رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يتفقد مستشفى الجكيكة بالمتمة    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    المريخ يتدرب بجدية وعبد اللطيف يركز على الجوانب البدنية    شاهد بالصورة والفيديو.. على أنغام أغنية (حبيب الروح من هواك مجروح) فتاة سودانية تثير ضجة واسعة بتقديمها فواصل من الرقص المثير وهي ترتدي (النقاب)    شاهد بالصور.. بأزياء مثيرة للجدل الحسناء السودانية تسابيح دياب تستعرض جمالها خلال جلسة تصوير بدبي    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تشعل مواقع التواصل برقصات مثيرة ولقطات رومانسية مع زوجها البريطاني    شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقتحم حفل غناء شعبي سوداني بالقاهرة ويتفاعل في الرقص ومطرب الحفل يغني له أشهر الأغنيات المصرية: (المال الحلال أهو والنهار دا فرحي يا جدعان)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعب النوبة وجزاء سنمار
نشر في الراكوبة يوم 25 - 08 - 2011


[email protected]
ان تاريخ شعب النوبة وتضحياته من أجل الوطن واستقلاله وحريته تاريخ ناصع يشرف الشعب السوداني والوطن قبل ان يشرفهم، ولكن بالرغم من اخلاصهم ووطنيتهم وحفاظهم على شرف بلادهم والمساهمة في تحقيق استقلالها وخوض الحروب البعيدة والقريبة نيابة عنها فقد ظلم شعب النوبة ظلما كبيرا سواء كان ذلك من القوى الاستعمارية أو ذوي القربى (الحكومات الوطنية وبخاصة الشمولية منها) وظلم ذوي القربي أشد مضاضة كما قال الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضةً ... على المرء من وقع الحسام المهنّد
النوبة في الثورة المهدية
فعندما هم الامام المهدي - عليه السلام – باطلاق حركته الثورية لتحرير البلاد من دنس الاستعمار التركي منطلقا من أقصى الشمال (جزيرة لبب) لم يهتد لمكان وقوم يمكن أن يركن اليهم ويأتمنهم على أهداف ثورته الا شعب النوبة الذين نثر كنانته فوجدهم أصلب أهل السودان عودا وأمضاهم عزيمة وأحفظهم للعهود إذا عاهدوا لا يخشون عدوا ولا يعرفون التولي يوم الزحف مقبلين دائما غير مدبرين ولا تخطئ رمياتهم عدوهم (ولا غرو في ذلك فهم أحفاد رماة الحدق). ولقد شاركت قبائل أخرى في مناصرة المهدي وبخاصة من منطقة النيل الأبيض، ومنها الجموعية والحسانية وكنانة وكواهلة وسليم والصبحة وقبائل البقارة ببطونها المختلفة وجماعات صغيرة أخرى. قاد الامام جنده من هؤلاء القوم الأشاوس ذوي البأس ليسجل بهم أولى وأهم انتصاراته حيث أنزل هزيمة نكراء بجيش هكس باشا في معركة سار بها الركبان واعتمدتها الكليات العسكرية في مناهجها الى يومنا هذا بأنها ربما كانت أسرع معركة في التاريخ. ذلك أنه لم تمض بضعة دقائق (ربع الساعة أو تزيد قليلا) إلا وجيش العدو المجهز بأحدث العتاد الحربي لذلك الزمان والبالغ قوته نحو 12,000 مقاتل على رأسه هكس باشا نفسه قد أصبح في (خبر كان). وقد كانت معركة شيكان هي فاتحة الخير والفأل الحسن الذي مكن الامام المهدى من الزحف تلقاء الخرطوم وتحريرها والسودان. ويؤكد الكثيرون أن الانصاري الذي حز رأس الجنرال تشارلس غوردون كان جنديا نوباويا.
ولا ينكر بلاء النوبة في الثورة المهدية ومساهمتهم الكبيرة في توحيد السودان الا جاحد أوحاسد. فلقد كان لتلك الثورة دورا كبيرا في العلاقات التاريخية القوية بين قبائل جبال النوبة والقبائل الأخرى وبخاصة قبائل النيل الأبيض التي ساندت المهدي والتفت حوله لدى ارتكازه في الجزيرة أبا. إن العلاقات الاجتماعية التي خلقتها الثورة المهدية بين مكونات الشعب السوداني هي التي أدت الى نشوء المجتمع السوداني الحديث والهوية السودانية والتي ارتد عنها دعاة النقاء العرقى الذي ليس له مكان في السودان الا في مخيلة الواهمين، الهم إلا ربما في قبيلة الرشايدة التي – والحق يقال – أنها أشد تمسكا بالهوية السودانية من مدعي النقاء العرقي الذين أصبحت لهم في غفلة من الزمان منابر وصحف على مرمى ومسمع من النظام. فقد رفضت (قبيلة الرشايدة) العروض التي قدمت لها من دول عربية (نقيةعرقيا) جنسياتها وهوياتها فأبت واستعصمت بهويتها وجنسيتها السودانية، فاكرم بهم من قوم أصيلين.
