إليكم الطاهر ساتي [email protected] النائب والوالي .. حديثهما لسان حال الواقع..!! ** ذات يوم، وهو يطوف بسوق حمص، ليتفقد الباعة وليعرف أسعار السلع، قام إليه أحدهم مناديا : يا أمير المؤمنين لقد أتيك مظلوما من مكان بعيد، ضيعة لي وثب عليها رجل ممن يلوذون بك وإنتزعها مني..فسأله عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : أين أهلك ؟..فأجاب الإعرابي : في عدن..فكتب إلى والي عدن نصا : أما بعد، فإذا جاءك كتابي هذا فأسمع بينة حامله، فان ثبت له الحق، فادفع اليه حقه..ثم ناوله للإعرابي، فلما هم بالإنصرف ناداه : على رسلك، إنك أتيت من بلد بعيد، ولاريب أنك إستنفدت في رحلتك زادا كثيرا، وأخلقت ثيابا جديدة، ولعله نفقت لك دابة..ثم حسب ذلك كله، فبلغ أحد عشر دينارا، فدفعها إلى الإعرابي ناصحا : ( إشع ذلك في الناس حتى لايتثاقل مظلوم عن رفع ظلامته بعد اليوم مهما كان بعيد الدار)..هكذا كان عدل عمر، وفي النموذج هذا لم يناصر الإعرابي المظلوم ضد النافذ الفاسد الموالي له فحسب، بل بحث عن آخرين يتثاقلون عن رفع تظلماتهم..ولهذا وغيره، رافق الذئب الغنم في المراعي في عهد الخليفة العادل عمر، كما تقول كتب التاريخ ..!! ** المهم ..حديث لنائب الرئيس وآخر لوالي الخرطوم، نأمل أن تقف عندهما الصحف والناس كثيرا..و حديثهما قيلا يوم الأثنين الفائت بقاعة الصداقة بمناسبة دورة الإنعقاد الثالثة لمجلس تشريعي الخرطوم .. حديث النائب يختلف شكلا عن حديث الوالي، ولكن جوهر حديث النائب يفسره جوهر حديث الوالي..ولفك طلاسم هذه المقدمة، نعرض حديث النائب أولا، حيث يقول نصا : ( الحكومة عازمة على بسط العدل والقانون، والقضاء على كل أشكال الظلم والفساد )..وعليه، لم يتم بسط العدل والقانون كما يجب، ولم يتم القضاء على الظلم والفساد كما يجب، والحكومة عازمة - ربما من الأثنين الفائت أو من التاسع من يوليو القادم - على بسط العدل والقانون ثم القضاء على كل أشكال الظلم والفساد كما يجب، أوهكذا تفسير إعتراف النائب..!! ** ثم ..في ذات المناسبة، وقبل ثوان من حديث النائب، تحدث والي الخرطوم قائلا بالنص : ( إرتفع الطلب على تصاديق السلاح بولاية الخرطوم من (350 تصريحا) قبل صدور قرار قانون تنظيم السلاح، إلى (10233 تصريحا) عقب صدور القرار)..هكذا تحدث الوالي حديثا شكله يوحي إلى إحترام الناس لقانون تنظيم السلاح، ولكن جوهره يشير بوضوح لا لبس فيه إلى إقبال الناس على إقتناء السلاح بذات قوة إقبالهم على شراء وتخزين أية سلعة مدعومة أوقالت شائعة بأنها سوف تكون معدومة.. إقبال الناس على إقتناء السلاح - قبل قانون التنظيم أو بعده، وبالقانون أو بغيره - ليس بدليل عافية .. وما لم يكن المناخ يستدعي بأن يحرس المرء نفسه وماله وعرضه بسلاحه وليس بقانون الدولة وعدل أجهزتها، لما تدافع أفراد المجتمع - بالآلاف الواردة أعلاها - على نوافذ ومنافذ تصاديق السلاح.. وهنا يجب أن يسأل كل ولي أمر نفسه ثم نهجه الذي يحكم به : لماذا إرتفع طلب الناس على تصاديق السلاح..؟ ** إجابة ذاك السؤال تتجلى في متن حديث النائب، ولكن أكثركم - يا ولاة الامر - ستدفنون رؤوسكم في الرمال، لكي لاترى أعينكم تلك الإجابة الواضحة والمؤلمة كما هجير شمس الظهيرة..عدم بسط العدل والقانون بين الناس، يبسط السلاح بين أيديهم..عدم القضاء على الظلم والفساد، يبسط التوجس في المجتمع، بحيث لاينام الفرد فيه إلا متوسدا سلاحه ..وما لم يبسط العدل والقانون، بحيث يقضي على كل أشكال الظلم والفساد، لن ينحسر مد تصاديق السلاح، بل لن ينحسر مد السلاح غير المصدق به أيضا..ببسط العدل والقانون - ثم بمكافحة كل أشكال الظلم والفساد - إحتكرت أجهزة ومؤسسات الأنظمة الراشدة السلاح، ولكن هنا كل شئ محتكر لأجهزة ومؤسسات الدولة عدا السلاح، بحيث صار - بالقانون أو بغيره - في أيدي الجماعات والأفراد..من لم يهاجم به نفسا، يدافع به عن نفسه.. فمالذي يدفع أحدهما إلى الهجوم به والآخر إلى الدفاع به.؟؟.. الإجابة هي : عدم بسط العدل، أي ترسيخ الظلم..نعم غياب العدل - أو تغييبه - هو الذي يجعل كل فرد في المجتمع قانونا يمشي على الأرض بقوة سلاحه القانوني أو غير القانوني، وهذا ما يعرف ب ( قانون الغابة )..وهو الساري حاليا، بأمر نهجكم ..!! ................. نقلا عن السوداني