الموت سمبلا!!! عطاف محمد مختار [email protected] بادئ ذي بدء نرسل أحر التعازي لأسر ضحايا حادث غرق البنات الصغيرات المؤسف، الذي حدث أمس الأول بولاية القضارف... تقبلهم الله قبولاً حسناً مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، وجعلهن شفيعات لوالديهن يوم الحشر العظيم... لقد أصبحت قيمة الإانسان الذي كرمه الله تعالى، رخيصة جداً في بلادنا... رخيصة للدرجة التي تدفع رجال حماية الغابات لمطاردة بنات صغيرات لم يجدن مفراً منهم -البحر من ورائهن والعدو أمامهن... فأين المفر؟- سوى القفز داخل الترعة، والموت غرقاً... أوتدرون ياسادتي ما ذنبهن؟... ذنبهن انهن كن \"يحتطبن\"، أي يجمعن حطب الوقود للنار... ف(البوتجاز، والفرن، والمايكرويف) لم يجد طريقه لبيوتهن سبيلا بعد!.... زهرات صغيرات، خرجن إلى هذه الدنيا ياسادتي، ولم يكن حظهن فيها كما الأخريات من بنات جيلهن... و\"حظهن\" هنا لا نعني (الديجيتال، والبلاي استيشن، وعرائس باربي، والشوكلاتة، والمارتديلا... وووو) فهذه مفردات بذخية مترفة لم تدخل قاموس حياتهن اليومية... أنا أعني أبسط المتطلبات البدهية المشروعة (التعليم الجيد والصحة وحقوق الطفل)... هؤلاء الصغيرات رغم البراءة، دفعتهن ظروفهن المعيشة الضنكة لعيشة حياة العصور القديمة منذ الأزل، التي حتمت عليهن واجبات يومية تنحصر في توفير (موية الشراب ونار المنقد). (حسنة، وهاجر، وريان، وإكرام، ورحاب).. كان صباح الأربعاء الماضي عادياً ككل صباح، خرجن من منازلهن بعد شرب شاي الصباح مع الحبوبة، وهن يغنن ويشدن بأغاني الأطفال، ويداعبن بعضهن: (أنا بعدين أمي قالت لي حتمشط شعري ظفائر... وأخرى تقول: أنا عمو علي بكره بجي من البندر وبجيب لي معاهو حلاوة لبن... وأخرى تغيظهن: أنا جدو الحاج مشى الحج وقال لي حاجيب لك أجمل هدوم في السعودية).... هذه هي أحلامهن الصغيرة يحكينها لبعض، وهن لايدرن ماذا يخبئ لهن القدر، في آخر رحلة \"احتطاب\" من الغابة في حياتهن.... (حسنة 16 سنة، وهاجر 8 سنوات، وريان 10سنوات) انتقلن إلى الرفيق الأعلى... (إكرام10 سنوات، ورحاب8سنوات) مفقودتان... الجدة فاطنة 56 سنة لم تتحمل هول المصيبة فصعدت روحها إلى جوار بارئها. بيان حكومة ولاية القضارف الذي وضح فيه ملابسات الحادث، يقول: (أثناء قيام فريق من حماية الغابات بعمله الدوري بدائرة غابات الحواتة بالقسم الشمالي صباح اليوم –الأربعاء- رأت مجموعة من أبناء منطقة أبو رخم الذين يقومون بقطع للأشجار عشوائياً من داخل الغابة، وعندما رأوا عربة الغابات المعروفة لديهم لاذوا بالفرار قبالة الترعة الرئيسية لمشروع الرهد الشيء الذي أسفر عن وفاة (4) أربع من فتيات المنطقة غرقاً...). هل إذا كانت تتوفر لهؤلاء المواطنين -الذين هم رعاياك يا والي القضارف، والوالي مسؤول عن رعيته- مصادر الطاقة كانوا سيدفعون ب(فلذات أكبادهم) للاحتطاب؟... وهل إذا كانوا يملكون ثمن شراء البوتجاز والغاز كانوا سيرسلوهم إلى الغابة؟.... وهل إذا كانت تتوفر لهم مصادر دخل تكفيهم قوت ووقود يومهم كانوا سيرسلوا صغارهن إلى الذين لا يفرقوا بين \"الاحتطاب والقطع العشوائي\"؟... وهل الصغيرات اللائي ماتوا غرقاً –ودماؤهن في أعناقك- يملكن من القوة مايقطعن بن الأشجار قطعاً جائراً مؤثراً؟... حتى إذا افترضنا أنهن كن يقطعن قطعاً عشوائياً، هل تتم مطاردتهن كما تطارد الفريسة؟... أين كانت هيئة الغابات عندما وزعت آلاف الأفدنة لصالح المزارعين من أراضي غابات الشرق التي كانت تحتوي على مختلف الحيوانات النادرة التي فرت إلى أثيوبيا... أين كانت هيئة الغابات عندما وزعت مئات الأفدنة من غابة الفيل لصالح مطار الشوك؟.... هل بات الآن (احتطاب) الصغيرات يشكل تهديداً للبيئة... (عينكم للفيل وتطعنوا في الحرائر)... أين نحن من قول أمير المؤمنين (الفاروق) عمر بن الخطاب عندما كان يبكي قائلاً: (لو أن بغلة عثرت في العراق لسألني الله عنها لما لم أمهد لها الطريق؟)... فماذا أنتم قائلون لله تعالى يوم الحساب في أرواح هؤلاء الصغيرات يا ولاة أمرنا؟....