النوبة في حروب المكسيك
وقد يجهل الكثيرون أن السودان قد ساهم في الحروب التي شنتها فرنسا في المكسيك بعد انسحاب حلفائها الانجليز والاسبان في الفترة من 1861 وحتى 1876. وحيث أن فرنسا لم تكن تستعمر السودان طلب نابليون الثالث من سعيد باشا والي مصر امداده بكتيبة من الجنود السودانيين فأمده بقوة قوامها 435 مقاتل بين ضابط وضابط صف وجندي. تحركت تلك الكتيبة من الاسكندرية في يناير عام 1863 ووصلت (فيراكروز) في المكسيك بعد ابحار 47 يوم.
وذكرت التقارير الفرنسية أن الجنود السودانيين قدموا أجل الخدمات بسبب شجاعتهم وبراعتهم في الرماية ولذلك أوكلت اليهم الأماكن التي لا يمكن للجنود الفرنسيين البقاء فيها فصدو ا غارات العصابات التي كانت تهاجم تلك المواقع وتشن الهجمات على قوافل الامداد والذخيرة والمخافر التى بها القليل من الحراسات.
قال القائد العام في (فيراكروز) أنه ليس لديه ما يبديه بشأن القوة السودانية الا الثناء من جميع الجوانب، \" انهم كانوا يقاتلون في حماسة لا تضارع فقد كانت أعينهم وحدها هي التي تتكلم وكانت جرأتهم تذهل العقول وتحير الألباب حتى لكأنهم ما كانوا جنودا عاديين بل أسودا ضارية \". وقد نعت بتلك الأوصاف بصفة خاصة كل من اليوزباشي حسين أحمد والملازم فرج الزين والجاويش حديد فرحان والامباشي الحاج عبدالله باشا والجندي كوكو سودان وهي أسماء نوباوية واضحة الا فيما ندر.
وبعد انسحاب الجيوش الفرنسية توجهت بقية الكتيبة الى باريس حيث تم استعراضهم من قبل الامبراطور نابليون الثالث (1867) وتم تكريمهم بالاوسمة ونياشين الشجاعة الرفيعة حيث منح الامباشي عبدالله باشا ميدالية حربية عرفانا من الامبراطور بشجاعته واقدامه وشراسته وتكبيده العدو اكبر الخسائر، وذكر بأنه طعن في إحدى المعارك جنديا مكسيكيا ورفعه بيد واحدة والسنكي مازال منغرسا في جسده.
رفع تقرير الكتيبة السودانية الى الخديوي اسماعيل الذي فرح كثيرا بانجازات جنوده (كان السودان خاضعا وقتها للحكم التركي) وقرر منح معاشات لارامل وعائلات من قتلوا وترقية المتميزين من الاحياء.
انتفاضات وثورات النوبة ضد الاستعمار البريطاني
مارست السلطات الاستعمارية البريطانية أقبح مظاهر الاخضاع والاذلال على شعب النوبة حيث فرضت عليهم العزل الاجتماعي بضم منطقة جبال النوبة الى \"المناطق المغلقة\" واجبرتهم على أعمال السخرة ودفع ضرائب قاسية ومذلة عرفت بضريبة الدقنية حيث يقوم كل رجل راشد بدفع ضريبة عن كونه إنسان يعيش تحت الشمس حيث كان يطلب الي زعماء الادارات الأهلية تسجيل جميع رجالات قبائلهم وجمع ضريبة الدقنية منهم وممارسة أقسى أنواع التعذيب ضد من يتخلف عن سداد تلك الضريبة، اضافة الى دفع ضريبة عن كل بهيمة انعام تملكها أسرة نوباوية كانت معزة أو نعجة او حمارا او بقرة، فضلا عن اخضاع النوبة لاعمال السخرة حيث كانوا يسخرون لبناء المرافق الحكومية (مستشفيات، مدارس، منازل حكومية سجون ..الخ) دون أجر. كذلك كان يطلب منهم نظافة الشوارع بين حدود الادارات الأهلية والمدن مثل شوارع الدلنج – الابيض ، الدلنج – كادوقلي، كادوقلي – تلودي، تالودي – كالوقي، كالوقي – أبوجبيهة، ابوجبيهة – رشاد - العباسية... الخ. كذلك القيام بنظافة خطوط التلفون حيث كانت تستعمل الأعمدة الخشبية في مد تلك الخطوط بين المدن، الى جانب القيام بعمل خطوط النار الى آخر أعمال السخرة التى كانت تتم بدون مقابل مادي.
