[email protected] رغم الترحيب والاحتفالات والمهرجانات المتعددة شعبيا ورسميا بإعلان الدولة الجديدة رقم 192 في المجتمع الدولي بانفصال جنوب السودان عن شماله الا ان هذا الواقع المؤلم تم غصبا عن الشعب السوداني الذي لم يفوض أحدا للقيام بهذا الدور انابة عنه ولذلك فقد كان مولد دولة جنوب السودان يشكل فصلا جديدا في تاريخ السودان القديم والحديث فمولد هذه الدولة لهو تاريخ بذات نفسه لأنه غير الواقع الذي ظل يعيشه ويعايشه الشعب السوداني الذي كان موحدا منذ الأزل حتى تاريخ التاسع من يوليو2011 فمن حق الجنوبيين ايا كانت مواقعهم ان يحتفلوا باعلان مولد دولتهم ومن حق الشعب السوداني الرافض لهذا الواقع ان يلزم الصمت كأدق تعبير عن الرفض ومن حق دعاة الانفصال في الشمال والجنوب ان يشتموا في دعاة الوحدة ولكن ليس من حق هؤلاء أو اولئك تغيير تاريخ السودان وشطر وحدته مهما كانت الاسباب لان ذلك خيانة للتاريخ وخيانة للاجيال السابقة واللاحقة التي ستكتشف مدى عجز الاجيال السابقة عن الحفاظ على بلد بحجم قارة وشعب امتاز بسماحة المعاملة وحسن الخلق واحترام الآخر. ان انفصال الجنوب يشكل هزيمة للواقع السوداني الحديث الاجتماعي والسياسي ويؤكد مدى عجز قادة السودان عن تلبية متطلبات ورغبات الشعب في شماله وجنوبه في ان يكون السودان بلدا موحدا يسع الجميع شماليين وجنوبيين فالانفصال الذى حدث واصبح واقعا في شكل جمهورية جنوب السودان في مواجهة جمهورية السودان التي تبقت من السودان القديم ما كان ان يتم لولا الفشل في الاتفاق على هوية سودانية معبرة عن التنوع الاثني والديني والثقافي والاجتماعي، فالسودان فشل في تكوين هوية وموحدة فهويته لاهي عربية وإسلامية صرفة ولاهي بافريقية، فهناك من يدعون للهوية العربية الصرفة المرتبطة بالاسلام ولا يرضون بديلا لها ولذلك ينادون بالاسلام السياسي والدولة الدينية والعروبة واخرون يرون في أهمية التنوع والمزج ما بين العروبة وخصوصية السودان العرقية والدينية والثقافية فيما يطالب البعض وهم كثر بالهوية الافريقية الصرفة باعتبار ان السودان دولة افريقية في المقام الاول وشعبه افريقي متعدد الديانات والعرقيات والثقافات حتى لا تطغى هوية او ثقافة على اخرى . وبين هؤلاء وهؤلاء ضاعت هوية السودان وسط هذا التناقض الذي غذى المطالب بالحقوق وتحولت هذه المطالب الى مطالب سياسية جهوية قادت الى تقرير المصير كما هو الحال في مسألة الجنوب. لقد وضح ان الجميع في ازمة الهوية السودانية لا يعترفون بالاخر ومن هناك جاءت معضلة الصراع السياسي المرتبط بالهوية الافريقية والتي قادت الى انفصال جنوب السودان فالواقع ان انفصال جنوب السودان لفت النظر الى واقع السودان المعقد سياسيا واثنيا ودينيا وان الحفاظ على هذا الواقع لن يتم الا بالاعتراف بالآخر حتى لا يشكل انفصال الجنوب سابقة تعود الى تفتيت السودان الى دويلات خاصة أن الجميع يدرك ان بعض الاصوات لاهم لها الا العيش من خلال صنع الازمات هنا وهناك وان الجنوب قد نأى بنفسه وان لهيب نيرانهم ستصطلي به الاجزاء الاخرى خاصة في ظل وجود بؤر قد تمتد لتشمل الجميع اذا لم يتخل هؤلاء عن النظرة الدونية للآخرين والسعي لتطبيق احادية الهوية والثقافة والدين. ان الجنوبيين حققوا هدفهم باقامة دولتهم واعتراف المجتمع الدولي بهم، وان المشوار لا يزال طويلا امامهم، كما ان ذات المشوار لا يزال طويلا، امام الشمال الذي يدعي البعض فيه بانه تخلص من \"جسم مريض\" ظل يعاني منه منذ الاستقلال، فالجسم المريض يشمل السودان كله شماله وجنوبه والشمال يعاني ازمات اكثر مما يعاني الجنوب وان الجنوب سيدعمه المجتمع الدولي خاصة الغرب، فيما ان الشمال سيواجه مصيره وحده خاصة اذا حاولت الحكومة اثارة وصنع القلاقل وتصديرها لدولة الجنوب المحمية دوليا، فالعالم صبر في السابق لهفوات الشمال ليس حبا فيه وانما من اجل هدف واحد وقد تحقق هذا الهدف الآن ولذلك فلن يتعامل مع الشمال الا من خلال العصا لا الجزرة الامريكية والعصي المعروفة في وجه السودان لها عوامل كثيرة ذات صناعة محلية تدولت وصارت تدار من الخارج حتى من داخل السودان الذي اصبح لاول مرة في تاريخه تتواجد فيه اربع بعثات عسكرية دولية، فهناك بعثة في ابيي واخرى لجنوب كردفان وثالثة لدارفور ورابعة تراقب هذه البعثات وتديرها من الخرطوم. ان التاسع من يوليو سنة ٢٠١١ يوم اسود في تاريخ السودان رغم الاحتفالات فالسودان اليوم ليس سودان الخديوي ولا المهدي ولا الخليفة عبدالله التعايشي ولا الاستعمار الثنائي ولا حتى الأزهري ورفاقه من قادة الاستقلال ولا حتى النميري والصادق المهدي ونقد وانما هو سودان عمر البشير الذي دخل التاريخ من أوسع الأبواب ليس لانه حقق السلام الذي يدحضه الواقع الحالي بجنوب كردفان وجنوب النيل الازرق وابيي ودارفور ،وانما لأن عهده شهد انشطار السودان وتقسيمه الى دولتين ، رغما منا كشعب لم يفوضه لفعل ذلك ولكن هذه ارادة الله ولا نقول الا ما شاء فعل.