(كلام عابر) ستر الفقر بالعافية عبدالله علقم [email protected] في مدينة في الشمال عمل لسنوات عديد طباخا في داخلية مدرسة متوسطة أيام كانت هناك مدارس متوسطة وداخليات توفر السكن والطعام للطلاب وطباخين يطبخون الأكل . طوال سنوات عمله كان يحضر للداخلية ليبدأ عمله بعد صلاة الفجر حاملا معه قوت يومه فلم يكن يأكل من الطعام الذي يقوم بطبخه في مطبخ الداخلية ، ليس ذلك فحسب ولكنه طوال سنوات عمله لم يكن يتذوق ذلك الطعام للتأكد من مذاقه وجودة طبخه فقد كان يعتمد على خبرته وحسن تقديره لكميات الخضار واللحم والزيت والبهارات، ولم يعمل بمثل \"طباخ السم يذوقه\" وذلك نأيا بنفسه عن شبهة الحرام فقد كان يعتقد أن مجرد تذوق ما يطبخه حتى لغرض تجويد العمل لا يخلو من شبهة الحرام. مرت السنين وتقاعد الطباخ من العمل وجاءت أيام تغيرت فيها الدنيا من حوله واختفت الداخليات والدراسة المجانية والغذاء المجاني ثم تبع ذلك اختفاء العلاج المجاني وظهرت صيغ جديدة للعلاج ومصطلحات جديدة في قاموس الكلمات مرتبطة بواقع حياتي جديد مثل إجلاس الطلاب ودعم الطلاب الفقراء ومظلات التأمين الصحي على اختلاف أحجامها ومسمياتها وأصبح المرض ترفا لا يقدر عليه معظم الناس، ولذلك كان صاحبنا يدعو الله عقب كل صلاة \"يا رب استر الفقر بالعافية\"، ذلك لأنه فقير ليس بوسعه تحمل تكلفة الكشف والفحص والدواء إذا مرض، فكان يدعو الله أن يمنحه العافية التي تستر فقره ولا تدخله في تجربة البحث عن ثمن العلاج. تفتحت أبواب السماوات لهذا الدعاء البسيط المباشر فعاش أيامه صحيحا معافى حتى اختاره الله إلى جواره، ويومها خرجت المدينة كلها لوداع ذلك الرجل الذي جاءها منطلقا كالسهم من عصر الراشدين متخطيا حواجز الزمان ليستقر في قلب الحاضر. \"يا رب استر الفقر بالعافية\" كلمات بسيطة وصادقة كانت تخرج من قلب مؤمن فتصل بلا حجاب إلى المولى عز وجل . \"يا رب استر فقرهم كلهم بالعافية\" فإذا كنت من فئة الفقراء التي قسمها السيد وزير المالية لفئتين فئة الفقر العام وفئة الفقر المدقع ، أو من محدودى الدخل أو من الفئة الجديدة التى استحدثت مؤخرا وهي فئة معدومي الدخل، فهناك أشياء ممنوعة على كل هؤلاء الذين أصبحوا يشكلون سبعين أو ثماني بالمائة من الناس، وأول هذه الممنوعات هي المرض، فمن يعيشون في الظلام ليس منن حقهم أن يمرضوا. والظلام تعبير دارج في الهند يمثل قاع المدينة والفقر المهين والمُدقع حيث يعيش الناس كالحيوانات في العراء، ينامون تحت الجسور وعلى الأرصفة ، ولا يعرفون إن كان الحظ سيسعفهم ويأكلون في اليوم التالي، وغني عن القول أنهم حين يمرضون لا يجدون مشفى ولا طبيباً، كحال الشماسة عندنا. في البرازيل كانت هناك حملة رسمية غير معلنة للتخلص من هؤلاء الشماسة بالقتل ولم تتوقف الحملة إلى بمجيء الرئيس لولا دي سيلفا الذي كان عاملا للحكم ، ولكن رغم ذلك لم يتوقف القتل تماما. في الخرطوم لقي عدد من المشردين تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشر والخمسين مصرعهم ، والقاتل الخفي حتى الآن وحسب الإفادات الرسمية هو مادة الميثانول التي تناولوها جميعهم في وقت واحد أو في أوقات متقاربة مما يعني غياب الشبهة الجنائية و كأنها عملية انتحار جماعي. ولا بواكي لهم، ولا أحد يستطيع تحديد عددهم على وجه الدقة، فمن يأبه بالشماسة أو الظلام أو المشردين وهم الوقود المجاني لحركة التغيير؟ اللهم استر الفقر بالعافية.