لم يتقبل النوبة تلك السياسات التي قصد منها اذلالهم واخضاعهم فثارت كثير من القبائل ضد تلك الممارسات ولكن سرعان ما تحولت تلك الاحتجاجات وسرت وسط قبائل النوب بأكملها سريان النار في الهشيم الى ثورات مسلحة ضد الاستعمار البريطاني وسياساته ، نذكر منها تمرد قبائل جبل الداير ضد ضريبة الدقنية عام 1903 وتلودي 1908- 1917 وتوالت الانتفاضات المسلحة تترا ضد السلطة البريطانية حيث انتظمت جميع مناطق جبال النوبة: في منطقة تلودي عامي 1908 – 1917، وفي رقيق عامى 1910 – 1911، وهيبان (قبائل الكواليب) 1911، توقوي 1910، الطير الأخضر 1914 – 1915، وفي مناطق كادقلي ( قبائل كادقلي والميري وغيرها بقيادة الفكي علي الميراوي وغيره) وجبل الداير 1904، والليري 1906، ونيانج نيانج 1906، وكيقا جرن 1910، وشات الصفيا 1914، ميري جوة 1915، وتمردت قبيلة الدلنج بقيادة كبيرهم وحكيمهم جمعة آدم ضد المفتش الانجليزي المقب ب(دينج جبره دبرته ما بتبرا) 1918 حيث هاجرت القبيلة بأكملها بقضها وقضيضها الى أضية خميس والملاحية وحجر الدليب رافضة دفع الدقنية وأعمال السخرة وقامت بارسال وفد الى الخرطوم لتقديم شكوى للحاكم العام ضد ممارسات وانتهاكات المفتش ومحذرة بما لا تحمد عقباه في حالة عدم ردع المفتش ونقله فانصاعت الادارة البريطانية ونفذت مطالب القبيلة. وتواصلت ثورات النوبة في منطقة الدلنج لتشمل قبيلة المندل عام 1914- 1919، والكدرو 1906، وقبيلة الفندة 1908، وكيلاكيدو 1908-1909 وقبيلة تيمة عام 1909-1910، سيبي وذلمار عام 1914، (انظر آدم جمال أحمد – \"ضريبة الدقنية بجبال النوبة\" – سودانايل 07/10/2010)
ولعل من الانتفاضات التي هزت اركان السلطة البريطانية الى جانب الانتفاضات الأخرى ثورة قبائل النيمانج 1908-1918 بقيادة السلطان عجبنا وشاركت فيها حتى النساء بقيادة ابنة السلطان الأميرة مندي والتى أبت الا أن تترك ابنتها الرضيعة وتتحزم بلباس من الجلد الجديد (الأخضر) حول صدرها حتى لا تدر االحليب وخاضت كل المعارك الى جانب ابيها وأهلها ضد المستعمر، ولقد خلد الجيش السوداني تلك المناضلة الفذة في احدى مارشاته الخالدة (مندي كونا كوندو كلور اونجير اونجرنو اونجرنو كونا كوندو كلور اونجير)، ومن نافلة القول أن مؤرخينا الذين سجلوا تاريخ نضالات الشعب السوداني ضد المستعمر الانجليزي لم تسعفهم أمانتهم العلمية أن يتطرقوا الى تلك الحقبة المجيدة من تاريخ نضال شعب النوبة ضد السلطات الاستعمارية ولم يذكروا من نضالات المرأة السودانية الا رابحة الكنانية ومهيرة بنت عبود. تمكنت السلطة البريطانية في نهاية الامر من أسر السلطان عجبنا وحكمت عليه بالإعدام وأنكرت عليه حتى شرف الاعدام رميا بالرصاص ككقائد عسكري فشنقته على فرع شجرة ما تزال شامخة شموخ الرجل بالقرب من مباني مركز الدلنج.
