تتفاقم يوما بعد آخر الأزمة السودانية. تصدعت أركان الدولة السودانية الحديثة التي عرفتها الجغرافيا السياسية للمنطقة منذ أمد غير قصير باختيار جنوبه أن يكون دولة مستقلة، ولا يوجد ما يحول، مع بقاء النظام الحالي وسياساته، دون أن تحذو مناطق أخرى من الوطن حذو الجنوب في اختياره الانفصال وإقامة دولته المستقلة. وفي هذه الأثناء، يستمر النظام في ممارساته القمعية في التعامل مع الرأي الآخر، فيستعر، نتيجة لذلك، أوار الحرب في دارفور ونُذر الحرب في جنوب كردفان دون أدنى اكتراث بالتكلفة الإنسانية الفادحة لأهوال الحرب، مع مواصلة النظام ممارساته القمعية ضد كافة أشكال العمل الجماهيري السلمي المعارض. وفي الوقت نفسه، تتفاقم الضائقة المعيشية وتزداد معاناة المواطنين في البحث عن لقمة العيش الكريمة في ظل استشراء الفساد بين نُخب السلطة ومحسوبيها، كما تزداد أكثر فأكثر معدلات الفقر والعطالة بين أفراد الشعب وخصوصا بين الشباب – هل ثمة مُوجب لبقاء هذا النظام؟ لقد طوّر النظام الحاكم طوال عقدين من الزمن إستراتيجية لحمتها وسداها بقائه في السلطة صرف النظر عن ما يجره ذلك التشبث بالسلطة من تفتيت لوحدة الوطن وتطوره وتقدمه. يعبر نظام الجبهة القومية الإسلامية، بلا شك، عن أقلية مؤثرة في السياسة والاقتصاد والإعلام وهي حزب خبر العمل السياسي وعرف كيف يُجهض أدوات شعبنا المُجربة في دحر نظامين دكتاتوريين– لقد قام نظام الجبهة القومية الإسلامية بإضعاف المؤسسة الحزبية، ترهيبا وترغيبا، وضرب العمل النقابي بتشريد النقابيين الشرفاء ووضع القوانين القمعية فضلا عن قيامه بتغيير تركيبة المؤسسة العسكرية. إن إسقاط النظام الحاكم يستدعى جهدا فكريا وسياسيا كبيرا ومبدعا لصياغة بديل يأخذ بيد الوطن بعيدا عن هذا العهد الغيهب. مع ذلك، فان هناك ضوءا في نهاية النفق. لم يستسلم شعبنا، فقد شرع في مقاومة سلطة الجبهة القومية الإسلامية فور انقلابها في يونيو 1989، فلم يفقد إيمانه الراسخ بحقه في حكم نفسه حكما ديمقراطيا، فظل طوال العقدين المنصرمين، وما زال، يشحذ ويجرب أدواته لمنازلة نظام الجبهة القومية الإسلامية الحاكم. إن معالم التغيير القادم تتخلق في أرض الواقع على نحوِ لا تخطئه العين. ولا نرى من جانبنا مُوجبا للاحتذاء بتجربة بعينها والتماهي معها، بما في ذلك تجارب شعبنا السابقة. فشعبنا قادر على استيعاب تجاربه ورفدها بما هو لازم من تجارب وخبرات الشعوب الأخرى. وفي هذا السياق، فإننا نشهد، بتفاؤل لا تحده حدود، نضال جماهير شعبنا ممثلا في أحزابه ونقاباته ومنظمات مجتمعه المدني ووسط النساء وقطاعات الطلاب والشباب وهي تخوض نضالا صعبا في كافة مناحي الحياة اليومية وفي المعارك النقابية وانتخابات اللجان الشعبية، ومن جانب آخر نتمنى للحركات الدارفورية أن تنجح في تجاوز خلافاتها والتوحد خلف برنامج موحد هدفه إحداث تغيير جذري في دارفور بوجه خاص وأن توحد جهودها مع قوى التغيير الديمقراطي في الوطن على نحوِ مبدع وخلاق. إن هزيمة وإسقاط النظام أمر يحكمه توازن دقيق للقوى الاجتماعية في لحظة تاريخية بعينها، وعليه فانه لا تخامرنا شكوك في هذا الصدد، ولكن يلزم قوى التغيير، بمختلف انتماءاتها الفكرية والسياسية، في الوطن وفي وهاد الشتات، الكثير لجعل التغيير القادم محطة هامة في درب إقامة وتعزيز وتوطيد الوحدة الوطنية والديمقراطية والسلام والتنمية والعدالة الاجتماعية الحقة، والهدف المطروح هو أن تبادر هذه القوى لابتداع الأساليب المطلوبة للتغيير. إننا نزعم أن إسقاط النظام الحاكم لن يُفضي ضربة لازب إلى تأسيس أو إعادة تأسيس السياسة السودانية على سوية جديدة– ذاك أمر لا نملك، على الأقل، أدواته في لحظتنا الراهنة، بيد أننا سنعمل من اجل الدفع لتأسيس حركة عريضة، تسهم فيها كافة القوى التي لديها مصلحة في التغيير، لتعمل على بلورة أهداف عامة في برنامج وطني مُحدد يُشكل إطارا عمليا لذلك التغيير- على نحوِ يُشكل آلية حقيقية لصنع القرار. سنسهم، دون شك، مع غيرنا في صوغ تلك الأهداف، وسنناقش ما نتوصل إليه مع كافة القوى، سواء المنضوية في أحزاب أو نقابات أو التي تنتظم في منظمات المجتمع المدني وبين جماهير النساء والطلاب والشباب وحتى على نطاق الأفراد، داخل الوطن وخارجه، وعلى كافة المستويات خصوصا على النطاق الاسفيري مستفيدين من وسائط التواصل الاجتماعي لتحقيق ذلك الهدف. إننا، مجموعة من أبناء هذا الوطن، بمختلف انتماءاتنا الفكرية والسياسية التي وحدتها الأزمة التي تُمسك بخناق الوطن، تنادينا للتشاور تحت اسم (المجموعة السودانية للتغيير الديمقراطي) للعمل معا، ومع كافة القوى في الداخل والخارج، من أجل: أ. صياغة برنامج مُحدد يتوافق عليه الجميع؛ ب. العمل على إسقاط النظام كخطوة ضرورية لفتح الطريق أمام التغيير الشامل وعلى مختلف الصُعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لخلق دولة المواطنة والمؤسسية والشفافية وسيادة حكم القانون والتأكيد على قدسية المال العام؛ ج. دعوة جميع القوى الوطنية وكل من يشاركنا الهم الوطني والدعوة للتغيير لإبداء آراءهم حول هذا النداء، وأن ينظموا أنفسهم حسب ما تسمح به ظروفهم ومكان تواجدهم وسنلتقي على طريق التغيير. سنواصل العمل من اجل تحقيق الأهداف أعلاه، وندعو كافة القوى للعمل معا من اجل إسقاط النظام لتحقيق الأهداف المنشودة. المجموعة السودانية للتغيير الديمقراطي (وطن)