالك اتساع فى عجز ميزان المدفوعات وسيؤدي الى بيئة سياسية اقتصادية محفوفة بالمخاطر وغير مواتية لجذب الاستثمارات الأجنبية وانخفاض فى الموارد النفطية المتاحة للصادر والاستهلاك المحلي الذي سيتجاوز بالشمال الإنتاج مما يضطره الى استيراد حاجياته بالإضافة لزيادة الطلب على النقد الأجنبي، وقالت هنالك متسع من الوقت للسلطات للاستعداد لمواجهة هذه الصدمة، وأشارت الى تدابير يمكن اتخاذها باتباع سياسة لسعر الصرف أكثر مرونة ضمن حزمة من الإصلاحات الهيكلية التي تشمل النقدية والمؤسسية والمالية، وقالت إن 70% من الإنفاق الحكومي لا يتسم بالمرونة لكونه موجّه للمصروفات العسكرية والأمنية والتحويلات للولايات، وأوضحت أن ترشيد الإنفاق العام يتطلب إعادة هيكلة الصرف الحكومي وتخفيض المصروفات الفعلية الضخمة المخصصة للأجهزة الأمنية والعسكرية وإيجاد الحلول لمشاكل البلاد السياسية وزوال خطر الحروب الأهلية. واستبعد وزير الدولة السابق بوزارة المالية د. عز الدين إبراهيم حسن حدوث أية أزمة، وقال إن الأزمة حدثت فى بداية تطبيق اتفاقية نيفاشا بموجب تنازل الحكومة عن 50% من إيرادات النفط للجنوب بالإضافة الى تأثير الأزمة المالية العالمية حيث لم تحدث أية كارثة، كما أن نصيب البترول لم يكن 95% وإنما هنالك نصيب للشركات والشمال يحصل على 6.6% وقال فى العام المقبل ستشكل إيرادات الشمال والجنوب (4) مليارات دولار وإذا حدث الانفصال سيكون 2.2 مليار للشمال و(1.8) مليار دولار للجنوب، وذكر إيجابيات للانفصال بتضاعف الناتج المحلى الإجمالى وارتفاع متوسط دخل الفرد وزيادة مؤشرات التنمية البشرية. فيما خالفه فى الرأي معقبه وزير المالية السابق د. سيد علي زكي بأن الشمال موقفه أصعب من الجنوب إذا أخذ فى الحسبان عدد السكان بحيث يكون فى الشمال (33) مليون نسمة بينما فى الجنوب (4) ملايين نسمة، وانتقد الاعتماد على لجوء الجنوب الى تصدير نفطه عبر الشمال لوجود دول لها مقدرات تكنولوجية يمكن أن تساعدهم. ومن جانبه أمّن د. صابر محمد الحسن على ما جاء بالورقة، وقال إن الإجرءات التى اتخذها المركزي لمواجهة الأزمة المالية العالمية مؤقتة واستثنائية واستطاع السودان أن يخرج بتكاليف معقولة، وأشار الى أنه لأول مرة منذ عشر سنوات تأتي موازنة 2011م أقل توسعة وإنفاقا، وقال إنه فكر غير عملي إذا خفضنا الإنفاق الجاري بنسبة 50% ملوحا الى الاتجاه نحو زيادة الضرائب التي تتحصل بنسبة 6% مقارنة مع الدول الأخرى حيث تصل بين 1720% وقال نحن فى حاجة لإصلاح ضريبي، وأضاف: لو تم اقتسام النفط بالتعاون بيننا فسيكون نصيب الشمال يتراوح بين (1030%).