جردت السلطة البريطانية حملات متلاحقة لاخماد ثورات النوبة وعمدت الى سحقها بوحشية ودموية حتى لاتقوم لها قائمة ولتكون عبرة للقبائل والجماعات الأخرى، ولم تتمكن من السيطرة على المنطقة وثوراتها العارمة التي دامت لأكثر من ثلاثتين عاما الا في حوالي العام 1929. وعاقبت النوبة بأن أغلقت مناطقهم الى جانب جنوب السودان وجنوب النيل الأزرق مع اهمالها من كل انواع التنمية من طرق وتعليم وصحة وغيرها، واطلاق يد الجماعات التبشيرية المسيحية لتنصيرهم وتحويل أنظارهم عن أي مظهر من مظاهر الثقافة العربية الاسلامية.
النوبة في ثورة اللواء الأبيض 1924
لعل ثورة 24 هي الحركة السودانية الوطنية الخالصة بعد الثورة المهدية المجيدة حيث أنها تحدثت بلسان قادتها وعلى رأسهم الملازم علي عبداللطيف (دينكاوي) والملازم عبدالفضيل الماظ (نوباوي) عن \"الأمة السودانية\" و\"السودان للسودانيين\" شعارات لثورتهم لتكون بذلك أول ثورة تجسد القومية السودانية وضمها القاموس السياسي السوداني دلالة على تعددية الشعب السوداني بجميع اثنياته وفئاته وتضمنت أهادفها التحرر والاستقلال من الاستعمار الانجليزي وربما الاتحاد مع مصر واقامة دولة وادي النيل الموحدة (ربما لخلق كيان أكبر قادر على مواجهة الأعداء وبناء أمة قوية)
لقد سجل ثوار 24 بطولات فذة حيث قاد الملازم عبدالفضيل الماظ معركة تحرير قيادات التنظيم من سجن كوبر ادار فيها ملحمة بطولية نادرة حتى سقط فيها شهيدا مع عدد من ضباطه وجنوده، وتم نفي الملازم علي عبداللطيف الى مصر حيث بقي فيها حتى وفاته. لسنا هنا بتحليل أسباب فشل ثورة 24 ولكن يكفي ان نذكر انها كانت ثورة وطنية (بامتياز) تنطوي على أهداف وطنية نبيلة بعيدة عن الجهوية والقبلية، ويكفي أن نورد رد الملازم علي عبداللطيف على سؤال الضابط الانجليزي الذي كان يحقق معه عن القبيلة التي ينتمي اليها حيث قال \" لا يهمني ان كنت منتميا لهذه القبيلة أو تلك، فكلنا سودانيون نعمل يدا واحدة من أجل تحرير بلادنا من سيطرتكم \". لقد كان غالبية الجنود المشاركين في ثورة 24 من النوبة (كان من بينهم أحد أجداد كاتب هذا المقال، المدعو آدم شاويج)
السودان في الحرب العالمية
شاركت قوة دفاع السودان في الحرب العالمية الثانية في شرق أفريقيا ضد الطليان وفي شمال أفريقيا ( طبرق، طرابلس، العلمين ) مع الحلفاء ضد قوات النازية الهترلية. لقد شكل النوبة جزءا لا يستهان به من قوة دفاع السودان الذي أنشأ عام 1925.
دعوني أحدثكم عن العلاقة بين النوبة والجندية والسلاح. يعيش الفرد النوباوي منذ نعومة أظفاره والى أن يشب عن الطوق بين ظهراني عائلته يشاركها جميع أنشطتها من رعي للماشية والزراعة والصيد واحتفالات الحصاد وغيرها وذلك حتى بلوغة سن الرشد والرجولة المبكرة. أول ما يفكر به في تلك المرحلة من عمره وبعد أن يكون قد قضى صولات وجولات في ميادين الصراع والمبارزة بالعصي وتعلم ضرب النار والتنشين، حتى عرف عنهم أن الواحد منهم يصيب بكل طلقة من بندقيته التقليدية الهدف أينما كان موقعه:
تصيب سهامنا غرض المعالى **** إذا ضلت عن الغرض السهام
وليس لنا من المجد اقتناع **** ولو أن النجوم لنا ضيام
يكون هدفه التالي هو أن يسعى للانضمام الى الجندية، وبالرغم من أن الحال قد تغير الآن حيث تفضل أغلب الأسر النوباوية أن تدفع بأبنائها في دروب العلم لتولي المناصب المرموقة بعد نيلهم الشهادات العليا، غير أن الجندية ما تزال هي المهنة (Career) المفضلة لاولئك الذين لم يكن لهم حظ من التعليم وهم كثر. ومن فرط اعتداده بالجندية يحرص النوباوي على الظهور ببزته العسكرية حتى لدى قدومه الى بلدته أو قريته في إجازته السنوية فتنظر اليه النسوة والبنات باعجاب شديد ويزغردن لدى مروره بهن كونه أكمل صفات الرجولة وبلغ مرحلة حامي الحمى وتغني له الحكامات (الحكامة هي شاعرة القبيلة في المناسبات وعند الوغي ترفع من أبلى بلاء حسنا وأبدى شجاعة في المعارك وويل له من لسانها السليط من جبن أو أدبر عند النزال إلى جانب تشجيعها وإشادتها بالفضائل الاجتماعية واستهجانها للرذائل). والحق يقال أنا لم أعرف أي بيت في قبيلتي (قبيلة الدلنج) لم يعمل فيه فرد من أفرادها في الجيش على مر أيامها، فقس على ذلك القبائل النوباوية الأخرى.
