هل ستمر رياح التغيير من هنا ؟؟؟ عمر موسي عمر [email protected] من آيات عظمة الله سبحانه وتعالي و ناموسه في تدبير الكون قدرته علي نزع أمر الملك في الأرض ممن يشاء وحين أوان النزع لا يسعف الظالمين ما نمقوا من العبارات علي شاكلة : \" قررنا أن نتخلي عن السلطة \" لأن الطوفان الذي يجتاح بالمشيئة الإلهية لا يمنح من طاله النزع القدرة علي التخيير أو التوقيت وربما لن يمنحه حتي فرصة إطلاق ساقيه للريح طلباً للنجاة . الطغاة والمتجبرين في الأرض إخوة نيرون والحجاج وقراقوش تعاني عقولهم من التبلد شأنهم شأن سلالة \" لامبروزو\" كما درسنا في علم الإجرام ويظنون أنهم يخدعون شعوبهم وما أن تهب عليهم أعاصير التغيير من حيث لا يدرون أو يحتسبون حتي يصيبهم الهلع وتبدأ عقولهم بالإفاقة من غيبوبة التجبر والطغيان ويلبسون عباءة الزهد والتقوي ويدعون التوبة من ما أفسد حكمهم في حياة الناس وتنهال علي الثائرين تدابير الإصلاح ومقترحات الإستقامة ..وهم يعلمون أن ذلك التدبير يأتي بعد فوات الأوان ويكون وسيلتهم لكسب الزمن لإستيعاب مايجري حولهم .ثم تبدأ آلة القمع في الدوران وحصد الأرواح. رياح الثورات العربية أو الربيع العربي كما أصطلح علي تسميته والتي تجتاح الأمة العربية من المحيط إلي الخليج هي سنة الحياة في التغيير وقد أخطأت تلك الرياح أن تعرج بهذا الوطن الجريح وظلت العصبة الحاكمة تنشب مخالبها في نظام الحكم رغم أن ذات النظام وبمعيار الفساد والقمع والطغيان هو أكثر الأنظمة العربية طغياناً وفساداً وتجبراً وأكثر المرشحين لتلك الرياح بعد أن تفنن في أدوات القمع وتكميم الأفواه وإستباحة الدماء وإزهاق الأرواح وإنتهاك الأعراض لايردعه خشية من الله ولا وازع من ضمير . الدكتور نافع وفي لقاء تلفزيوني سابق مع قناة الجزيرة سألته مقدمة الحوار عن أسباب إحتلال الجيش السوداني لمدينة أبيي رغم وجود إتفاقية سلام وقعتها الحكومة مع الحركة الشعبية وعما إذا كان ذلك الإحتلال يهدف إلي إلهاء الشعب السوداني عن التفاعل مع ذلك الربيع العربي فأجاب نافع لافض فوه :\" إن الشعب السوداني يعيش في ربيع دائم لأكثر من عشرين عاماً \" وأن الثورات التي تجتاح البلاد العربية \" من تأثير الربيع الذي يعيشه الشعب السوداني \" علي حد تعبيره .. إستوقفني هذا التعبير اللغوي الساذج وتمضي في خاطري وتنداح المصائب الفادحة التي أصابت هذا الوطن من تحت هذه العصبة الحاكمة فتعجبت عن أي ربيع يتحدث هذا النافع ؟؟ ومن يخدع ؟؟ إحصائية ثابتة لا يتطرق إليها الشك ولا تتساور إليها الظنون تؤكد أن أكثر من تسعة ملايين مواطن من الشعب السوداني هاجروا في فجاج الأرض منذ بداية هذه الثورة المأساة هرباً من هذا النظام وإرتضوا ذل التغرب عن الأوطان من أجل حياة كريمة لهم ولأبنائهم وكانوا أكثر الرابحين رغم غربتهم وظني أنهم لن يعودوا إلا بفناء هذا النظام وإندثاره . رئيس الدولة وقائد سفينة الإخفاق وأس الفساد في هذه الدولة صرح في لقائه مع ما