العصب السابع مطلوب فكرة قومية..!! شمائل النور الذين حرمهم الله نعمة البصر، عوّضهم بنعمة أخرى في البصيرة.. كثيرون منهم يسيرون في الطرقات دون هدي من البشر، يتحسسون بالعصا والحوائط، فيصلون إلى المكان الذي يريدون دون أن يكلفوا البشر.. لكن الذين يدعون أنهم مبصرون وبصيرون ومع ذلك يضلون طريقهم بل يرون الطريق القويم أمامهم فيتركونه ويختارون المنعطفات والمنزلقات.. هو الحال الآن في السودان، فالوضع المأزوم يسير إلى طريق مجهول المصير ولا يبدو أن الاحتكام إلى العصا سوف ينفع.. لأن البصيرة غائبة.. البصيرة التي تضع الوطن والشعب أعلى القائمة حتى لا يعلو عليه شيء.. أظن أن أكثر من عشرين عاماً على العزف المنفرد كافية جداً لتقييم التجربة بكل شفافية، والقليل من مكاشفة النفس بالإخفاقات التي أدت إلى ما نحن فيه الآن مطلوب الآن عاجلاً وليس آجلاً، فالإقرار عين العقل، وأُس الهداية إلى الطريق الصحيح.. انفصال جنوب السودان حدث جنوني بكل المعايير، غيّر مسار التاريخ والجغرافيا والإنسانية، إلى أسوأ - حتى الآن - الانفصال أكبر إخفاق صاحب هذه السنين، حتى لو استصحبنا الوضع التاريخي لجنوب السودان، لأن ما تمخض عنه الانفصال لا يقل كارثية عن تلك الحرب البائسة. توقع كثيرون قبل الإنفصال أن يحدث تغيير كبير داخل الأنظمة التي أعلنت الإنفصال، بإعتبار أن الحدث ليس عادياً، فكانت من التوقعات التي تحتكم إلى الدستور أن تُعلن الحكومة استقالتها لتتشكل حكومة قومية جديدة، يتغير الوضع كلياً بعدها، وإن لم يحتكم هذا التوقع إلى الدستور كان ينبغي أن يكون، لأن وزر الإنفصال لا يتحمله أحد غير الذين أعلنوه. وينبغي أن يُذهب الكثير من ماء الوجه.. لكن لم يحدث. في هذه الأثناء والبلاد تدخل منعطفات تاريخية وتطورات خطيرة وجديدة كلياً في تاريخ السودان.. تشظي الوطن نظير السلام ثم القبول بهذه الفاتورة الباهظة ثم حروب جديدة تعم كل السودان، في نكسة لا يقبلها المنطق والتاريخ.. جنوب كردفان والنيل الأزرق إن استمرت على ما هي عليه وارتفع صوت السلاح كما يحدث كل يوم، فهذه يُمكن أن تكون البداية لنهاية قريبة، إما نهاية لهذه الحكومة حيث إنها تُحرر شهادة وفاتها بيدها، أو نهاية لكل السودان وشعبه. الحكومة الحالية بمعطياتها الواقعية التي بين أيدينا واضح جداً أنها فشلت في إدارة أزمة إنفصال الجنوب، وإن لم تعترف بذلك، فالإحتكام إلى الحل عبر السلاح والرجوع إلى تاريخ سحيق يعني أن الحوار وصل إلى باب مغلق حتى وإن لم يبدأ.. إذن هو الفشل.. رغم الذي يحدث، يُعلن حزب المؤتمر الوطني انطلاق قطار تشكيل الحكومة العريضة دون انتظار أحزاب المعارضة أكثر من ذلك، الطريقة التي يُسوق بها حزب المؤتمر الوطني لحكومة عريضة لا يُغري صاحب قضية أن يلحق بهذا القطار، إذاً كيف يريد المؤتمر الوطني أن \"تشتغل\" عنده أحزاب المعارضة بحجز مناصب فارهة بذات السياسة التي نتائجها بين أيدينا. وإن وافقت أحزاب المعارضة بأعلى نسبة مشاركة وعجزت عن طرح برنامج إصلاحي، والعجز هو الإحتمال الوارد، لأن المؤتمر الوطني لا يُغير برنامجه حسبما قال. إذن ماذا يستفيد الوطن من مشاركة أحزاب المعارضة.. الحل هو الحكومة القومية بفكرة قومية تضع كل أزمات السودان في طاولة واحدة وتُعدل هذا الإعوجاج الشيطاني.. لقد آن أوان أن نطوي هذه الصفحة طي السجل، لنبدأ سوداناً قومياً حقيقياً. التيار