كان وحتى وقت قريب أول ما يقدم طالب الزواج في النوبة لصهره هي البندقية – وهي من نوع بنادق مخلفات الحرب العالمية مثل المرمطون (يقصد بها Remington االبريطانية) و(أبوجكرة) وأبوعشرة وأبوتشة وقريبينة وغيرها. يقدم زوج المستقبل هدية البندقية لأنها كانت أعز ما يتمنى النوباوي اقتناءه، ذلك أن البندقية عند النوبة هي رمز الرجولة وهي قمة التقدير لصهر المستقبل. ولكن هل جعل تملك النوبة للسلاح، وان كان من مخلفات الحرب العالمية الثانية، شعبا عدوانيا معتديا وغاصبا؟ لعل خير من ينبؤك عن ذلك كل من عاشر النوبة أو عرفهم عن قرب. لم يعرف عن النوبة استخدامهم للسلاح للاعتداء على الآخرين وكان استخدام السلاح عندهم محصورا في العاب الفروسية وحماية الحمي والعرض والممتلكات ضد النهابين والضواري والاستعراض في المناسبات الاجتماعية. وعندما استوثقت السلطات الاستعمارية من ذلك سمحت للنوبة بحمل السلاح دون ترخيص من السلطات المختصة الأمر الذي لم تحظ به أي قبيلة أو جماعة أخرى في السودان.
حظوظ النوبة من التنمية
لم تحظ مناطق جبال النوبة على طول تاريخهم وعلى مدى الادارات الحكومية المتعاقبة – استعمارية كانت أم وطنية – بأي مشروعات تذكر للتنمية صغيرة كانت أم متوسطة أم كبيرة، بل وتؤكد كل الشواهد أن ما كان موجودا من بعض مظاهر التنمية قد تدهور وتلاشى الآن. ولقد بذلت بعض المجهودات الخجولة مثل طريق الابيض – الدلنج – كادوقلي (يبلغ طوله نحو 250 كيلومتر) والذي بدأ العمل فيه منذ أواسط الخمسينيات من القرن الماضي ولم ينته تماما الى يومنا هذا (نحو 60 عاما بالتمام والكمال، صدقوا أو لا تصدقوا). وبالمقارنة فقد بدأ وانتهى العمل في طريق شريان الشمال في أقل من خمس سنوات، ولعل من أقبح الممارسات العنصرية ما قيل من أن نائب رئيس الجمهورية (الانقاذ) قام بزيارة المنطقة في تسعينيات الألفية الثانية ورأى بعض الآليات التابعة لقسم مصلحة الطرق والكباري بالدلنج والتي كانت تعمل في مشروع الطريق المذكور، فما كان منه الا أن أمر بترحيل تلك الآليات فورا لدعم الآليات العاملة في طريق شريان الشمال، قائلا بأن النوبة المتمردين لا يستحقون إنشاء طريق لهم، ناسيا أو جاهلا بأن فقدان التنمية والتهميش هي من أهم الأسباب التي قادت النوبة الى (التمرد). إن من شأن مثل تلك التصرفات تعكيرالعلاقات التاريخية بين شعب النوبة والكيانات القبلية في شمال السودان، وأنه كمسئول متنفذ كان عليه إقناع حكومته بتوفير الموارد القومية لتنفيذ مشروع شريان الشمال وليس تحويل مدخلات مشروع آخر بتلك الحجة العنصرية البغيضة. إننا ندرك تماما معاناة أهلنا في الشمال والذين لم يكن حظهم من مشاريع التنمية الا كحظ النوبة أو أضل.