يسمي مجلس الشوري في حزبه الحاكم في الأسبوع الماضي عن حزمة من القرارات الإقتصادية والقانونية والسياسية لتخفيف الصدمة التي ستنتج من إنفصال دولة السودان الجنوبي في التاسع من الشهر القادم ومن هذه الإجراءات دستور جديد ودولة ذات قاعدة عريضة وتوسيع مواعين الضرائب وترشيد الإنفاق الحكومي وترك لوالي ولاية الخرطوم تفسير الإجراءات الإقتصادية والتي أوضح أنها تشمل رفع الدعم عن بعض السلع ومنها المحروقات ووقف إستيراد بعض السلع غير الضرورية وذلك لمجابهة النقص الحاد في العملة الأجنبية والتي سيتوقف ضخها في الخزانة العامة بعد إستلام الدولة الجديدة لآبار وحقول النفط . لا يخفي علي أحد أن هذه الإجراءات التقشفية لن تطال إلا حياة المواطن المسحوق أصلاً لأن رفع الدعم عن السلع يعني أن تلهب سياط الأسعار ظهور الشعب السوداني وتزداد معاناته وتزداد العصبة الحاكمة غنيً وهي في معزل عن هذه السياسات لأنهم يسكنون قصورهم ويركبون عرباتهم الحكومية ويتكفل المواطن بتوفير الوقود لعرباتهم بدفعه عن يدٍ وهو صاغر الضرائب والرسوم والجبايات ولا يملك هذا المواطن إلا الشعور بالغيرة من أبناء الأقاليم الجنوبية الذين أثبتت الوقائع أنهم أكثر الرابحين من هذا النظام بعد مشاركتهم في الحكم لست سنوات وعودتهم لأوطانهم بدولة وليدة تضخ حقولها ذهباً أسوداً وتحررهم من قبضة النظام الإسلاموي في الشمال وإنعتاقهم من خطله وترهاته وإدمانهم لفرض الضرائب والأتاوات لتذهب إلي جيوبهم بلا حياء أو وازعٍ ديني. هذا النظام قتل وأزهق أرواحاً أكثر من كل الأنظمة العربية مجتمعة وظهر فساد الدولة في نظام الحكم حتي أبت دراهم الفساد إلا أن تطل برأسها وزاد من إخفاق هذه الدولة أنها عجزت ولأكثر من عشرين عاماً أن تتقدم بالبلاد ولو خطوة في سبيل تنمية إقتصاد الدولة وتضاعفت ديونها عشرات المرات لتبلغ قرابة الأربعين ملياراً من الدولارات كأكثر دولة أفريقية تثقلها الديون وما يثير الإستغراب والتعجب كيف بدولة تنتج البترول والذهب وتصدر الثروة الحيوانية والزراعية ويعيش 90% من شعبها فقيراً ومسكيناً لايجد قوت يومه ولاعامه ؟؟ فلماذا لم تمر رياح التغيير لإقتلاع هذا النظام من جذوره ؟؟ ولماذا أحجم الربيع العربي نسماته عن هذا الوطن المكلوم ؟؟ في تصوري أن الشعب السوداني يملك وحده الإجابة علي هذه التساؤلات وإستباقاً لتلك الأجوبة علي العصبة الحاكمة أن تعي إن كان فيهم رجلاً رشيداً وفرداً حكيماً أن أدوات التغيير في الدولة تجد أرضاً خصبة للنمو ويشتد عودها والشعب الذي كان أول الشعوب العربية صناعة للتغيير في ثورة أكتوبر المجيدة وثورة رجب المباركة لا تنقصه الخبرة في التعامل مع الأنظمة الديكتاتورية وأن رياح التغيير التي مرت من هنا لا يوجد ما يمنعها من العودة لتهب نسيماً ربيعياً بارداً تعشقه الأرواح وتهوي إليه النفوس وعلي النظام أن يدرك أن دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلي قيام الساعة . عمر موسي عمر - المحامي