أفق بعيد فيصل محمد صالح [email protected] حتى أنت يا بروتس؟ طرق السياسة تتقاطع وتتشابك، باعتبار أن فيها أمورا واضحة وجلية، كما فيها بعض المشتبهات، ومن الأمور الواضحة أن من يريد أن يحتل موقعا قياديا أن يختار لنفسه طريقها. هناك طريقان، أن تكون لك مواقفك وطريقتك وسلوكك وبصمتك الخاصة، حتى ضمن من تتفق معهم في الرأي، وهناك طريق آخر مجرب ومعروف، يسترشد بالبيت المعروف \"وما أنا إلا من غزية إن غوت، غويت، وإن ترشد غزية..أرشد\". في هذا الطريق يأخذ السياسي وضع الانحناء الدائم، ينظر للقائد أو الزعيم، ويحاول أن يفهم ما يريده ويرغب فيه ويتشهاه، فيتولى التابع تنفيذه فورا، ودون أن يرجع لاستشارة القائد. ولا يحتاج هذا النوع لقدرات قيادية أو مواهب خاصة، إلا موهبة منافقة المسؤول والقائد. روى أحد قادة الإسلاميين أنهم أنشأوا جهازا إعلاميا تابعا للجبهة الإسلامية القومية في الثمانينات، وعندما حانت لحظة التنفيذ قابلوا الشيخ ليمنحهم بركاته، سأل عن الخطوات فأخبروه بالتفاصيل، ثم ختموا بالقول إنهم اختاروا \"فلانا\" ليرأس الجهاز، فتجهم وجه الشيخ ليقول بعد ذلك\" إن فلانا هذا من أخلص أخواننا، لكنه خلق ليكون جنديا، ولا يصلح قائدا أبدا\". كثير من السياسيين يمكن أن يخلقوا انطباعا يرسخ في النفس منذ اللحظة الاولى، إما أن تشاهد فيهم القدرات القيادية والكاريزما، وإما أن تعرف من أول مرة أنه خلق ليكون من طبقة الجند. هذا الانطباع الأولي قد لا يكون صادقا تماما، وكثيرا ما يخضع على أرض الواقع فيثبت صحته وخطأه. بعض السياسيين يعطي انطباعا بأنه شريك في السلطة وفي اتخاذ القرار، وليس مجرد تابع ومنفذ، يحاور ويشاور ويشارك في صنع السياسات والقرارات، وقد تقوى شوكته أحيانا في بعض الملفات الموكلة إليه، فيبدو أنه الآمر الناهي. ومن الطبيعي أن يختلف هذا النوع من السياسيين أحيانا مع شركائه الآخرين، وليس بالضرورة أن ينتهي الخلاف بمفاصلة نهائية، لكنه يظهر موقفا مختلفا ويحتفظ بمسافة من السياسات المنفذة التي لا يتفق معها. ليس هذا موقفا مجانيا، فلكل موقف ثمن، وغالبا ما يكون ثمن هذا النوع من المواقف احتمال الإبعاد، جزئيا أو نهائيا، فبعض القيادات العليا لا يرتاح لهذا النوع من الشركاء، ولا يقبل أن يكون هناك رأي آخر إلى جانب رأيه، إنما يبحث عن ما يسمى بالسيد نعم \"مستر ييس\". وغالبا ما ينتظر الشريك القوي اللحظة المناسبة لإبعاد الشريك الأضعف، أو تحجيمه، وإلزامه حدوده، حدود التابع، بتسخيف مواقفه، أو الغاء وعكس قراراته. ومن الممكن بالتأكيد أن يكتشف الشريك الأضعف دقة موقفه، ويراجع الصورة التي رسمها لنفسه، وساعده آخرون في صنعها، ويقرر أنها ستلكفه ثمنا كبيرا، فيعمل طوعا على تغييرها وقلبها، فيكسر اعتداده بنفسه، ويعلن موقفه التابع، ملوحا بالحراب أو السيوف، لا فرق، المهم أن يبقى، وقد يبقى، لكنه لن يكون كما كان، أبدا. ستنتهي صورة المثقف أو المفكر أو المختلف نوعا، وستظهر صورة جديدة مستنسخة من عشرات التابعين، لتبقى زمنا، ثم قد لا تعصمه من الذهاب، فما الفرق بين أن يكون التابعون عشرينا أو تسعة عشر؟ الاخبار