ونذكر مثلا في مجال الخدمات الصحية وأهميتها لأي مجتمع؛ أن مستشفى الدلنج الذي أنشأ، كما علمنا، في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي عندما كان سكان المدينة والمناطق المجاورة لها لا يزيد عن بضعة آلاف ولم يزل ذلك المستشفى هو ذات المستشفى الذي عمل فيه من عمل حكيمباشي (مدير المستشفى) طيب الذكر دكتور موافي عبدالفتاح الذي تولى فيما بعد منصب وكيل وزارة الصحة الاتحادية، بالرغم من زيادة سكان المنطقة والمدينة أضعافا مضاعفة، وقس على ذلك مستشفيات كادوقلي وأبوجبيهة (1956) وغيرها من المرافق الصحية بالمنطقة.
ولم يكن قطاع التعليم بأفضل حال، فقد أصبحت غالبية المدارس الابتدائية والمتوسطة في المنطقة أثرا بعد عين حيث نهبت مبانيها (من الطوب والاخشاب وزوي الحديد وغيرها) الى جانب الأثاثات أثناء الحروب التي اندلعت في المنطقة في بداية عهد الانقاذ وتواصلت إلى اليوم، وما بقي من تلك المدارس لا يوجد بها أي مقومات للدراسة. علق أحد قدماء المدرسين الذين عاشوا العهد الذهبي للتعليم في السودان قائلا: \"لا أستطيع أن أفهم كيف كان حالنا في المدارس حين كنا نجلس على كراسي الخيزران في الفصول التي لا يزيد عدد طلابها عن الأربعين أو الخمسين وأمام كل منا درج خشبي أخضر اللون قابل للقفل عليه مكان للمحبرة تعبأ بالحبر بين الحين والآخر، وتوفر لنا الكراسات والكتب والأقلام وأدوات الهندسة وغيرها، ونعيش في داخليات لكل واحد منا فيها سرير حديد ودولاب وبطانيتين للفرش والغطاء ووسادة، ونتناول فيها ثلاث وجبات في اليوم وتصرف لنا الجوارب الواقية من البعوض وملابس الرياضة...الخ؛ ثم يأتي إبني أو حفيدي بعدي بنصف قرن من الزمان ليفترش الارض ويلتحف السماء ويجلس على طوبة أو حجر أو علبة فارغة ويتخذ من حجره درجا يضع عليه كراسته أو كتابه\".
ونذكر في مجال الكهرباء – وهي من أهم مشروعات التنمية – انه لم يكن لجنوب كردفان (مناطق النوبة تحديدا) نصيب يذكر منها الى يومنا هذا وحتي عندما بدأت الخطوط الناقلة للكهرباء القومية تصل الى كردفان تم تحويل الخط من مناطق النوبة حيث يمتد الخط من شمال كردفان الى مدينة الدبيبات ومنها الى المنطقة الغربية (مناطق أهلنا المسيرية، الذين نكن لهم كل احترام وتقدير وندرك انهم يعانون من التخلف والتهميش بقدر ما يعاني النوبة)، وكان يمكن لخط الكهرباء أن يواصل امتداده من الدبيبات الى الدلنج وكادقلي وتالودي وكالوقي وابوجبيهة ورشاد والعباسية في تواز وتزامن مع الخط الناقل الى المناطق الغربية لجنوب كردفان؛ ولكن لحاجة في نفس يعقوب تم تجاهل ذلك. وقس على ذلك الجهود التي بذلت في مجالات التنمية في جنوب كردفان.
وشهدت المنطقة تدهورا لا مثيل له في القطاع الزراعي. فكلنا يدرك الفوائد الجمة التي كان يدرها مشروع مؤسسة جبال النوبة الزراعية على النوبة وجلهم من المشتغلين بالزراعة، حيث كانت المؤسسة توفر لهم التقاوى والارشاد الزراعي ومكافحة الآفات والآلات الزراعية ووسائل النقل والمحالج الخاصة بالقطن ( وقد كانت من أفضل الأنواع في العالم وتعرف بمحالج (Gins Murray الانجليزية الشهيرة) في عدد من المراكز، وتقوم بتسويق المنتج بعائدات مجزية للمزارع. وبجرة قلم حلت الانقاذ تلك المؤسسة فتعطل النوبة وتعطلت مصالحهم وهجروا زراعة القطن ذلك المحصول النقدي الهام الذي كان يتزايد الطلب عليه من مصانع لانكاشير البريطانية وبيعت موجودات المشروع على عينك ياتاجر. ثم نكس القوم على رؤوسهم وقرروا اعادة الأمور الى نصابها بعد لأي ولكن بعد أن سكب اللبن ودمرت كل البنى التحتية للمشروع من مباني ومكاتب ومساكن وآليات ووسائل نقل ومحالج... الخ.
