[email protected] انفصال جنوب السودان وتصويت شعبه لهذا الخيار بنسبة 99% حدث تاريخي كبير، يستوجب وقفة تاريخية كبيرة للتفكر والتأمل ومن ثم الاجتهاد المخلص في الإجابة عن (سؤال المرحلة) وهو كيف نحافظ على السودان الشمالي نفسه موحدا ومستقرا ينعم بالسلام والتنمية؟ والذي يجعل سؤال الوحدة الوطنية حاضرا بقوة حتى بعد انفصال الجنوب هو أن أجزاء معتبرة من شعب الشمال نفسه تعاني من التهميش السياسي والاقتصادي والثقافي المقترن باستعلاء عنصري هو اليد الخفية التي توزع السلطة والثروة! ومن بين هؤلاء المهمشين الشماليين في جنوب كردفان وفي النيل الأزرق من حمل السلاح وقاتل في صفوف الحركة الشعبية بالأصالة عن نفسه لا بالوكالة عن الجنوب، وحتى من لم يحملوا سلاحا ومن هم معارضون للحركة الشعبية في هذه المناطق يشكون مر الشكوى من الظلم والتهميش، وهي شكوى يشاركهم فيها حتى المنتمين منهم للحزب الإسلاموي الحاكم! (نموذج الإجابة) على سؤال الوحدة الوطنية في الشمال يجب أن يكون مشروعا وطنيا جديدا، يؤطره دستور جديد لدولة مدنية ديمقراطية، مشروعا يؤسس الوحدة الوطنية على مصالحة تاريخية بين مكونات الشعب السوداني، والمدخل إلى هذه المصالحة هو الاعتراف بالخلل الهيكلي في الدولة السودانية وما ترتب عليه من مظالم سياسية وتنموية ومن ثم إعادة هيكلة الدولة في اتجاه يحقق العدالة والمساواة بين المواطنين والكفاءة في إدارة مصالحهم، وإجراء عملية تطبيب للوجدان الوطني باعتذار تاريخي للقوميات السودانية في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق التي عانت من الاستعلاء العنصري من قبل الشمال والوسط على أسس عرقية، اعتذار يقوم به القادة السياسيون والمثقفون والقيادات الدينية وشيوخ الطرق الصوفية ورموز الفن والأدب والرياضة ونشطاء حقوق الإنسان في وسائل الإعلام، وفي محافل شعبية مشهودة، ومن وسائل التطبيب أيضا صياغة برامج تعليمية و تربوية وإعلامية لتعميق الوحدة الوطنية وتنمية حاسة الانتماء للوطن وهذا لن يتحقق إلا برد الاعتبار للمهمشين وتمكينهم من رؤية ذواتهم في مرآة الوطن وتمكينهم من تحقيق مصالحهم وطموحاتهم عبر مؤسساته على قدم المساواة، ومثل هذا المشروع الوطني من الصعب إن لم يكن من المستحيل إنجازه في ظل حكم المؤتمر الوطني الذي يصر على إنتاج سياساته بميكانزم تفكير معطوب ومأزوم، لا سيما في التعامل مع احتجاجات الأقاليم المهمشة، فكل احتجاج مسلح هو جزء من مؤامرة صليبية صهيونية تستهدف البلاد في دينها وهويتها العربية الإسلامية عبر الخونة والمرتزقة والعملاء ممثلين في قيادات التمرد الذي يجب سحقه بلا رحمة، هذا الميكانزم لا يأخذ في اعتباره مطلقا أن الاحتجاج المسلح قادت إليه أوضاع سياسية واقتصادية مأزومة، ولا يرى الحل في معالجة هذه الأوضاع لأنه لا يعترف بخطئها أصلا، هذا الميكانزم المعطوب يشتغل الآن في التعامل مع الجنوب الجديد(جنوب كردفان والنيل الأزرق)، وفق هذا الميكانزم تعتبر هذه المناطق مجرد مخلب قط لدولة الجنوب المولودة من رحم المؤامرة، ولذلك فإن الأولوية القصوى هناك هي نزع سلاح الجيش الشعبي ليس في إطار برنامج سياسي بل في إطار برنامج استئصالي للحركة الشعبية، المقصود به إخراس صوت التغيير هناك أيا كان مصدره!