[email protected] جلس السيد عبد العزيز يراجع طلبات الباحثين عن عمل ، لقد تكدست الطلبات أمامه وأخذ يدقق فيها فكلها تحتوي إما على شهادات أكاديمية أو شهادات فنية تقنية أو تقارير طبية أو صورة لبطاقة شخصية تبين العدد الكبير لأفراد الأسرة . نظر إليها وأعمل فكره ..... ماذا يقدم لهولاء الذين رافقتهم البطالة وألفتهم حتى سكنت عندهم ، وكأن المقام راق لها فأبت أن تغادرهم لا طوعا ولا كرها ؟! كم آلامه صور الشهادات الأكاديمية التي جاء بها أصحابها يبحثون عن عمل متواضع هنا أو هناك أو حتى عمل لشهر بطالة، كي يفرجوا ولو شيئا يسيرا عن أسرهم التي افتقرت لأدنى مستويا ت المعيشة . طفق ينظر إلى تلك الطلبات تارة ، وتارة أخرى يسرح فكره في مصير هولاء ومصير أطفالهم الذين ربما يبيت بعضهم طاويا يعضه الجوع أو على الأقل يفتقرون إلى الحاجيات الأساسية اللازمة من مأوى وملبس ومأكل. يبتعد فكره أكثر إلى هناك ، إلى الدار الآخرة لتتجسد له الأمانة مطالبة حقها من الذي أضاعها . تصور نفسه في ساحة مشهد يوم القيامة وقد أتوه النساء والرجال ولأطفال يتعلقون به سائلين ربهم أن يأخذ حقهم الذي حرمه إياهم في الحياة الدنيا .. وامتد به هذا التفكير وامتد .... حتى شعر نفسه وكأن الموقف حقيقي : حتى اغرورقت عيناه بالدموع وبدأت تهطل حتى بللت أحد الملفات التي أمامه . أيقظه من فكره هذا صوت الهاتف وكأنه في حلم عميق . رد على الهاتف . ثم واصل عمله حتى نهاية دوامه ثم استقل سيارته الخاصة الحديثة إلى بيته . فهو مسؤول رفيع في وزارة الاشغال العامة . لقد قرر في هذا اليوم أن لايخرج من بيته وبات ليلته يفكر في حل ولو جزئي للبطالة المتفاقمة ، حتى استقر في ذهنه رأي. في اليوم التالي اتصل السيد عبد العزيز برجال توسم فيهم الخير ويغلب الظن أنهم من ذوي اليسر .عقد معهم موعدا وعندما حان الموعد اجتمعوا جميعهم وبدأ النقاش والحوار . قال السيد عبد العزيز تعلمون يا سادة أن البلد في حالة استثنائية من الأوضاع التي أثرت على مستوى البطالة فجعلتها تضرب بجذورها في المجتمع وتستفحل إلى حد مخيف . وماذا تريد أن تفعل يا سيد عبد العزيز رد عليه احد الرجال المجتمعين . -نريد أن نجتهد ونجد حلا للمشكلة ولو جزئيا. . يرد رجل آخر هل نحن حكومة يا سيد عبد العزيز؟! -يا جماعة إن اليد على اليد رحمة وبركة ، والقليل على القليل كثير فما الجبال إلا من حصى وما ا السيل إلا من قطرات المطر . -يقول رجل: هل عندك قليل نضيف إليه قليلنا يا سيد عبد العزيز. -عندي فكرة أطرحها أمامكم ، ترون فيها رأيكم ... هاتها يا سيد عبد العزيز يقول المجتمعون -يقول السيد عبد العزيز أرى أن نجمع ما نستطيع من أموال ونبدأ مشروعا صغيرا وليكن مصنعا مثلا ، ولتكن مادته الخام متوفرة مثل مصنع لتعليب عصير البندورة ( الصلصة ) فإذا حصل هذا نكون روجنا لمنتوجتنا الزراعية، ومهدنا لفرص عمل لأبأس بها لذوي البطالة ، وشجعنا مصنوعتنا الوطنية فنكون قد اصطدنا ثلاثة عصافير بحجر واحد ما شاء الله ... ما شاء الله ..... يا سيد عبد العزيز تتكلم بهذا وكأنك تتكلم عن وجبة غداء في رحلة , قال أحد الرجال المجتمعين , رد آخر : يا سيد عبد العزيز إن هذا المشروع يحتاج إلى مئات الآلاف من الدنانير ليقوم على سوقه , قال ثالث :ومن أين للبسطاء أمثالنا هذا المال ؟! رد عبد العزيز مكررا مقالته الأولى بان لانستهين بالقليل فالقليل على القليل كثير وما زال بهم يحاورهم حتى أقنعهم برأيه, فاستعد كل منهم بتقديم مبلغ من المال يساهم به في هذا المشروع فمثلا قال أبو رفعت: أنا موظف وكالة على وشك التقاعد وسأحصل بعد التقاعد على مبلغ من المال لاباس به سأشارك يبعضه. وقال المهندس سرحان : وأنا لدي شقة سكنية في برج لأصحاب رؤوس أموال أشرفت على بنائه وكان من اجري شقة سكنية سأبيعها وأساهم بثمنها . قال أبو عدلي: وأنا عندي أولاد في دول الخليج من أصحاب رؤوس الأموال سأطلب منهم مبلغا من المال لأساهم به . وقال السيد عبد العزيز: وأنا عندي بعض المال المدخر وسأبيع سيارتي الحديثة ( من نوع كايا موديل 2009) وسأستبدلها بسوبارو -واستعد الآخرون بمبالغ من المال يوفرونها من هنا أو هناك وانفض المجلس برفع المشروع لأولي الخبر لعمل دراسة جدوى. بعد انتهاء المجلس خلا السيد عبد العزيز بنفسه ورفع يديه إلى السماء مناجيا ربه قائلا بصوت بين الخفوت والجهر: يارب إني عصفت فكري وبذلت جهدي في محاربة البطالة وقدمت إليك عذري فلا تؤاخذني بما لم أقدر عليه ، ولا ترهقني من أمري عسرا.