زاوية حادة دا كلام شنو يا حسين (2) جعفر عباس لعل الأستاذ حسين خوجلي كان أكثر أمانة مع نفسه، وهو يتمنى انقراض لغات شمال وشرق وغرب السودان، فهناك من عجم السودان المستعربة من هم أكثر تطرفا منه في نظرتهم للغات والثقافات غير العربية، ويتمنون في الكواليس لو تنقرض تلك الجهات بأهلها، وليس فقط لغاتها كما انقرض جنوب البلاد، ويخيل إليّ أن هناك خلطا في عقول المستعربين الاستعلائيين بين اللغة العربية والدين الاسلامي، فمن تعرّب أو استعرب من أهل السودان فعل ذلك باعتناق الإسلام، وليس بفعل الإنتماء العرقي أو حتى الثقافي، ومن بنى وأشاد الامبراطورية الاسلامية هم الأعاجم، ومن نشر الإسلام في السودان هم أعاجم النوبة ودارفور، ومن احتضن هجرة المسلمين الأولى هم البجة، ولا عجب في أن الرسول عليه السلام رفع مقام الأعجمي سلمان الفارسي وجعله من (آل البيت) وأوكل الجهر ب(الله أكبر) لبلال الحبشي. ولا يمر يوم على أخينا حسين خوجلي دون أن يجرم في حق نفسه و(يرطن) عندما يتكلم عن التكل والدوكة والعنقريب والكراب الخاص به، والجرتق والسبلوقة والأجاويد والمشق ويطلق اسم (هناي) على كل شخص او شيء يفوت عليه اسمه الحقيقي، ومن حقه ان يفاخر بأنه عربي، ولكن ليس من حقه أن يدعو بالهلاك للغات وثقافات غير العرب في السودان، لتسود ثقافة (المركز).. وفي ما أعرف فحسين عاشق للتراث الشعبي السوداني (العربي) وشخصيا أشاركه ذلك العشق ولكنني (أتفوق) عليه بكوني عاشقا للتراث النوبي وأجيد اللغة النوبية بلهجاتها الثلاث، ووالله ووالله لم ترد في أغنية نوبية مفردات تتعلق بشفة أو نهد أو ردف أنثى، وقد تم تكليفي في نحو عام 1977 بوضع دراسة لإنشاء قناة دارفور التلفزيونية وجمعت التراث الشعبي الدارفوري ولم أجد فيه شيئا من ثقافة المركز من شاكلة (ووب علي..).. و(تقل المرجرج الخايض الوحل) و(النهيد الما رضع جنى).. وفوق هذا كله فرغم الاهمال المتعمد للغات غير العربية فإن الناطقين بها لم يبتذلوها بمفردات كتلك التي استولدتها (سقافة) المركز: التشيكس والشمارات والماسورة والشاكوش. في بريطانيا هناك الانجليزية والايرلندية والاسكتلندية والويلزية، إلى جانب لغات أخرى ذات أصول جرمانية، وصارت بريطانيا عظمى ولا تزال لأنها وفرت الحماية لتلك اللغات وشجعت الناطقين بها على حمايتها من الإنقراض، فكانت النتيجة هي أن أهل ويلز وايرلندا واسكتلندا جميعا حرصوا على اتقان الانجليزية لأنها لغة عالمية، ونبغ الكثيرون منهم في عالم الشعر والأدب باستخدام تلك اللغة، تماما كما حدث مع النوبيين الجيلي عبد الرحمن ومحيي الدين فارس وجمال محمد احمد ومحمد وردي وعلاء الأسواني ومحمد منير وغيرهم الذين أدركوا أن العربية هي التي ستجعل أصواتهم عابرة للأقاليم والحدود، وسبقهم إلى ذلك الإدراك أعاجم منهم ابن سينا والأفغاني وابن حيان والنيسابوري والفارابي . وعندي للأستاذ حسين خوجلي أنباء مزعجة: منذ سنوات وباحثون وأكاديميون نوبيون يعكفون على إحياء الحرف النوبي لتعود لغة السواد الأعظم في السودان الشمالي مكتوبة بحيث يكتب أحفاد محجوب شريف وحميد والياس فتح الرحمن الشعر بلغة أجدادهم النوبيين.. ويشرفني أن أسهم في ذلك الجهد، ويشرفني بنفس القدر أنني عاشق للعربية وأغار عليها وأتمنى لها الرسوخ، فهي أداة أساسية لترسيخ الوحدة الوطنية، بوصفها اللغة العامة lingua franca في السودان، ووحدة وطنية تهتز بسبب وجود أكثر من لغة في البلد المعني زي قلتها.. الهند فيها أكثر من (2000 ) لغة ولم تهتز وحدتها الوطنية بحركات انفصالية جادة أو إنقلابية لأن أهل المركز احترموا التنوع العرقي والثقافي واللغوي. الرأي العام