جدلية النوبة بين الحكومة وحركات التمرد
بدأ النوبة تحركهم الجدي لاشعار السلطات الحاكمة المتعاقبة بتخلفهم وتهميشهم بتنظيمات مطالبية سلمية، بحركة الأب فيليب عباس غبوش اوائل الستينيات ثم اتحاد عام جبال النوبة (1963) وتضامن قوى الريف وتنظيم كمولو (وهو التنظيم الذي عمل على استقطاب النوبة للانضمام للحركة الشعبية لتحرير السودان وضم قيادات مثل يوسف كوة مكي وتلفون كوكو ابوجلحة وعبدالعزيز الحلو وغيرهم) والحزب القومي السوداني، وكانت تلك الحركات النوبية متزامنة مع تنظيمات أخري لقوي الهامش مثل جبهة نهضة أبناء دارفور، وحركة سوني الدارفورية ومؤتمر البجة وغيرها.
شارك النوبة بوجودهم الكثيف في القوات المسلحة في جميع العمليات الحربية ضد ما كان يطلق عليه التمرد بمراحله المختلفة بدأ من حركة علي بطلة وانانيا الأولى وانانيا الثانية وأخيرا الحركة الشعبية لتحرير السودان. والحق يقال فقد كان للنوبة أثر واضح في كبح جماح حركات التمرد ووقف زحفهم تجاه الشمال. وكذلك كان لوجود النوبة في الحركة الشعبية العنصر الحاسم في توطيد الحركة لاقدامها باحتلال الحاميات الحكومية والقرى والمدن. ذكر اللواء تلفون كوكو ابوجلحة في كتابه \" المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وجهان لعملة واحدة \" أن الحركة الشعبية كانت عاجزة تماما عن احراز أي تقدم في عملياتها العسكرية ضد الجيش السوداني، بحيث انهم لم يتمكنوا حتى من احتلال نقطة شرطة في الجنوب الا بعد انضمام النوبة للحركة \" ... وفي خلال حربكم على مدى سبعة عشر عاما لم تستولوا على نقطة بوليس واحدة لكي تتفاوضوا بها وهذه حقيقة فانتم من دون ابناء النوبة لم تستولوا على نقطة بوليس واحدة وكان ابناء النوبة في الطرف الآخر، وعندما أصبح النوبة معكم تمكنتم من تحرير مدن \" . وبذلك كان وجود النوبة في كل من الجيش السوداني والحركة الشعبية لتحرير السودان بمثابة التوازن (توازن الرعب، ان شئتم) بين الجانبين المقاتلين.
ولعل وجود النوبة في القوات المسلحة شئ طبيعي بحسب ماذكرنا من أن الجندية هي المهنة المفضلة لدي النوباوي. أما انضمام النوبة زرافات ووحدانا للحركة الشعبية فقد كان نتيجة لشعورهم المتزايد بالتهميش السياسي والاقتصادي، ولمقابلة الشعارات التي رفعتها الحركة الشعبية هوي في نفس العديد من ابناء النوبة وبخاصة المثقفين منهم: السودان الجديد الذي ترفرف فية اعلام الحرية والمساواة والتنمية المتوازنة وحرية العبادة وإعادة توزيع الثروة والمشاركة العادلة في السلطة الخ.
النوبة في جنوب كردفان بين المطرقة والسندان
إن الذي يشاهد الصور المروعة الصادرة من جنوب كردفان جراء الحرب الدائرة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية – قطاع الشمال – يدرك حجم المأساة التي يعيشها المدنيون من النوبة في تلك البقاع والانتهاكات التي يتعرضون لها. أن الصراع الدموي الدائر في جنوب كردفان نتيجة لتفسير كل جانب من الطرفين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) لنتيجة الانتخابات التكميلية التي جرت في الولاية يعتبر بكل المقاييس جريمة كبرى في حق النوبة، بل وترقى الى جريمة التطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية. فلقد أدت تلك الحرب الى قتل أعداد كبيرة من المدنيين الآمنين فى المدن والأرياف وتشريد الآلاف الذين نزحوا شمالا الى الابيض والنيل الأبيض والعاصمة في ظروف قاسية قاطعين مئات الكيلومترات مشيا على الأقدام وتعرضوا خلالها الى النهب والسلب والقتل أحيانا من المليشيات والانتهازيين. ولم يوفر الطرفان استخدام كل أنواع الاسلحة الخفيفة منها والثقيلة من طائرات حربية (الجيش السوداني) والدبابات ومدافع الميدان – استخداما عشوائيا في كثير من الأحيان مما ادى الى تدمير الممتلكات والارواح.
