في أنسنة الصحابة ..! منى أبو زيد [email protected] اعتذر الأستاذ جهاد الخازن عن رأيه في دولة الخلافة، لم يترك الباب موارباً كما كان - وظل باقياً أبداً في هذا الشأن - بل أحكم إغلاقه، وقد قلنا بالأمس أننا قد تمنينا ألا يفعل، حباً في صحابتنا الكرام، وخشية على الإسلام من شرور القداسة والتأليه التي ما أنزل الله بها من سلطان ..! لماذا أنكر المنكرون على الرجل حديثه إلى عامة الناس في شأن ظل الخاصة يتداولونه بينهم عبر القرون وعلى سبيل التخصيص؟! .. لأن ذلك يعني خروج مقاليد بعض الأحكام من أيدي علماء وفقهاء تجنبوا الخوض فيها بنية المحافظة على نقاء الدين، فميزوا بين العامة (كلنا، أنت وهو وهي وأنا)، والخاصة (العلماء وطلبة العلم) فيما يجب/ أو يحق لكل منهم معرفته من أمور هذا الدين ..! ومثل بعض ما ورد في ذلك المقال الذي كتبه الأستاذ جهاد الخازن يجعلهم يفقدون السيطرة على منهجية علمية/فقهية/محققة/حذرة/متشككة/ ظلت طوال أربعة عشر قرناً من الزمان تقرر وترسم حدود معرفة العامة ببعض الخاص ..! العجيب أن كل ما قاله الأستاذ جهاد مبذول - بطريقة أو بأخرى - في الأضابير، ابن قتيبة والطبري يسردان في بعضها مواقف متباينة حول بعض الأزمات والفتن بين الصحابة، مثل حادثة خروج الإمام الحسين التي وافقه بعض العلماء والفقهاء في المبدأ والغاية منها، لكنهم خالفوه في الحسابات السياسية، واعتبارات ميزان القوى، منهم سعيد ابن المسيب الذي أعلنها صريحة (ليت حسيناً لم يخرج لمعاوية) ..! ومن أصحاب الآراء الإمام البخاري الذي حكَّم المنهجية العلمية في موقفه من رواة الحديث الخوارج رغم مآخذه عليهم، والتي منها قتل علي بن أبي طالب، لكنه مع ذلك أخذ عنهم ما انطبقت عليه شروطهم من الحديث .. بل أن بعض المؤرخين - أمثال نفطوية - أوغلوا فقالوا إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل بعض الصحابة افتعلت في أيّام بني أميّة تقرّباً إليهم، لكننا إذا نظرنا إلى مواقف رسولنا الكريم نجد أنه لم يكن راضياً عن قتل خالد بن الوليد بني جذيمة، وغضب عندما جاءه أسامة بن زيد شفيعاً للمرأة الشريفة التي سرقت، فقال مخاطباً إياه (ويلك أتشفع في حد من حدود الله) ..! إذا قال لك أحدهم إن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ليس المقصود بسبب نزول سورة عبس، وإنّما المقصود بها أحد كبار الصحابة الذي عاتبه الله على عدم تحري اللطف في معاملة الأعمى الفقير فهل تقبل بهذا التفسير الذي يزيح عبء العتب الرباني عن كاهل سيد الخلق أجمعين؟! .. كلا بالطبع ستقول إنها نزلت في شأن رسولنا الكريم مع ابن أم مكتوم، لأنك تعلم أنه بشر، وهو المعصوم ..! وقد تحدث سيد قطب عن ملاحظات بعض الصحابة على مواقف لسيدنا عثمان في تصريف الخلافة، وعن هذا يقول جمال البنا (إن الصحابة ليسوا ملائكة وليست لهم عصمة أو قدسية، ولا حرج من نقدهم في أفعالهم لأن الرجال هم الذين يصنعون المواقف وليس العكس، فلابد من معرفة الحقائق لأن الحقيقة أكبر من كل الاعتبارات) ..! لقد سقط مقال الأستاذ الخازن في بركة النزعة العاطفية المتشددة . ولئن كان بعض أولئك المتشددين في الخليج قد وضعوا حجر الأساس للإرهاب العقائدي والتطرف الديني، فإن من قومنا من أسسوا - بذات القدر من الإرهاب الفكري - لقداسة بعض الرموز التي جمعت بين الزعامة الطائفية والقيادة السياسية، فأعاقوا بذلك - وكم أعاقوا! - تطور الحراك السياسي القائم على أساس موضوعية النقد ..! منى أبو زيد [email protected]