إليكم . الطاهر ساتي [email protected] رفع العلم مقدور عليه.. ولكن ماذا عن ( رفع البلاء) ..؟ ** السبت الفائت..عندما إستأذنني الشاب العشريني ليلصق علم السودان على زجاج سيارتي، أذنت له رغم أن الروح الوطنية يومئذ كانت في أسوأ حالاتها .. ولكن بما أن لصق العلم سوف يسعدك ف( لصق يا حبيب)، أوهكذا كظمت أحزاني ليسعد الشاب الذي لا يتحمل مسؤولية ما حدث يوم السبت الفائت، فهو من جيل الضحايا.. وعندما هم بلصق العلم بسعادة، نبهته بلطف بأن هذا ليس بالوضع الصحيح للعلم، ومنعا للحرج داعبته : ( من عربيتي دي و انت ماشي، لصق صاح، اللون الأسود بي تحت والأحمر بي فوق)، ولكن يبدو أن جيل الضحايا لايحس بالحرج في موقف كهذا، وكذلك لا يبالي بخطأ كهذا، إذ رد الشاب على تنبيهي بمنتهى اللامبالاة قائلا : ( يا عمك فوق ولا تحت كلو واحد).. بصراحة، إستحسن مزاجي رده، وأعدته لنفسي هامسا : ( والله فعلا الليلة كلو زي بعضو ).. وغادرته بلسان حال سائل : كم مثله يجهل بالوضع الصحيح لعلم بلاده، وكم مثله لايبالي بأي جنب كان في السارية وضع ألوان علم بلاده ؟.. فابتعدت عن مكان أعلامهم، مصطحبا بيت قصيد يقول : ما قيمة العلم الذي حلمت يداك برفعه، إن لم يكن في وسعه أن يرفعك ؟؟ ** المهم..سيل الأسئلة لم يتوقف، وجرفني عن مكان حفل توزيع العلم بعيدا..ماهي قيمة ما يفعلون؟، وما مغزاه؟، وماجدواه؟، وما تأثيره على المشاعر التي تحدق بعيون دامعة في ذات العلم وهو ينزل من سارية جوبا بشرف، أو كما قال باقان ؟..وهكذا، هي اسئلة قد تكون صادمة لمشاعر المجموعة التي بادرت بتوزيع ولصق علم السودان في جدران الخرطوم وسياراتها في ذات يوم تنزيله وإزالته من جدران جوبا وسيارتها..فلتكن صادمة لمشاعرهم، لتستوعب عقولهم ثم عقول الذين من خلفهم إجابات تلك الأسئلة ..نحن أمة تقودها المشاعر و الأشعار والشعارات و العواطف والأكاذيب، حين غابت - أو غيبنا - عقول الوعي والإستدراك في حياتنا العامة، وكان طبيعيا أن نحصد ما نحصده اليوم .. راجعوا إذاعاتنا وفضائياتنا وما بها من النصوص التي تمجد الوحدة، وكذلك راجعوا أرشيف خطب ساستنا وما بها من الخطب التي تتغزل في الوحدة، وراجعوا مهرجانات الساسة وإحتفالاتها ومحافلها التي أنشدت للوحدة، ثم - أخيرا - أنظروا إلى حصاد تلك النصوص والخطب والمهرجات، إذ لم يثمر الحصاد غير ( جمهورية جنوب السودان).. وهكذا دائما حصاد النخب التي تخدع نفسها بغرس الشعارات الكذوبة في مشاعر شعوبها،إذ يكون حصادها - وحصاد شعوبها - الفشل والمزيد من الفشل .. ومع ذلك، يتواصل غرس الزيف في قلوب وعقول الناس، وكأن ما حدث لايكفي ..!! ** نعم ليس بوسع المرء أن يستدرك من أمره ما إستدبر، ولكن بوسع العقل الراشد أن يتعلم، بحيث يكون ذاك الأمر درسا..لقد مضى الجنوب، وليس بوسع أحدكم إعادته، وكذلك توزيعكم للأعلام في شوارع الخرطوم لايعيد ذاك العلم الذي تم تنزيله - بجوبا - إلى حيث كان.. وعليه، فالأفضل - لما تبقى من السودان - تشخيص (داء ذهاب الجنوب)،و معرفة أسبابه، وكيفية وقاية ما تبقى من السودان من داء كهذا..أي، كفى بكاء على لبن سكبته سوءات نهجكم الحاكم ..وكفى خداعكم الناس - وما تبقى من البلد - بشعارات وأشعار وأعلام وأكاذيب، وذلك في محاولة يائسة لتجميل هذا الخطأ التاريخي أو في محاولة لإظهاره بمظهر ( شئ طبيعي وبيحصل في أرقى الدول)..ليست من المسؤولية أن يطوي المسؤول صدمة حدث كهذا باللامبالاة وتضليل الناس، إذ يصبح حاله كحال تلك المرأة التي سمعت نبأ طلاقها فقالت : ( نححححمد الله، ما محتاجة ليهو، أولادي في الزريبة و غنمي في المدارس )، أو هكذا حالكم يومئذ وأنتم توزعون الأعلام في شوارع الخرطوم ويتقدم ركبكم الإحتفائي (جمال فرفور ومحمود عبد العزيز)..ما هكذا تعالج العقول الراشدة الأخطاء والجرائم التي ترتكب في حق الناس والبلد، و ما هكذا تستقبل الضمائر المسؤولة مثل هذه الأحداث..أرفعوا سرادق العزاء، وكذلك أزيحوا أقنعة الزيف والنفاق، ثم قدموا للناس والبلد إجابات صريحة - بيانا بالعمل - على أسئلة ( ما هي أسباب الإنفصال ؟.. ومن المسؤول ؟..وما مصير ما تبقى من الوطن ؟..وهل الجمهورية الثانية ستدار بذات النهج الذي أدار الجمهورية الأولى وتسببت في ميلاد جمهورية جنوب السودان ؟)..هكذا الأسئلة التي يجب أن يطرحها كل مسؤول - من رئيس البحمهورية الي رئيس أصغر محلية - على نفسه، بدلا عن توزيع الأعلام والتبريرات الفطيرة التي من شاكلة ( هم اللى إختاروا الإنفصال ).. الإتكاءة على هذا التبرير لن ترفع البلاء عن ما تبقى من الوطن .. !! ............ نقلا عن السوداني