ويعيش هؤلاء النازحون جراء العمليات العسكرية أوقاتا عصيبة يفتقدون فيها ما يقيم أودهم من إغاثة وأدوية لمرضاهم وجرحاهم الا من بعض ما يقدمه الاهالي في المناطق التي يفدون اليها، في مشاهد تجسد الاخوة والنخوة السودانية المتمثلة في إغاثة الضعيف ونجدة الملهوف وإكرام الضيف.
إن تداعيات هذه الحرب اللعينة في جنوب كردفان ستكون خطيرة جدا وبعيدة المدى تتمثل في فقدان النوبة للموسم الزراعي الحالي نتيجة للمخاطر التي تحول دون ذلك مما يعني انهم سيقعون تحت رحمة الجهات التي تقدم الاغاثات تعطيهم أو تمنعهم (حسب سياسات تلك الجهات وأجنداتها الخاصة). وسوف يتحول النوبة الى نازحين حتى في داخل اوطانهم نتيجة لحرق ممتلكاتهم ونهبها وحرق مدنهم وقراهم. ألم يأن لطرفي النزاع أن يتفكروا في العواقب الوخيمة لسياساتهم في هذه المنطقة الحساسة والتي أصبحت تحت مجهر المجتمع الدولي بأسره بدءا من مجلس الأمن ومنظمات حقوق الانسان وعدسات الفضائيات ووسائل الاعلام الأخرى التي تحصي كل صغيرة وكبيرة والأقمار الصناعية التي ترصد حتى النملة في دبيبها على الأرض.
إن الأخبار المتواترة عن الممارسات التي ترقى إلى الإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان والاتهام باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا سوف تقود حتما الى اتخاذ المجتمع الدولي لتدابير تحول دون استمرارها ومساءلة مرتكبيها. إن من حسن تدبير طرفي النزاع أن يراجعوا حساباتهم ويعمدوا فورا إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق الآتي:
وقف العدائيات فورا.
القيام باغاثة النازحين والعمل على اعادتهم الى قراهم ومدنهم.
تعويض المتضررين في ممتلكاتهم .
وضع حلول جذرية لوضعية قوات الحركة الشعبية (قطاع الشمال) وفق بروتكول جبال النوبة.
السماح لوسائل الإعلام ووكالات الإغاثة ومنظمات الأطباء بالعمل بحرية في المنطقة.
الوصول الى حلول سياسية تفاوضية للخلافات بين الجابين باشراك القوى السياسية.
نداء
وننتهز هذه السانحة لنهيب بأبناء النوبة أينما كانوا نبذ خلافاتهم وتوحيد كلمتهم كل من موقعه وانتمائه السياسي والحزبي ( النوبة في المؤتمر الوطني ليسوا باستثناء) والعمل على دفع قضايا شعبهم المتمثلة في التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي والدفع بالحلول الجذرية لها في الاطار القومي. علينا نحن النوبة أن ندرك أن خلافاتنا السياسية والاجتماعية الضيقة تتضاءل أمام مشكلتنا المصيرية: أن نكون أو لا نكون؛ أن نعيش بكرامة، أن نقتلع من أرضنا وبيئتنا لتضيع هويتنا الى الأبد.
ونود أن نؤكد لأولئك الذين يراهنون على إذلال النوبة أو تهجيرهم أو إبادتهم بأنهم إنما يراهنون على فرس ميت. إن النوبة الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل السودان وواجهوا القوى الاستعمارية والأنظمة الشمولية الداخلية وناصروا الامام المهدي محرر السودان وموحده (الذي أضاعه الآخرون)، قادرون على مواجهة التحديات والدفاع عن أرضهم وعرضهم وتطلعاتهم المشروعة مهما كلفهم ذلك. إن قضيتنا هي التخلف والتهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ونحن نسعى لمعالجتها بالنضال السلمي، ولكن:
إن دعا دعي الفدا لن نخن
نتحدى الموت عند المحن
نشترى المجد بأغلى ثمن
هذه الأرض لنا فليعش سوداننا علما بين الأمم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.